الاحتجاجات اللبنانية: شطب 160 ألف وظيفة

الاعتصامات والإضرابات في لبنان، تجبر الشركات على إغلاق أبوابها مع اتساع سقف المطلبية الشعبية التي جعلتها في خوف مستمر على أصولها.
الجمعة 2019/12/06
انسداد الحلول يتزايد

اتسعت تداعيات الاحتجاجات الشعبية في لبنان لتصل إلى جميع القطاعات الاقتصادية، التي تكبّدت خسائر كبيرة دفعتها إلى شطب ما يصل إلى 160 ألف وظيفة، الأمر الذي يفاقم الأزمات الاقتصادية العميقة في ظل الغموض الذي يلفّ البلاد بسبب عدم الاستقرار السياسي.

بيروت- أطلقت الأوساط الاقتصادية اللبنانية صفارات الإنذار بعد تزايد مؤشرات الانهيار الاقتصادي وتزايد إغلاق الشركات الخاصة لأبوابها بسبب انعدام قدرتها على العمل في ظل الظروف الأمنية والاجتماعية الراهنة.

وأشارت استطلاع للرأي أجرته شركة إنفوبرو إلى أن شركات القطاع الخاص شطبت منذ اندلاع الاحتجاجات حوالي 160 ألف وظيفة بصورة مؤقتة أو دائمة. وتصدّر قطاع الخدمات قائمة الشركات الخاسرة مسجّلا تراجعا في مبيعاته بنسبة 73 بالمئة داخل السوق المحلية.

وشمل الاستطلاع عيّنة من مسؤولي نحو 300 شركة من القطاع الخاص، تم اختيارها بحسب المنطقة والحجم والقطاع. وسجلت مبيعات 87 بالمئة من الشركات العاملة في القطاع الصناعي انخفاضا بنسبة 60 بالمئة، ولم تفلت من الانخفاض سوى شركات قليلة ترتبط مبيعاتها بموجة الاحتجاجات.

وأجبرت الاعتصامات والإضرابات وحوادث غلق الطرقات الشركات على إغلاق أبوابها مع اتساع سقف المطلبية الشعبية التي جعلت الشركات في خوف مستمر على أصولها. ودخلت قطاعات كثيرة كالمخابز ومحطات الوقود في إضرابات عن العمل خلال الفترة الماضية، مما خلّف حالة من الجمود وأضعف حركية الأسواق.

ويضاعف تراجع القطاع الخاص من التحديات أمام السلطات الحكومية التي تواجه أزمة نقص النقد الأجنبي، التي نالت من قدرة المستوردين على استيراد المكونات والسلع. وتراجع سعر صرف الليرة اللبنانية في السوق الموازية إلى متوسط 2200 ليرة للدولار، مقارنة مع سعره المثبت لدى البنك المركزي عند 1507 ليرات للدولار.

ويتخوّف اللبنانيون من خطر انضمامهم إلى جحافل العاطلين عن العمل مع تسارع وتيرة توقّف أغلب الشركات في القطاعات الحيوية المنتجة عن النشاط بشكل كامل.

وتتزايد المؤشرات على أن أصحاب الشركات في لبنان يمرون بأسوأ الأزمات التي عرفتها البلاد منذ سنوات وسط توقعات بارتفاع المغادرين لسوق العمل مع انسداد الآفاق لحل المتاهة السياسية سريعا.

وتتوقع أوساط الأعمال أن يضطر نحو 20 بالمئة من التجار إلى التوقف عن العمل بحلول نهاية هذا العام، في ظل أزمة شح الدولار في السوق واستمرار الاحتجاجات التي تشلّ البلاد منذ أكثر من شهر.

ويحمل خبراء الدولة مسؤولية الوضع الحالي نظرا إلى تعثّرها في إجراء إصلاحات في البنى التحتية وخفض العجز، وتراجع حجم الاستثمارات الخارجية. وعمّقت تداعيات الانقسام السياسي الذي فاقمه النزاع في سوريا المجاورة منذ عام 2011 على اقتصاد يعتمد أساسا على الخدمات والسياحة.

73 بالمئة نسبة انكماش مبيعات قطاع الخدمات الذي يتصدر قائمة القطاعات الخاسرة

وكان لبنان ينتظر الحصول على 11.6 مليار دولار كهبات وقروض أقرّها مؤتمر سيدر في باريس العام الماضي، مقابل إصلاحات هيكلية وخفض عجز الموازنة. لكن الانقسام إزاء تطبيق هذه المشاريع والخلاف على الحصص والتعيينات، حال دون وفاء الحكومة بالتزاماتها.

وأدى كل ذلك الى العجز عن كبح الدين العام الذي ارتفع إلى 86 مليار دولار، ما يعادل 150 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، وفق المؤشرات الدولية الرسمية. وتوقّع البنك الدولي أن يسجل العام الحالي نسبة ركود أعلى من تلك المتوقعة مع نمو سلبي بنحو 0.2 بالمئة.

وحذّر من أن معدل الفقر، الذي يطال ثلث اللبنانيين قد يرتفع إلى النصف، وأن نسبة البطالة البالغة أكثر من 30 بالمئة مرشّحة لارتفاع حاد. وتعتبر البطالة أزمة غير مستجدة، لكنها مستمرة في التفاقم في ظل الحالة الاقتصادية التي وصل إليها البلد الذي يعدّ إحدى أكثر الدول مديونية في العالم.

وسبق وحذّرت قطاعات حيوية من غلق عدد كبير من المؤسسات وفقدان الآلاف من الوظائف في بيان صادر عن الهيئات الاقتصادية، التجمّع الممثل للقطاع الخاص والمصارف. وأحصت نقابة أصحاب المطاعم والملاهي إقفال 265 مؤسسة خلال شهرين، متوقعة أن يصل العدد في نهاية العام إلى 465 مؤسسة.

وتشهد البلاد أزمة سيولة بدأت معالمها منذ مطلع العام، مع تحديد المصارف سقفا للتحويل إلى الدولار خفّضته تدريجيا، ما تسبب في ارتفاع سعر صرف الليرة الذي كان مثبتا على 1507 ليرات مقابل الدولار منذ سنوات، إلى أكثر من ألفين في السوق الموازية.

وحدّدت جمعية المصارف مؤخرا سقف السحب الأسبوعي للمودعين بألف دولار. وحذّرت قطاعات عدة من أنها لن تتمكن من استيراد مواد أساسية من الخارج بسبب شحّ الدولار.

وطالب وزير الصحة العامة جميل جبق، الأسبوع الماضي، مصرف لبنان المركزي بالتدخّل لتوفير المبالغ الضرورية اللازمة بالدولار لتسهيل استيراد المعدات الطبية. ولاحظ معظم اللبنانيين منذ تفجر الاحتجاجات انقطاع عدد من الأدوية وارتفاعا كبيرا في أسعار المواد الغذائية، مقابل تقلّص قدرتهم الشرائية.

وأعلن مصرف لبنان المركزي منذ يومين عن تحديد سقف لأسعار الفائدة على الودائع بالعملات الأجنبية في كافة البنوك المحلية لمدة ستة أشهر، في محاولة لامتصاص احتقان المواطنين.
ويشير محللون إلى أن تواصل الحلول الترقيعية لن يفضي إلى نتيجة لمواجهة التحديات والخراب الكبير، مما يدفع إلى ضرورة تغيير الهيكلة لمعالجة المعضلات من جذورها .

10