هيكلة القوات المسلحة صداع سياسي يؤرق السلطة الانتقالية بالسودان

الخرطوم- تصاعدت الضغوط على السلطة الانتقالية السودانية مؤخرا، وعاد الحديث عن ضرورة هيكلة القوات المسلحة والتعجيل بعملية تنقيتها من العناصر الموالية للنظام السابق، بما يتماشى مع الخطوات التي اتخذت على صعيد تقويضها سياسيا، لطمأنة الشارع السوداني والحفاظ على مكتسبات ثورته.
وفتحت بعض قيادات الحركات المسلحة المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية، والتي خاضت مفاوضات ماراثونية مع وفد السلطة الانتقالية في جوبا أخيرا، ملف العناصر المسلحة، وحضت على انخراطها في الجيش السوداني، ما اعتبره الشق العسكري في مجلس السيادة استباقا لما تتمخض عنه نتائج الجولة المقبلة من المفاوضات المتوقعة 14 فبراير المقبل.
وأكد رئيس مجلس السيادة، الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، التزام القوات المسلحة السودانية بحماية التغيير، والبقاء على عهدها في الوفاء دون الاستجابة لما أسماه بـ”محاولات الابتزاز والاستقطاب السياسي”.
يخشى البعض من المراقبين أن يتسع نطاق الاستقطاب بين الجيش وبعض الحركات المسلحة وقوى في الحرية والتغيير، حول ملف الهيكلة، ويجر البلاد إلى مربع يفتح الكثير من القضايا الحرجة
وشدد خلال لقاء، عقده الأحد، مع الضباط وضباط الصف والجنود بمنطقة الخرطوم بحري العسكرية، على أن المرحلة الدقيقة التي يمر بها السودان، “تتطلب المزيد من التكاتف، وتضافر الجهود واضطلاع القوات المسلحة بمهامها وواجباتها كاملة”.
وبدت تصريحات البرهان موجهة مباشرة إلى بعض قادة الحركات الذين تحدثوا في المفاوضات المغلقة التي جرت في جوبا عن رغبتهم في حل جميع الأجهزة الشرطية والأمنية والعسكرية وإعادة بنائها بضم القوات التابعة لهم وأبناء الأقاليم فيها، وهي مطالب يعتبرها قادة عسكريون غير موضوعية، ويصعب تطبيقها في الوقت الحالي.
وظلت مسألة إعادة هيكلة القوات المسلحة، أحد المنغصات، التي لم يتم فتحها على نطاق واسع، خوفا من انعكاساتها السلبية على اللحمة الظاهرة بين أعضاء مجلس السيادة، العسكريين والمدنيين، وبين الحكومة التي يقودها عبدالله حمدوك.
وألمحت قيادات في قوى الحرية والتغيير إلى أهمية التعجيل بتصفية الملف، خوفا من حدوث انقلاب عسكري مضاد تقوم به عناصر محسوبة على النظام السابق، وإيجاد صيغة مناسبة للتعامل مع الورقة المنسية الخاصة بوضع الفروع المسلحة التابعة للجيش والشرطة، وهي من رواسب نظام البشير، خشية أن تتحرك في الشارع لتغذية العنف، أو القيام بتصرفات من شأنها التأثير على الهدوء الحالي.
وأصدر الرئيس المعزول عمر البشير، عدة مراسيم بقوانين لتشكيل جبهات مسلحة ذات صبغة رسمية، غالبيتها تدور في فلك الدفاع عن نظامه بمعزل عن القيادة المركزية، وتم استخدامها كأذرع أمنية، ومارست أدوارا مركبة في الخرطوم وأقاليم أخرى، خاصة دارفور، وأبرزها قوات الدعم السريع، والشرطة الشعبية، وقوات الدفاع الشعبي، والأمن الشعبي.
قال الباحث السياسي السوداني، عصام دكين، لـ”العرب” إن القوات المسلحة السودانية ليست لديها موانع كبيرة في دخول الحركات المسلحة ضمن الترتيبات الأمنية المتفق عليها بين جميع القوى السياسية والأمنية في البلاد.
وأضاف “عليها فقط إعادة تأهيل العناصر التابعة لها، والقيام بالمزيد من العمل على مستوى انضباط قواتها، على أن تكون هناك لجان تقرر من يصلحون للدمج في القوات الشرطية والعسكرية ومن يجب تسريحهم”.
وأشار دكين إلى أن عملية تفكيك القوات المسلحة من دون التوصل إلى سلام شامل في السودان، تتشارك فيه جميع الحركات أو ضمان استقرار مكوناته على الأرض، قد تكون مقدمة لفوضى عارمة، في ظل التجاذبات السياسية الحاصلة.
ولم تقنع إجراءات إعادة هيكلة بعض القوى الأمنية، وحل جهاز الأمن القومي السوداني، وتسريح عدد كبير من قيادات المخابرات العامة، الكثير من القوى السياسية المدنية في الداخل. كما أنها لم تجد أصداء إيجابية لدى قوى إقليمية ودولية مؤثرة، وهو ما يرى فيه عبدالفتاح البرهان محاولة أخرى للابتزاز، لأن تصعيد تلك النبرة في الوقت الحالي قبل التوصل إلى اتفاق سلام يخدم أطرافا تسعى لإفشال المرحلة الانتقالية.
وذهب أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري بالخرطوم، أبوالقاسم إبراهيم آدم، إلى التأكيد أن رسالة البرهان تتجاوز الفصائل المسلحة، وتشمل الأطراف السياسية الداعمة لحكومة حمدوك، بعد تصريحات متواترة من شخصيات فاعلة في تحالف قوى الحرية والتغيير تحدثت عن تخوفات من عودة العسكريين إلى السلطة، وطالبت بسرعة إعادة هيكلة قوات الجيش.
وأوضح لـ”العرب” أن البرهان يعي خطورة التحرك في هذا الاتجاه حاليا، لأن قوات الدعم السريع مثلا تشكل نسبة كبيرة من إجمالي القوات المسلحة، ومن الصعب إدخال تعديلات جوهرية من دون التوصل إلى اتفاق سلام شامل مع الجبهة الثورية.
وتقف الخرطوم حائرة الآن، بين فتح ملف إعادة هيكلة القوات المسلحة وتحمل تداعياته، وبين ترحيله إلى حين تحقيق المزيد من الاستقرار، والتوصل إلى سلام شامل.
ويخشى البعض من المراقبين أن يتسع نطاق الاستقطاب بين الجيش وبعض الحركات المسلحة وقوى في الحرية والتغيير، حول ملف الهيكلة، ويجر البلاد إلى مربع يفتح الكثير من القضايا الحرجة.