سيناريوهات شائكة تواكب تضاؤل أمال بتسوية أزمة سد النهضة

تصل مفاوضات سد النهضة الإثيوبي إلى المحطة الأخيرة خلال أيام في انتظار الوثيقة التي سوف تحملها مصر وإثيوبيا والسودان إلى واشنطن 13 يناير الجاري. وباتت ورقة الطرف الرابع أقرب من أي وقت مضى بعد سلسلة من الجولات التفاوضية لم تحقق تقدّما ملموسا، إلا أن التوافق عليه قد يصبح مسألة معقّدة مع ظهور اقتراحات لم تكن متداولة من قبل.
القاهرة – تتجه الأنظار الخميس والجمعة المقبلين نحو أديس أبابا لمتابعة الاجتماع الرابع والأخير لمفاوضات سد النهضة، والتي تدخل مرحلة حاسمة وسط غياب التوافق التام حول الرؤى والحلول التي تُنهي أزمة الملف المعقّد بين مصر وإثيوبيا والسودان.
لم تظهر حتى الآن مؤشرات جلية بشأن قرب الوصول إلى صيغة تقرّ باتفاق مرضي للدول الثلاث، خاصة مصر الراغبة في تحديد كمية المياه المتدفقة إليها وسنوات الملء، وآلية تشغيل السد بصورة تمنع مرورها بفترات جفاف مستقبلا، في حين ترفض إثيوبيا الحلول المطروحة من جانب القاهرة، بحجة أنها تمثّل عدوانا على سيادتها الوطنية.
يزداد الارتباك مع صعوبة وصول الدول الثلاث لصيغة نهائية قبل محطة من الذهاب إلى واشنطن لمحادثات مع المراقبين الدوليين، الولايات المتحدة والبنك الدولي، وإخفاق الاجتماعات الماضية في التوصّل لتفاهمات محددة ونهائية.
حرصت مصر وإثيوبيا والسودان على مواصلة الحفاظ على الوتيرة الهادئة في البيانات الصادرة عقب كل اجتماع لتجنّب التفسيرات الخاطئة وعدم زيادة الأوضاع سخونة والتي كانت سائدة قبيل انطلاق الجولات، بينما لم تخلُ التصريحات الإثيوبية من تلميحات بعدم حدوث تغيير في المواقف.
ثلاثة سيناريوهات
تنحسر النتائج قبل دخول الاجتماع الرابع والأخير في أديس أبابا، في ثلاثة سيناريوهات. الأول، وهو الأكثر صعوبة، يرتبط ببلورة اتفاق تاريخي يضع بنودا مرضية للجميع في مسائل تخصّ التشغيل وقواعد الملء، والتأسيس لمرجعية قانونية وسياسية وفنية لأيّ مشروع يمكن البناء عليه في المستقبل داخل دول حوض النيل.
السيناريو الثاني، هو مدّ فترة التباحث مرة أخرى لمدة شهر أو شهرين إضافيين، وهي عملية يمكن الاتفاق عليها إذا حمل الاجتماع الأخير بوادر إيجابية تؤكد وجود شكل توافقي أو تقارب في وجهات النظر، ينقصها المزيد من المحادثات والتفاهمات كي لا تحتاج إلى تفعيل المادة العاشرة من اتفاق الخرطوم في مارس 2015، والاستعداد لقبول طرف رابع.
يبقى الطريق – السيناريو الأخير، والمتفق عليه مسبقا، ويرتبط بالسماح بدخول طرف أجنبي للمشاركة في مفاوضات سد النهضة، ليصبح بإمكانه ترميمها، والمساعدة في بناء الثقة وإقرار بعض النقاط الفنية في البناء، والتي تخشى مصر من آثارها السلبية على أمنها المائي.
يرى البعض من المراقبين، أن الولايات المتحدة أو البنك الدولي، أو الاثنين معا، الطرفان الأقرب للدخول كطرف رابع في المفاوضات، لأسباب تتعلّق بقوة واشنطن، والعلاقة الجيدة التي تجمعها بكل من مصر وإثيوبيا والسودان، ومن مصلحتها ضمان استقرار منطقة القرن الأفريقي للحفاظ على الخط التجاري البحري الحيوي.
يضاف إلى أفضلية اختيار الولايات المتحدة، وجودها كدولة ومراقب في الاجتماعات الثلاثية منذ نوفمبر الماضي، ما يعني معرفتها بمخرجات اللقاءات وشكل التباحث وأدوات كل مفاوض في تبرير أو فرض وجهة نظره.
غير أن الولايات المتحدة لن تكون المرشح الوحيد للولوج إلى مربع أزمة سد النهضة كطرف رابع. وتبدو أديس أبابا عازمة على طرح أوراق أخرى مع وجود مخاوف جدية من احتمال ميل واشنطن نحو القاهرة، بسبب المصالح المتشابكة في ملفات إقليمية مهمة.
يقول الصحافي الإثيوبي، داويت كيبادي، هناك تيار صاعد بقوة داخل أروقة الحكومة في أديس أبابا، يطرح الاستعانة بمبادرة حوض النيل كطرف رابع.
ويوضح كيبادي في تصريحات خاصة لـ”العرب”، أن إثيوبيا تضع حل إشراك بلدان حوض النيل كخطة بديلة في حال استمر الجمود في سير المفاوضات، “أديس أبابا ترى في مشاركة الدول العشر المعنية بنهر النيل الحل المنطقي والأقرب للواقع، لأن اتفاق سد النهضة سوف يؤسس لنموذج شامل لكافة دول حوض نهر النيل، ويشكل مستقبل التنمية في دوله”.
خرجت مبادرة حوض النيل في فبراير عام 1999، وضمّت مصر، السودان، أوغندا، إثيوبيا، الكونغو الديمقراطية، بوروندي، تنزانيا، رواندا، كينيا، أريتريا، بهدف تدعيم أواصر التعاون الإقليمي بين هذه الدول، وتم توقعيها في تنزانيا.
تفكير خارج الصندوق
حاولت دول المنبع السبع تطوير المبادرة لتصبح مفوضية حوض النيل مع إبرام اتفاق يحسم مسألة تنمية الحوض، ونجم عنه توقيع اتفاقية عنتيبي عام 2010 التي أقصت دول المنبع، مصر والسودان، من الاتفاق بعد رفضهما التوقيع دون تحديد كمية المياه المتدفقة سنويا.
وتابع كيبادي لـ”العرب”، قائلا “إثيوبيا سوف تستند للباب الثاني عشر (حالات الطوارئ) من اتفاق مبادرة حوض النيل التي تسمح بمشاركة دوله في القضايا المشتركة للأعضاء في حالة شكّلت تهديدا وشيكا أو تسبّبت في وقوع ضرر جسيم لدول حوض النيل، أو دول أخرى”.
يمثّل إشراك المبادرة بأعضائها العشرة تعقيدا أكبر لأزمة سد النهضة، لأنها مسألة قد تجنح بسير التفاوض، وتعطل القدرة على الوصول لحل قبل الانتهاء من بناء السد العام المقبل، وتبرز رأس الأزمات في الخلاف بين مصر والسودان من جهة، ودول المنبع من جهة أخرى على آلية إدارة نهر النيل.
وتبدو مبادرة دول حوض النيل أقرب إلى رؤية إثيوبيا، في ظل أن جميع دول المنبع تشاطرها رغبتها في بناء مشروعات على حوض النيل دون تدخّل أو مراقبة خارجية.
مع تحرّك رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، في المحيط الأفريقي بصورة إيجابية، قد تصبح القاهرة في موقف صعب مع تراجع دورها في هذا المحيط بشكل قلّل من تأثيرها ونفوذها، وحتى المحاولات الحثيثة التي تقوم بها مع تولّيها رئاسة الاتحاد الأفريقي لم تسفر عن تغيرات توحي بأن القاهرة تمتلك ناصية العديد من الأمور التي تفيد موقفها في أزمة سد النهضة.
ويشير متابعون، إلى صعوبة قبول مصر والسودان بأي من دول حوض النيل داخل مفاوضات سد النهضة، لأنهم أطراف غير محايدة، وتعمّدت القاهرة منذ انطلاق مفاوضات سد النهضة اقتصار أزمة السد على الدول المعنية فقط دون حاجة لإشراك أي بلد أفريقي يمر به نهر النيل.
استمرت موجة التعليقات والتصريحات الإثيوبية في انتقاد طريقة مفاوضات سد النهضة. ونشرت صحيفة أديس ريبورتر مقالا لأستاذ السياسات المائية بجامعة أديس أبابا، يعقوب أرسانو، طالب فيه مصر بـ “عدم تسييس القضية وإبقاء الأمر في إطاره الفني”.
يزداد الارتباك مع صعوبة وصول الدول الثلاث لصيغة نهائية قبل محطة من الذهاب إلى واشنطن للتباحث مع المراقبين الدوليين
وزعم أن القاهرة تبالغ في مخاطر سد النهضة وانخفاض حصتها المائية، قائلا “السد لن يغيّر مسار المياه إلى مجرى آخر، بل سوف تعبر من توربينات السد وتستمر في التدفق، والقليل من الماء سوف يحتفظ به أثناء فترة الملء، وهما شهران فقط في كل سنة، وهذا سيكون أثناء الشهور المطيرة وفترة الفيضانات، وهي مياه زائدة عن متوسط التدفق الطبيعي، كما أن فترة ملء الخزان سوف تستغرق سبع سنوات، وكل هذه الخطوات مبنية على دراسات وأبحاث لضمان عدم تأثر دول المصب”.
في المقابل، تصرّ غالبية الردود المصرية على احترام الحقوق المائية التاريخية لكل دولة، وحلّ الأزمة في إطارها الفني، والذي رفضته إثيوبيا مرارا، كما أن مدة السبع سنوات مفيدة لمصر إذا أكدت أديس أبابا القبول بها صراحة.
يعكس المشهد العام قبيل انطلاق الجولة الأخيرة من المفاوضات الكثير من المعاني الإيجابية والسلبية، ما أدّى إلى إيجاد التباسات فنية، لا أحد يستطيع القطع بأنها ستميل إلى أي كفة قريبا، لأن النتائج الاجتماعات الثلاثة السابقة لم تغيّر كثيرا في جوهر القناعات الإثيوبية، ما يجعل الباب مفتوحا
لمزيد من الجدل حول هوية الطرف الرابع، وهل سيكون الولايات المتحدة الأميركية أم البنك الدولي، أم دول حوض النيل؟