تسارع وتيرة البطالة يفاقم إحباط شباب تركيا

تكشف آخر الإحصائيات أن الشباب التركي بات مصابا بالإحباط بسبب تضاؤل فرص دخوله إلى سوق العمل التي تعاني في ظل الأزمة الاقتصادية للبلاد، التي أخذت طريق الانحدار رغم الدعاية الحكومية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان بأن الأوضاع على أحسن ما يرام.
أنقرة - في ظل معدل البطالة الذي بلغ أعلى مستوياته في 15 عاما، لا يجد الشباب التركي سببا يذكر يعطيهم الأمل في المستقبل.
وتشير أحدث أرقام معهد الإحصاء التركي، إلى أن نسبة العاطلين عن العمل ارتفعت إلى 14 بالمئة خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في سبتمبر.
وكانت الفئة العمرية التي شهدت أكبر زيادة ما بين 15 و24 عاما، حيث ارتفعت فيها البطالة إلى 27.4 بالمئة.
وبلغت نسبة الشبان العاطلين الذين هم خارج التعليم أيضا مستوى مذهلا، إذ وصلت إلى 30.1 بالمئة. أما نسبة العاطلين من خريجي الجامعات فقد بلغت 15.2 بالمئة، ولا يعمل من بين سكان تركيا البالغ عددهم 80 مليون نسمة سوى ما يقرب من 28 مليون شخص فحسب.
وهنا يتبادر إلى الأذهان تساؤل بشأن ما هي العوامل التي يعتقد الشباب التركي، الذي يحدق في الهاوية، أنها تقف وراء تلك الإمكانات المهدرة؟
يرى الكثير من الأشخاص الذين تحدثنا معهم في الشوارع والمقاهي أن سياسة البلاد الخاصة بالهجرة وثقافة المحسوبية والمحاباة ونقص المصانع الجديدة من العوامل الرئيسية التي تذكي معدل التضخم المرتفع في تركيا.
يعتقد ميتيهان ألغوتش، الذي أصابه الإحباط جراء غياب فرص العمل في مجاله، أن البطالة تؤثر سلبا على العلاقات الاجتماعية.
ويرى أن هذه الظاهرة تؤدي إلى مستويات عالية من التوتر، وتمثل أحد العوامل التي أفضت إلى سلسلة عمليات الانتحار التي وقعت الشهر الماضي.
نسبة العاطلين ارتفعت إلى 14 بالمئة من تعداد السكان البالغ 80 مليون تركي خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في سبتمبر
وقد أثارت حالات الانتحار وعمليات القتل التي شهدتها عدة أسر جدلا بشأن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في البلاد وما تلحقه من أضرار بالصحة النفسية والعقلية للمواطنين.
ويقول ألغوتش “إذا تزوجت، فكيف لك أن توفر احتياجات أسرتك؟ لا أستطيع الزواج في هذه المرحلة. البطالة أمر يتعلق بالإدارة السياسية في هذا البلد. وتركيا تفتقر إلى القيادة الجيدة”.
وفي بلد يمثل فيه العاطلون واحدا بين كل ثلاثة أشخاص في الفئة العمرية التي ذكرناها سلفا، يرضى الكثيرون بوظائف ذات أجور متدنية وهم يعلمون أنها لن تؤمن لهم مستقبلهم.
وينتظر محمد أمين إشعار التجنيد لأداء خدمته العسكرية الإجبارية. وإلى حين يتلقى الإشعار، لا يستطيع الحصول على وظيفة في مجال عمله المفضل، إذ أن الكثير من أرباب العمل يضعون استكمال الخدمة العسكرية شرطا مسبقا للتوظيف. ويقول أمين إن الأجر المنخفض الذي يتقاضاه لا يمثل مشكلة لأنه يعيش مع أسرته، لكن ذلك سيتغير مع تغير الظروف.
وأضاف “لو كنت أعيش وحدي، لكان من المستحيل أن يكفيني 2000 ليرة (346 دولارا، ما يقرب من الحد الأدنى للأجور في تركيا). عندما نفكر في نفقاتنا، نحاول ألا نضع أي خطط بشأن المستقبل”. وأشار إلى أنه يرى توزيع الدخل في تركيا غير عادل.
وأوضح قائلا “الأغنياء سيزدادون ثراء والفقراء سيصبحون أشد فقرا. هذا هو الاتجاه الذي نسير فيه”، مضيفا أن الحكومة يجب أن توفر فرص عمل للشباب وفقا لمهاراتهم.
ويعمل شيهموس أكينجي في نوبات عمل طويلة بأحد الفنادق ويتقاضى في المقابل الحد الأدنى للأجور. وهو يشعر بالقلق بشأن مستقبله.
ويقول أكينجي “لا أعرف كيف سيكون الوضع في ما بعد. كيف يمكنني إعالة أسرتي إذا تزوجت؟ تركيا لا توفر فرصا جيدة لشبابها”. وينهمك أكينجي حاليا في تعلم لغة جديدة، والتي يعتقد أنها ستفتح له أبوابا جديدة.
وهناك أيضا توران تشيليك الخريج الحاصل على شهادة في علم السمع الذي ينتظر التعيين في وظيفة منذ أشهر.
ويقول تشيليك “أنا ممرض ينتظر منذ شهرين تعيينه في وظيفة. هناك حوالي 17 ألف شخص مثلي، تخرجوا من كليات العلوم الصحية وينتظرون الحصول على وظيفة”.
ويلقي تشيليك باللوم على النظام، الذي يقول إنه لم يعد يستند إلى الكفاءة في التوظيف. وقال إن “الجميع يضعون رجالهم في الوظائف الشاغرة. أما من ناحية التعليم، فالبلاد قد وصلت فيه إلى مستوى متدن. لا يوجد سوى المحاباة في التوظيف بأماكن العمل”.
وموسى أيضا من العاطلين عن العمل ويقضي وقته في المقاهي. وقد جرت العادة أن تكون تلك المقاهي أماكن تجمع للرجال المتقاعدين الذين يسعون لتمضية الوقت وإضاعته في لعب الورق والطاولة. ويلقي موسى باللائمة على سياسة الهجرة التي تتبعها تركيا بشأن ارتفاع معدل البطالة.
ويقول موسى إن الحكومة لا تتخذ أي إجراءات لمنع السوريين من العمل مقابل 600 ليرة شهريا ودون أي تأمين. وفي الماضي، كانت الشرطة تطبق إجراءات صارمة. أما الآن فالكل يمشي على هواه دون حسيب أو رقيب.
وثمة 3.6 مليون لاجئ سوري في تركيا، ويبدو أنهم أصبحوا ضيوفا ثقال الظل في البلاد بعد الفترة الطويلة التي قضوها في تركيا منذ أن بدأوا التدفق عليها في بداية الحرب الأهلية التي اندلعت في سوريا في العام 2011.
واشتدت حالة الاستياء من اللاجئين مع تعثر الاقتصاد التركي في السنوات الأخيرة. وقد أظهر مسح أجرته شركة بيار التركية لاستطلاعات الرأي في يوليو الماضي أن السوريين يصنفون كثاني أهم مشكلة في البلاد بعد اقتصادها المتعثر.
ويقول حسين، الذي يدير مقهى، إن السوريين جاؤوا وهم على استعداد للعمل مقابل أجر زهيد يصل إلى 40 ليرة يوميا. ويؤكد أن المصانع أغلقت، وفرص العمل دمرت. ولا شك أن نسبة البطالة آخذة في الصعود.