تركيا مستميتة لغزو ليبيا بصادراتها

تكشف التحركات التركية المستميتة لغزو السوق الليبية من بوابة الصادرات دليلا على هيمنة سياسة الخضوع للمصالح الخارجية، التي تنتهجها حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، وهو ما يعزز تأكيدات المحللين بأن هذا التوافق سيهدد آخر المقومات الاقتصادية للبلد النفطي، الذي يعاني أصلا من ويلات الأزمات منذ تسع سنوات.
طرابلس- تزايدت تحذيرات الخبراء من تفاقم مشكلة غزو السلع التركية إلى ليبيا بعد أن أظهرت أنقرة عزمها على تعزيز الصادرات في الفترة المقبلة بعد سلسلة اتفاقيات مع حكومة الوفاق المشرفة على النفط في طرابلس.
وتحاول تركيا من خلال جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك (موصياد) الحصول على موطئ قدم لها في ليبيا مهما كلفها الثمن، بعد أن فسحت لها حكومة الوفاق المجال مؤخرا للدخول بقوة ومساعدتها على مواجهة الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر.
وكشفت موصياد، التي تقول إنها تعمل وفق “دبلوماسية تجارية” في عدة دول، أن تركيا تسعى إلى رفع صادراتها إلى ليبيا بأكثر من 571 بالمئة، لتصل إلى 10 مليارات دولار، مقابل نحو 1.49 مليار دولار في العام الماضي.
وتطرق ممثل الجمعية لدى طرابلس مرتضى قرنفيل، في مقابلة مع وكالة الأناضول إلى آثار “اتفاقية مناطق الصلاحية البحرية” المبرمة مؤخرا بين تركيا وليبيا على العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين.
وفي 27 نوفمبر الماضي، وقعت تركيا وليبيا مذكرتي تفاهم، الأولى حول التعاون الأمني والعسكري، والثانية بشأن تحديد مناطق النفوذ البحرية لحماية حقوق البلدين النابعة من القانون الدولي، في خطوة رفضتها أغلب دول المنطقة والمجتمع الدولي.
وتثير الاتفاقية جدلا واسعا بين الأوساط السياسية والاقتصادية كونها غير شرعية، خاصة وأنها جاءت مع مساعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لاعتمادها كغطاء لدخول ليبيا ومساعدة حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج الذي تحميه ميليشيات متطرفة.
ويحاول قرنفيل الترويج لسياسة بلاده في هذا المضمار بالقول إن “اتفاقية مناطق الصلاحية البحرية” ستسهم في تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين خلال المرحلة المقبلة، بفضل انعكاس قوة العلاقات السياسية بينهما بشكل إيجابي على المجال الاقتصادي.
ولكن كثيرين يرون أنها ستدمر ما تبقى من الاقتصاد الليبي المرتهن للنفط، لاسيما مع تقدم قوات الجيش الوطني للسيطرة على طرابلس وإنهاء الفوضى بالسيطرة على مكامن الثروات الطبيعية.
وفي حال تمكنت أنقرة من تنفيذ أحلامها في هذا المجال فإن صادرات تركيا إلى ليبيا سوف تشمل الملابس والأثاث والمواد الغذائية وقطع غيار السيارات ومستلزمات البناء وغيرها من القطاعات الأخرى.
ويتوقع ممثل موصياد في طرابلس أن ترتفع قيمة الصادرات التركية إلى ليبيا بنسبة 50 بالمئة لتصل إلى 3 مليارات دولار في 2020.
وقال إن “ليبيا بالنسبة لنا بمثابة البوابة المفتوحة على مصر وتونس والجزائر وأفريقيا الوسطى، وفي حال اغتنام هذا الجانب بشكل جيد، فإنه من الممكن رفع قيمة صادراتنا إليها، لمستوى 10 مليارات دولار”، دون تحديد موعد.
ولكن مراقبين يرون أن هناك صعوبات قد تقف حائلا أمام تحقيق تركيا أطماعها في ليبيا في ظل المتغيرات الإقليمية المتسارعة والداعمة بشكل كبير للجيش الوطني الليبي ورفض كل مساعي حكومة الوفاق المتعلقة ببيع ثروات الليبيين إلى أنقرة.
وأوضح أن السوق الليبية تعد من أوائل الأسواق الخارجية التي بدأ المقاولون الأتراك النشاط فيها خلال سبعينات القرن الماضي، في بدايات انفتاحهم على الأسواق الدولية.
هناك صعوبات قد تعرقل تركيا في تحقيق أطماعها في ظل المتغيرات الإقليمية المتسارعة والداعمة للجيش الوطني الليبي
وتشير بيانات موصياد إلى أن حجم المشاريع التي تولاها المقاولون الأتراك في ليبيا منذ تلك الفترة بلغت 29 مليار دولار، وهو ما يعني أن ليبيا ثالث أكبر بلد بعد روسيا وتركمانستان، يتولى رجال الأعمال الأتراك مشاريع فيه.
ويختتم قرنفيل حديثه بالإشارة إلى أن سوق التجارة في ليبيا “باتت مهمة لتركيا خلال المرحلة المقبلة التي ستشهد إعادة إعمار وتأهيل البلاد”. وإجمالا بلغت قيمة صادرات تركيا خلال نوفمبر الماضي نحو 15.5 مليار دولار بزيادة 0.1 بالمئة على أساس سنوي.
وسبق أن أوضحت هيئة الإحصاء التركية أن قيمة الصادرات خلال الشهور العشرة الأولى من 2019، زادت بنسبة 1.8 بالمئة على أساس سنوي، إلى قرابة 157 مليار دولار. كما تراجعت الواردات خلال نفس الفترة بنسبة 11 بالمئة، لتستقر عند أكثر من 183 مليار دولار.
ولن تكتفي أنقرة بإغراق السوق الليبية بالسلع، بل تسعى إلى تسريع التنقيب على الغاز في الشرق المتوسط من خلال الاتفاقية مع حكومة السراج.
وقال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز الثلاثاء الماضي إن “إجراءات التراخيص المتعلقة بمناطق الصلاحية البحرية وفق الاتفاق الأخير مع ليبيا، ستبدأ في الأشهر المقبلة”.