مات رجل إيران القوي.. فماذا بعد ذلك؟

اكتفت الولايات المتحدة بتوجيه صفعة لإيران، بعد انتظار طويل دام 40 عاما. والسؤال الأكثر أهمية الآن ليس هو لماذا قامت بذلك، بل لماذا انتظرت كل ذلك الوقت لتقوم بذلك؟
منذ العام الأول للحدث الذي مهد الطريق لعودة آية الله الخميني إلى إيران، الحدث الذي مضى عليه أربعون عاما وأطلق عليه اسم “الثورة الإيرانية”، وحكام طهران يبذلون كل ما في وسعهم لزرع الفتن واختلاق المشاكل في المنطقة، ويظهرون التحدي للولايات المتحدة.
أول مظاهر التحدي كان عام 1979، حين تم احتجاز رهائن أميركيين داخل السفارة الأميركية في طهران، لمدة 444 يوما، اكتفت خلالها واشنطن بالدبلوماسية وبلعبة الانتظار. الأمر الذي فُسّر من قبل الجميع بحرص واشنطن على عدم تعريض سلامة الرهائن للخطر، وفسره حكام طهران بخوف الإدارة الأميركية من الإيرانيين، خاصة في ظل تعاطف كبير مع الثورة الإسلامية، في ذلك الحين، حتى قوى اليسار أبدت تعاطفا مع آيات الله، لتخسر بذلك مصداقيتها، وتتعرض للتفكك والانحسار.
وعندما ضربت إيران السفارة الأميركية في بيروت بعد أربعة أعوام، أبريل 1983، اختارت واشنطن عدم الرد أيضا، الأمر الذي فتح شهية حكام طهران للمزيد، فجاءت ضربة مقر المارينز، بعد أربعة أشهر، من نفس العام.
اختارت الإدارات الأميركية المتعاقبة الصمت أمام تجاوزات إيران، وبدا وكأنما واشنطن قد منحت طهران ضوءا أخضر لفعل ما تريد في لبنان، وسوريا والعراق واليمن. ووصلت التجاوزات إلى حد قامت معه طهران بأعمال قرصنة بحرية ضد سفن تنقل البترول، وتجرأت على ضرب منشآت نفطية حيوية في السعودية، في تهديد ليس فقط للسعودية بل للاقتصاد العالمي.
عمليات اغتيال كثيرة نفذها عملاء إيران في المنطقة، ضد مسؤولين ورجال فكر، وتحرك رجالها، وعلى قاسم سليماني، متنقلين بين عواصم عربية بحرية، يعزلون وينصبون رؤساء حكومات ووزراء وقادة جيوش، وبدا الأمر وكأنما هم حكام مفوضون لتسيير الشأن الداخلي لدول عربية أهدتها واشنطن لطهران.
الهجوم الأخير على السفارة الأميركية في بغداد، ليس هو الأسوأ على قائمة الهجمات التي خطط لها آيات الله، حتى يعتبره الكثيرون الخط الأحمر الذي تجرأ الإيرانيون على تجاوزه. إيران تجاوزت الخط الأحمر قبل ذلك الوقت بكثير. إلا أن الاختراق الأخير حدث في ظل ظروف دولية جديدة، باتت تهدد المصالح الأميركية في منطقة من أكثر مناطق العالم أهمية.
تشابكت المصالح وتعددت الأطراف المتصارعة، وكان لا بد للولايات المتحدة من أن تذكر الجميع من هو صاحب القول الفصل وسيد القطيع المتناحر؟
كل ما قيل حتى الآن يجيب على الجزء الأول من السؤال، لماذا وجهت واشنطن الضربة التي أنهت حياة رجل طهران القوي؟ ولا يقدم إجابة على الجزء الثاني من السؤال وهو، لماذا انتظرت واشنطن كل ذلك الوقت لتقوم بذلك؟
دع خصمك يوغل في الخطأ وانتظر اللحظة التي يفقد فيها المتعاطفين معه، عندها فقط انقضّ عليه. الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ليس حالة استثنائية في التاريخ الأميركي، لسبب بسيط هو وجود مؤسسات تسير الحكم من خلف الستار، وتحرص على تنفيذ المصالح الأميركية. عندما اقتضت الضرورة، لم يتردد الرئيس الأميركي، هاري ترومان، بإصدار الأوامر لضرب اليابان بقنابل نووية، في أغسطس 1945.
الإدارة الأميركية، وليس الرئيس الذي لم يمض على وجوده في المنصب أكثر من أربعة أشهر، هو من أعطى القرار الذي أوقف الحرب العالمية الثانية.
تصفية قاسم سليماني، ليست رد فعل غاضب لرئيس أميركي يصفه العالم بالانفعالي، بل هو رد مخطط ومدروس جاء في اللحظة الصحيحة بعد أربعين عاما من الانتظار والترقب.
مات سليماني، الذي يلقبه الجميع برجل إيران القوي.. فماذا بعد ذلك؟
خياران لا ثالث لهما، مطروحان اليوم أمام حكام طهران، الاستسلام والقبول بالخسارة، وفق أحكام وشروط المنتصر. هكذا كانت الأمور تجري في السابق، وهكذا سيكون الحال مع إيران اليوم.
هناك اتفاق مخطط له سيرى النور قريبا، يعيد ترتيب الأمور وفق مصالح الأطراف الأقوى، وحتما ليست إيران من بينها. فهي الآن بمثابة رجل المنطقة المريض؛ لأول مرة ترتفع الأصوات ضد “الاحتلال” الإيراني في دول المنطقة. هذا عن الخيار الأول، ماذا عن الخيار الثاني؟
إن لم يتعلم حكام طهران من دروس الماضي، خاصة من اليابان وألمانيا اللتين قبلتا الخسارة والشروط التي فرضتها عليهما الأطراف المنتصرة، وقبل ذلك كله من تجربة الدولة العثمانية، التي اضطرت للتنازل عن ميراثها، لن يكون أمامهم من خيار سوى الانتحار.
الإدارة الأميركية تنتظر ردة الفعل التي قد تصدر عن طهران، ولن تتردد في مساعدتها على الانتحار إن اقتضت الضرورة. الأهداف التي يراد ضربها محددة بدقة على الخرائط ولن تقتصر هذه المرة على بعض الأشخاص والأماكن.