المثقف الموسوعي شوقي ضيف يعتبره المصريون حارس الثقافة العربية

الخميس 2014/04/10
ضيف اعتمد المنهج النقدي التاريخي الذي أخذه عن طه حسين

دافع طه حسين عن الثقافة العربية بتحريرها من الجمود، داعيا إلى التجديد العقلي، مما أثار عليه المعارك، التي وصل مداها إلى تكفيره، كما حدث بعد نشره كتاب «الشعر الجاهلي» 1926، أما التلميذ شوقي ضيف فقد أخذ على عاتقه مهمة الدفاع عن التراث العربي وهويته الثقافية، ومن أجل هذا وظّف كتاباته لدحض دعاوى المستشرقين في الهجوم على العربية وتراثها الأصيل، وقد انبرى للدفاع عنها في أكثر من مؤلّف.

أولى مقالات شوقي ضيف كانت في الدفاع عن أستاذه طه حسين بعد مهاجمة كاتب عراقي لما كتبه أستاذه عن الشَّاعر الفرنسي المتفلِّسف «بول فاليرى» وقصيدته «المقبرة البحرية». أما ثورته وغيرته على التراث العربي فجاءت في الجزء الخاص بـ«عصر صدر الإسلام» من موسوعته «تاريخ الأدب العربي»، حيث انبرى بالرّد على المقولة الباطلة التي روّجها المرجفون عن كون الإسلام «لم يتمخض صدره إلا عن أثر طفيف، ومُحدّد الفاعلية في أشعار المخضرمين»، هكذا وَجَدَ نفسه يدافع عن هذه الدعاوى الباطلة، مُفَنِّدًا أكاذيبها بالأسانيد والدلائل من أشعار المخضرمين، ومن النَّثر الفنِّي البديع الذي تجلَّى فيه جوهر الرِّسالة، وإلهامات القرآن.


فكر مرن


تصدَّى شوقي ضيف في كتابه «التطوير والتجديد في الشِّعر الأموي»، لأباطيل المستشرقين القائلة إن «الشّعر في عصر بني أمية لم يأتِ بجديد يختلف عن العصر الجاهلي، وأنَّ التجديد لم يظهر إلا في العصر العباسيّ» بقوله «إنّ التَّمَسُكَ بالثوابت والأصول التقليدية لم يمنع الشعراء من الاستجابة لإفرازات العصر من جديدٍ وتطوّر بل إنِّ العربَ واكبوا واستوعبوا ثم عبَّروا عن التطورات الجديدة التي لحقتْ بالحياة العربية في شتى الأمصار»، ثم يختم بقوله «إن التجديدات من صُنْع العنصر العربي وليست من ابتكارات الموالي». لكن يُمثّل دفاعه عن الشَّاعر أحمد شوقي في كتابه «شوقي شاعر العصر الحديث» مفارقة تكشف عن روح العصر ومرونته الفكرية الذي عاش فيه، فقد أوقف الكتاب للدفاع عن شاعرية شوقي، وما لحق به من غُبْنٍ، ووصفه بصفات هو براء منها.

وفيمعرض دفاعه هاجم أستاذه طه حسين وكذلك العقاد، حيث ذكر أن في آرائهما «تَجمُّد مُسْرِف وطعن مُجْحِفٍ في شاعرية شوقي» ومع هذا فقد منحاه عن هذا الكتاب جائزة الدولة في عام 1955. فالأصل أنّه كان مهتما بتوخي وجه الحقيقة وحدها، ليقدِّمَ أحمد شوقي في الإطار الذي يستحقُّه شاعرًا غنائيًا وروائيًا وناثرًا.
ويمثِّلُ كتاب «عالمية الإسلام» صورة واضحة تبلور فكر الدكتور شوقي ضيف في الدفاع عن الإسلام، مما روَّجه بعض المستشرقين وما اشتهروا به من عداوات وتهم جاهزة تلصق بالإسلام، فقد أظهر في هذا الكتاب التعايش الفكري بين المسلمين وغير المسلمين بفكر قويم، حيث استطاع الإسلام -في نظره- أن يُحدث امتزاجًا قويًا بين المسلمين وغيرهم، مما حَدَا بالكثرة الكثيرة مِن شعوب الأمم المفتوحة باعتناقه عن يقينٍ وصدقٍ. كما أوضح دعوة الإسلام إلى العلم، ورأى أن الإسلامَ لم يكن عائقًا للعلم وحريته، وردَّ عليهم بأن الإسلامَ عانقَ العلم منذ أوّل آية نزلت «اقرأ»، وأوضح أنَّ التعليمَ بالقلم غير مُقيَّد بنوعٍ خاصٍ من العلوم التي أسبغ الله معرفتها على الإنسان، وفي نهاية الكتاب أكَّد على أن الإسلام دين العدالة والتسامح؛ ليردَّ على الذين يرددون أن الإسلام دين التعصُّب والإرهاب.


مثقف موسوعي


تظل فكرة العالم الموسوعي في العصر الحديث مُنْتَفِيَّة، ولم يعد له ذكر سوى صدى العصور السَّابقة، إلا أن إسهامات الدكتور شوقي ضيف تنسبه إلى هذه العصور. فقد أثرى المكتبة العربية، بكتابات وصل عددها إلى ستين مؤلفًا، عالج فيها ألوانًا مختلفة من المعارف والعلوم ويكفي الدكتور شوقي فخرًا موسوعته الرائدة «تاريخ الأدب العربي» التي جاءت في تسعة أجزاء، طاف فيها بعصور الأدب منذ العصر الجاهلي، حتى العصر الحديث، وما بينهما.

كما تعدَّدت إسهاماته الإبداعيَّة فشملت الشِّعر والتراجم، وقد وصل عدد ما ترجم إلى عشرة آلاف شاعر كما يقول الدكتور (محمود فهمي حجازي) أحد تلامذته.
أثرى المكتبة العربية بكتابات وصل عددها إلى ستين مؤلفا عالج فيها ألوانا مختلفة من المعارف والعلوم

وقد اعتمد على المنهج النقدي التاريخي، الذي أخذه عن أستاذه «طه حسين».

تعدَّدت الروافد الثقافيَّة التي أسهمتْ في تشكيل وعي الدكتور شوقي ضيف، فالثقافة الدينيّة تُعد رافدًا مهمًا، حيث حفظ القرآن الكريم في كُتَّاب القرية منذ الصغر، بل لم يكتف بحفظه فقط، إنما اهتم بتجويده وأحسن فيه، وقد دعَّم هذا كله بدراسته الدينيّة في معهد دمياط الدينيّ، ثمّ معهد الزقازيق الدينيّ إلى أن التحق بكلية الآداب قسم اللغة العربيّة. وتعدُّ قراءاته في كُتُبِ التراث رافدًا آخر مِن روافد تشكيل وعيه، حيث انكّب منذ صغره على قراءةِ كُتُب النَّحو والمتون والحواشي، وكذلك كُتب الفقة خاصة الفقة الشّافعيَ. علاوة على ما قرأه في بطون كتب التراث العربي وغيرها.. هذا إلى جانب تأثير أساتذته الذين شغف بدروسهم كـ«أمين الخولي» أستاذ البلاغة والتفسير، و«أحمد أمين» أستاذ الحياة العقليّة الإسلاميّة، و«مصطفى عبد الرزاق» أستاذ الفلسفة، و«عبدالوهاب عزام» أستاذ الأدب الفارسي. تخرّج شوقي ضيف في كلية الآداب عام 1935.

14