السؤال الأهم: ما الذي سنكون عليه في المستقبل؟

أثار الذكاء الاصطناعي من المخاوف والشكوك أكثر مما حظي به من ترحاب. فقط من امتلك الرؤية المستقبلية، شاهد الجانب الإيجابي في هذه التكنولوجيا. أسبوع دبي للمستقبل، بالنماذج والأفكار المستقبلية التي اختارها بعناية لدورها المتوقع في إحداث تأثيرات إيجابية مذهلة في حياة كل إنسان، يشكل دعوة لاستكشاف مستقبل تتجدّد فيه الإنسانية.
دبي – في تجربة فريدة استكشف زوار أسبوع دبي للمستقبل، الجيل المستقبلي للإنسان، الإنسان المعزّز بالتكنولوجيا وليس الآلة أو نظم التشغيل، ربما لأن الآلات والنظم ستندمج معنا وتزيد قدراتنا العقلية والجسدية.
لم تعد الأسئلة الوجودية هي الأعلى صوتا في حياتنا، ولم يعد السؤال الأهم “من نحن؟” و”أين نحن؟”، بل أصبح “ما الذي سنكون عليه؟”. “استكشف مستقبلا تتجدد فيه الإنسانية”، أولى الكلمات التي تستقبلك في متحف مصغر يعرض “تجربة الإنسان” ضمن “أسبوع دبي للمستقبل”، عبارة بسيطة تشكل إجابة وافية.
العناصر التي عرضت كانت لنماذج وأفكار مستقبلية مبتكرة تم اختيارها بعناية لدورها المتوقع في إحداث تأثيرات إيجابية مذهلة في حياة كل إنسان في المستقبل، حيث سيتمكن العلماء عام 2080 من تطوير أدوات تتيح وجود الإنسان خارج حدود الجسد وتنقل وعيه من شكل لآخر.
وستتيح القفزات الكبيرة في علم الأعصاب لجنسنا البشري إجراء عمليات تخطيط للدماغ وتشكيل نسخة عنه بجميع تفاصيله باستخدام مكونات أخرى، وستسمح عمليات مسح الدماغ القياسية بإجراء عمليات نقل للأفكار والحصول على نموذج مطابق عنها بالإمكان الاحتفاظ به على شكل سجلّ من خلال عملية الطباعة، فيما أصبح بإمكاننا اليوم أن نحصل على نماذج رقمية وروبوتية وحتى بيولوجية تضم مختلف الأعضاء البشرية.
محطة مهمة في رحلتنا التطورية تقدمها هذه المنصة الفريدة، تتمثل في الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد، حيث تطبع أعضاء وأنسجة حية باستخدام خلايا ومواد حيوية تتطابق مواصفاتها مع جسم المريض، ما يعزز سبل العلاج.
وسيتضمن القلب الهجين للإنسان شبكة مطبوعة تعمل كجهاز لتصحيح نبضات القلب ما يدعمه ويحسن وظائفه، وستدعمه شبكة من أجهزة الاستشعار والأقطاب الكهربائية مطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد باستخدام مزيج من الخلايا والمواد الحيوية، لتكون مشابهة لحد كبير للأنسجة الطبيعية.
في المستقبل، سنمتلك أعضاء إلكترونية كليا، تعمل بخصائص وظائف الأعضاء البشرية الطبيعية، ومن الممكن استبدالها، ثم إضافة مميزات تفوق قدرات القلب البشري الطبيعي، حيث تتم مراقبة الصحة العامة وتحسين أداء العضو بشكل عام.
وفي مرحلة أكثر تقدما ستصنع الأعضاء باستخدام التكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا النانو، ما سيمكن البشر من علاج الأمراض بالأدوية المخزنة مسبقا في القلب باستخدام روبوتات النانو وربما الاستبدال الكلي للقلب البشري، وستتمكن أجهزة الاستشعار من تقييم صحة الإنسان وتجنب مخاطر الفشل الوظيفي للقلب، والكشف عن نقص الأكسجين بشكل مبكر ومعالجته مع روبوتات النانو.
وتقدم المنصة نماذج بشرية مستقبلية، منها نموذج ميكانيكي يهدف لضمان السلامة عند أداء المهام الصعبة في الفضاء، وهناك النموذج الاصطناعي الحيوي الذي يعتمد محاكاة الدماغ، ويقدم مثلا على الاندماج التام للجسم البيولوجي البشري مع النماذج الاصطناعية.
أما النموذج الافتراضي فيستخدم في العالم الرقمي لخوض التجارب الاجتماعية والترفيهية وتجارب السفر.
وتجولت روبوتات بين زوار المعرض خلال مختلف الفعاليات في رسالة مفادها أن المستقبل يعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا الحديثة، وأن هذه الروبوتات ستقدم للبشرية الكثير من الخدمات.
ويمكن خلال السنوات القليلة المقبلة رؤية الروبوت “أنيمال” يتجول بصحبة البشر ضمن بيئات الأعمال المختلفة، وسيتمكن من مساعدتهم في تنفيذ المهام المطلوبة منهم خصوصا الأمور الروتينية والخطرة والوصول إلى الأماكن المرتفعة والضيقة والتي تحتوي مواد سامة.
ويتميز “أنيمال” بإمكانية إضافة كاميرات وأيد آلية إليه ليقوم بأكثر من مهمة في الوقت ذاته، كما يمكن تزويده بالذكاء الاصطناعي ليتعلم من البيئة التي يعمل ضمنها، وستبدأ مؤسسة دبي للمستقبل بتطوير هذا الجهاز بداية العام لتكون الأولى في المنطقة التي تستخدمه، وقد تلقت طلبات من جهات حكومية لاستخدامه وتوظيفه في أعمالها.
وعرضت شركة “آي.كيو روبوتيكس” للخدمات التكنولوجية بعض روبوتاتها ضمن فعاليات الأسبوع، وهذه الشركة جزء من “آي كيو القابضة” الشركة الأم لثلاث علامات تجارية متخصصة في سلسلة التوريد والخدمات اللوجستية.
والروبوتات قدمت على شكل مركبات نقل وتخزين ذاتية القيادة تضمن تسهيل الجوانب اللوجستية لمختلف الشركات.
وأحدها قادر على حمل 30 كلغم والتنقل بها، والآخر 600 كلغم، فيما يمكن لثالث نقل 1500 كلغم. وتستخدم هذه الروبوتات لدى أهم الشركات العالمية، مثل الصينية “علي بابا”.
وعرضت شرطة دبي التي شاركت في الفعاليات جهاز محاكاة افتراضية تم تطويره في مركز التكنولوجيا الافتراضية في شرطة دبي، يجنب رجال الإنقاذ المخاطر التي يمكن أن يتعرضوا لها خلال تأديتهم مهامهم، حيث يقوم الروبوت بتنفيذ المهمة، إلا أن عمليات التحكم تبقى بيد البشر عبر جهاز المحاكاة، ما يتيح إنجاز المهمة المطلوبة بأسرع وقت وبشكل آمن وأكثر دقة.
ويقول الملازم أول عبدالرحمن بن فهد، رئيس قسم تصميم السيناريوهات في شرطة دبي، إن الجهاز يمتاز بإمكانية استخدامه من مختلف الأعمار، ويتكون من رجل آلي وشاشة ونظارة الرؤية الافتراضية التي تمكن المستخدم من التحكم بالروبوت بشكل مشابه للتحكم في الطائرات دون طيار، فيما يضم الجهاز واجهة استخدام باللغتين العربية والإنكليزية، مشيرا إلى أن الجهاز تم تطويره داخليا بواسطة كوادر شرطية متخصصة بتطوير الألعاب التعليمية والتوعوية والتدريبية وأفلام رسوم متحركة ثنائية وثلاثية الأبعاد.
ويضيف أن الجهاز يحتاج فترة من الزمن للدخول في الخدمة الفعلية وهو مرتبط بمدى دقة أداء تكنولوجيا الروبوتات لمهمة الإنقاذ المرسومة لها حسب البرنامج، لكن حتى ذلك الحين فإن أحد الجوانب المهمة لهذا الجهاز هو إشراك الجمهور برؤية شرطة دبي المستقبلية لاستخدامات الروبوتات، والاستفادة من آراء واستطلاعات الجمهور.
وتسعى إمارة دبي للوصول بنسبة رجال الشرطة الآليين إلى 25 بالمئة من قوى الشرطة بحلول العام 2030، وتستخدم حاليا الشرطي الروبوت لتقديم عدد من الخدمات، وهو يتمتع بالقدرة على القيام بدور المرشد السياحي، ويقدم معلومات مفيدة بلغات عدة اعتمادا على برمجيات خاصة، ويعمد إلى إرشاد الأشخاص إلى الخدمات التي يطلبونها، كما أن بإمكان أي شخص استخدام الشرطي الآلي كأداة للتفاعل مع شرطة دبي، لطلب المساعدة أو الإبلاغ عن الجرائم أو تقديم الشكاوى أو الإدلاء بالأقوال عن بعد.
وأدخلت دبي أول شرطي روبوت إلى الخدمة منتصف عام 2017، كموظف جديد يبلغ طوله 165 سنتمترا، ووزنه حوالي 100 كلغم، ويتمتع بالقدرة على التعرف على الوجوه، ويستطيع إرسال مقاطع الفيديو مباشرة، وفي يوليو الماضي أصدر مركز استشراف المستقبل ودعم اتخاذ القرار في شرطة دبي كتيّبا علميا بعنوان “مستقبل العمل الشرطي في 2030”، يطرح أفكارا عن استشراف المستقبل في العمل الأمني.