حماس تحرج عباس لاقتناعها بتهربه من إجراء الانتخابات

رام الله – طالبت حركة حماس، الأربعاء، الرئيس الفلسطيني محمود عباس بإصدار المرسوم الخاص بتحديد موعد الانتخابات العامة دون انتظار موافقة إسرائيل على إجرائها في شرق مدينة القدس، في خطوة اعتبرها البعض محاولة من الحركة لإحراج عباس، في ظل اعتقاد سائد بأن الأخير يحاول التملص من إجراء الاستحقاق.
وربط عباس، الثلاثاء، تحديد موعد للانتخابات العامة بموافقة إسرائيل على إجرائها في القدس الشرقية. وقال الرئيس الفلسطيني، عشية عيد الميلاد في دير الفرنسيسكان في مدينة بيت لحم بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا) “جميع الفصائل وافقت على ما نحن موافقون عليه، لكن بقيت عقبة واحدة مهمة جدا وهي إجراء الانتخابات في القدس”.
وأضاف أن “دولة الاحتلال لا تريد أن تجري الانتخابات في القدس، ونحن نقول يجب أن تتم الانتخابات لأهل القدس في القدس نفسها، وإذا حصل هذا سنصدر مرسوما بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية”.
تصريحات عباس تلقفتها سريعا حركة حماس لترد في مؤتمر صحافي، بوجوب تسريع إعلان موعد الانتخابات، حاثة على تحويل الاستحقاق في القدس إلى ما اعتبرته “اشتباكا شعبيا وسياسيا” مع إسرائيل.
وصرح القيادي في الحركة صلاح البردويل من غزة أن “المراهنة على استثناء القدس من أي عمل سياسي أو انتخابي أو غير ذلك أمر مستحيل لا يقبله أي فلسطيني وفي المقدمة حماس، ولا يخضع لمزايدات وأكاذيب لا تنطلي على أحد بأن حماس يمكن أن تقبل أي انتخابات دون القدس”.
ورأى القيادي في حماس أن إعلان عباس عن تقديم طلب لأخذ الإذن من إسرائيل لإجراء الانتخابات في القدس “شكل صدمة كبرى لجماهير شعبنا، وقواه، ولم يستوعب عقل فلسطيني واحد هذا الفعل الغريب”.
وأكد أنه “لا انتخابات دون القدس، ولن يذهب فلسطيني واحد لصناديق الاقتراع دون المدينة، ولا نقبل بأخذ الإذن من الاحتلال، بل بفرض العملية الانتخابية عليه فرضا، وبتحويل القدس والانتخابات فيها إلى حالة اشتباك سياسي وميداني وشعبي”.
ويعتقد كثيرون أن الموقف الذي أعلنته حماس يندرج في سياق لعبة المزايدات بينها وبين السلطة الفلسطينية وحركة فتح، خاصة وأن هناك اتهامات توجه إلى الحركة بأنها أضحت طرفا تنفيذيا لخطة السلام الأميركية لجهة سعيها الدؤوب لتكريس انفصال غزة عن الضفة الغربية، وما المحادثات تحت الطاولة مع واشنطن والتي كان من ثمارها بناء مستشفى أميركي في القطاع إلا تعزيزا للشكوك حول الدور الذي باتت تلعبه الحركة.
وأكد عضو المجلس الثوري لحركة فتح الفلسطينية المتحدث باسمها أسامة القواسمي أن إجراء الانتخابات دون القدس يعني الانزلاق في “صفقة العار الصهيوأميركية، والإقرار والاعتراف بالقرارات الباطلة”.
ونقلت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) عنه القول إن “قضية القدس ليست لعبة أو ملفا يقبل التأويل والتفسير الحزبي، وإنما قضية وطنية مقدسة لا نقبل أن تخضع لمسار الابتزاز والضغط من الأقرباء والأعداء، وهي قضية الوجود والهوية الوطنية الفلسطينية”.
وأجريت آخر انتخابات عامة فلسطينية عام 2006 أثارت جدلا كبيرا وأدت إلى انقسام الضفة عن غزة، وسبق ذلك بعام فوز عباس الذي تجاوز الثمانينات من عمره بانتخابات رئاسية لأول ولاية مفترض أن مدتها أربعة أعوام فقط.
ويؤمل الفلسطينيون أن يشكل إجراء الانتخابات مدخلا لإنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي المستمر منذ منتصف عام 2007 إثر سيطرة حماس على قطاع غزة بالقوة، بيد أن جميع المؤشرات توحي بأن لا أفق قريبا لإجرائها.
وقال الخبير في الشؤون الفلسطينية، أحمد فؤاد أنور، إن رفض الرئيس عباس تحديد موعد لإجراء الانتخابات قبل إزالة الموانع التي تعترضها عملية حيوية، فمن دون تسهيل إجراء الانتخابات في القدس المحتلة، ووعد إسرائيل المجتمع الدولي عدم اتخاذ تدابير تعرقلها، من الصعوبة الحديث عن عملية انتخابية نزيهة وشفافة تعكس إرادة الشعب الفلسطيني.
وأضاف لـ”العرب”، ربما لا تكون هناك رغبة كبيرة للرئيس أبومازن لإجراء الانتخابات وقبلها على مضض، لكن ليس أمامه من سبيل سوى الالتزام بهذا الاستحقاق الحيوي، لأنه الطريق الوحيد لحسم الكثير من الأمور العالقة على الساحة الفلسطينية، وخوفا من حدوث فراغ، حال حدوث مكروه للرئيس يغيّبه ويصبح مكانه شاغرا، وفي ظل الخلافات التي تعيشها حركة فتح من الضروري اللجوء إلى خيار الانتخابات العامة.
ويرى متابعون أن الأجواء الغائمة، في إسرائيل، وحول الرئيس الفلسطيني، تجد فيها حركة حماس فرصة مواتية لتأكيد حرصها وحماسها للانتخابات، بعدما كانت غير مكترثة في البداية بها، خوفا من أن تأتي بنتائج مغايرة بما قد ينزع عنها الحضور السياسي والأمني والاقتصادي القوي في غزة، والهيمنة على كافة مفاتيح الحل والعقد.
ويقول المتابعون إن عزف حماس على وتر التعجيل بتحديد جدول زمني يرمي إلى حشر الرئيس أبومازن في زاوية ضيقة، ويبدو كأنه لا يريد لهذه الانتخابات أن ترى النور قريبا، وفي الحقيقة أن هذه الخطوة عليها تحفظات من الطرفين، غير أن الأمر الواقع يجعلها واجبة، ففي ظل التحركات المتسارعة التي تقوم بها إسرائيل على الأرض ربما لا يجد الفلسيطينون ما يتخاصمون عليه مستقبلا.
وتعاطت حماس مع عرض عباس لإجراء انتخابات عامة في الأراضي الفلسطينية في سبتمبر الماضي بفتور في البداية وبدت مترددة حيال القبول بالمشاركة، فارضة جملة من الشروط، قبل أن تعدل عن موقفها وتقدم موافقة مكتوبة لرئيس اللجنة العليا للانتخابات.
ويعتقد أن كل تراجع في موقف أبومازن وفتح يوازيه تزايد في حصالة حماس، فإذا تباطأت السلطة الفسلطينية في اتخاذ التدابير اللازمة للانتخابات ستتعرض لمزيد من الضغوط الداخلية والخارجية، لأن تخطيط حماس يراهن على الانتخابات لإحكام القبضة على غزة وتجديد الشرعية فيها، ومع حملة الترويج التي يقوم بها رئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، في جولته الخارجية الحالية، سوف يتبلور موقف الحركة في سياق الاستعداد لأي تطورات مقبلة، سواء أجريت الانتخابات أم لا.