سياسة مودي تستحضر نبوءة هنتنغتون في الهند

لا يبدو مستقبل التعايش في الهند مطمئنا في ظل ولاية رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي ذي الإرث الشعبوي والقومي المتطرف.
الثلاثاء 2020/01/07
مودي: شعبوي يرفض التعددية

الصين ليست وحدها في قلب العاصفة، وشعب الإيغور ليس بالأقلية المسلمة الوحيدة التي تعاني من التضييق والتمييز في الدول متعددة الثقافات، فما كان يسوق له بالمجتمعات المتسامحة وعولمة الثقافة، باتت اليوم بمثابة براميل بارود مهددة بالانفجار في أي لحظة.

غير بعيد عن الصين، في بلد يقدم نفسه كأكبر ديمقراطية في العالم، وبحجم سكاني يفوق المليار و300 مليون نسمة، وحيث تعيش أكبر أقلية مسلمة في العالم يفوق تعدادها 170 مليون نسمة، لا يبدو مستقبل التعايش في الهند مطمئنا في ظل ولاية رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي ذي الإرث الشعبوي والقومي المتطرف.

مودي الذي صعد نجمه عبر النفخ في إعلاء القومية الهندوسية  يجسد ما ذهب إليه عالم الاجتماع الأميركي إدوارد شيلز، في خمسينات القرن الماضي، حينما عرف الشعبويين بأولئك الذين يقدمون إرادة الشعب فوق المؤسسات والمجموعات الاجتماعية المهمشة ويجعلونها مرادفا للعدالة والأخلاق. كما يضيف على ذلك الباحث الألماني يان فيرنر مولر أيضا من أن الشعبويين في الأصل يرفضون التعددية لأن الشعب في نظرهم لا يجب أن يكون إلا واحدا.

قد تتفق تلك التعريفات مع المد الشعبوي والقومي في الغرب اليوم، غير أنها تظل مغايرة للحقائق التاريخية في الهند في علاقتها بالإسلام على الأقل، فقد نجح التجار والمسلمون الفاتحين في الهند فيما فشل في تحقيقه الإسكندر المقدوني في حروبه بشبه القارة الهندية في القرون الوسطى. وعلى العكس من ذلك غدا الإسلام مكونا ثقافيا قويا وراسخا في بلد العجائب والملل والديانات وصروح المعابد منذ القرن الثامن.

ولكن الساسة الهنود من أنصار مودي لا يجدون اليوم غضاضة من اللعب بورقة القومية الهندوسية على الرغم من الكلفة الباهظة والمؤلمة للمحارق الإثنية في وقت ليس ببعيد في هذا البلد المختلط.

لقد ظلت الهند على مدى عقود طويلة على الحافة ومضرب الأمثال في مخاطر الصراعات الإثنية والثقافية، وقد تصدر هذا المثال الذي ينطلق من الصراعات المحيطة بالإسلام، كتاب صامويل هنتغتون الشهير والمرجعي لصدام الحضارات، وليس أقلها خطورة صراع الهند وباكستان والصراعات داخل الهند نفسها بين المسلمين والهندوس. وكان تساؤل هنتغتون مبررا بشأن ما إذا كانت الهند قادرة فعلا على الصمود كدولة ديمقراطية علمانية بوجه نزعات التحول إلى دولة ذات هوية هندوسية خالصة.

كثيرون، ومن بينهم النخبة العلمانية في الهند، ينظرون إلى القانون المثير للجدل لمنح الجنسية إلى اللاجئين من غير المسلمين، كمطية لاستفزاز الأقلية المسلمة، وهو الهدف غير المعلن برغم النفي المتكرر لمودي. وللدلالة على ذلك تصل متطلبات القانون إلى حد إرغام مواطنين ينحدرون من آباء مهاجرين لاجئين مقيمين على أطراف الهند منذ فترات طويلة، على إثبات انتماء آبائهم وأجدادهم إلى الأرض الهندية حتى يصبحوا مواطنين، ويصبح الأمر أكثر عبثية واستفزازا لأنه يتحول بالنسبة للكثيرين من الهنود إلى ما يشبه عمليات تقصّ لإثبات مواطنتهم وقد يصبحون بين عشية وضحاها أمام مصير مجهول في حال فشلوا في توفير صك الهوية.

Thumbnail

بالنسبة للمنظمات الدولية فإن القرار الشعبوي والاستفزازي لمودي لا يعكس فقط فشلا في الحفاظ على الأسس العلمانية للحكم في الهند منذ استقلالها عام 1947، وإنما يمهد الوضع الحالي لتمرير مسوغات قانونية للتمييز ضد المسلمين على نحو مخالف للتعددية الثقافية والعرقية المكونة للهند.

في غمرة الاحتجاجات الحالية تشير أرقام في وسائل الإعلام الهندية إلى مليونين من المعفيين من قبل السلطات من قانون الجنسية، معظمهم مسلمون. وقد يكون الرقم رمزيا قياسا لحجم السكان غير أنه كاف لينكأ جراحا قديمة ويدفع بالمزيد من الفوضى إلى الشوارع.

ولأن الأمر أصبح أشبه بالحملة المنظمة فإن القرارات لم تقف عند الحكومة فقد أصدر القضاء أيضا قرارا بالترخيص لبناء معبد هندوسي في مكان مسجد كان دمر في عام 1992 من قبل قوميين هندوس، وتسبب آنذاك في أسوأ موجة عنف طائفي في تاريخ البلاد.

ووسط هذا الشحن تزيد الفرق شبه العسكرية الداعمة لرئيس الوزراء وعبر استعراضاتها الشبيهة بالكتائب النازية من قتامة ما يخيم بسماء الهند.

وفي بلد لا يزال التبرز في العراء يشكل معضلة بيئية وصحية خطرة على حياة مئات الملايين من السكان بجانب نمو متعثر للاقتصاد، فإن سكب الزيت على نيران الصراعات الإثنية سيكون آخر أمر تحتاجه الهند اليوم.

وفي الواقع فإن اضطرابات الهند ليست معزولة عن مناخ إقليمي يسوده التوتر في أقصى شرق آسيا، بدءا بالنزاع التاريخي في كشمير، وخط الرعب النووي مع الجارة باكستان، والقلاقل في الإقليم الصيني المسلم شينجيانج، إلى جانب الخلافات المتكررة بين الصين وأكبر بلد مسلم إندونيسيا حول المنطقة الاقتصادية الخالصة وحقوق الصيد في بحر الصين الجنوبي.

لقد حققت تلك الدول إنجازات مهمة في مكافحة الإرهاب والتنظيمات الراديكالية خلال العشرية الأخيرة ومنذ الهجمات الدامية على مومباي في عام 2008، ونجحت في إبعاد خطر حروب كانت وشيكة في ما بينها، غير أن لا شيء يمنع من حدوث انتكاسة جديدة واندلاع حروب أكثر خطورة وتدميرا على البشرية في ظل ما يحيط بالمنطقة من موجات تعبئة وشحن إثنية، وهي حروب العصر الثقافية التي طالما نبه إليها هنتغتون.

12