الانتفاضة الإيرانية تعرّي تحفّظ الغرب عن إسقاط النظام

إدارة الرئيس الأميركي تراقب الحدث الإيراني دون التعويل على النتائج.
الثلاثاء 2019/11/26
الحرس الثوري يحمي النظام

اكتفت الإدارة الأميركية منذ اندلاع احتجاج البنزين في إيران بدور المراقب لتطورات المسار دون إبداء موقف صريح يدعم استراتيجيتها لمواجهة العربدة الإيرانية في المنطقة، إذ أن إدارة الرئيس دونالد ترامب لا تسعى إلى إسقاط النظام، خشية للفوضى التي يمكن أن ترافق مثل هذه العمليات، بقدر ما تسعى إلى تغيير السلوك الإيراني في المنطقة وهذا ما تدعمه في حقيقة الأمر الدول الخليجية والاتحاد الأوروبي كذلك.

واشنطن - يعتبر المراقبون للشأن الإيراني في الولايات المتحدة أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم تتعامل مع “انتفاضة البنزين” في إيران بصفتها تطورا دراماتيكيا داخل الاستراتيجية الشاملة التي انتهجتها واشنطن منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران.

ويرى هؤلاء أن تسليطا للضوء على ما صدر عن البيت الأبيض ووزارة الخارجية يكشف الطابع المراقب للحدث الإيراني دون كثير تعويل على نتائجه.

ويذهب خبراء في شؤون السياسة الخارجية الأميركية إلى الاعتقاد بأن الانتفاضة فاجأت الدوائر الأميركية على الرغم من أن حركة الشارع كانت أمرا متوقعا كرد فعل على تصدع البنى الاقتصادية في إيران وتراجع الوفورات الاجتماعية داخل هذا البلد.

ويرون أن الحراك كان غامضا في طبيعته وهويته وضبابية آفاقه، وأن التدابير الحازمة والسريعة التي اتخذتها سلطات طهران في اللجوء إلى قطع شبكة الإنترنت فاقمت من مستويات الغموض عما يجري في الداخل الإيراني، ما رفع آليا مستويات الشك في ما يمكن أن تحققه الانتفاضة وما يمكن الركون إليه من قبل واشنطن كما من قبل العواصم الغربية الحليفة.

ويسود رأي داخل الدوائر الغربية عامة أن لا مصلحة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بحدوث قلاقل كبرى في إيران قد تؤدي إلى تهديد استقرار النظام في إيران، وأن الرؤية الغربية بالنسبة لهذا البلد مازالت متمسكة بالروحية التي بني عليها اتفاق فيينا الموقع عام 2015، لناحية بناء قاعدة تفاهم مع نظام طهران من أجل فتح أسواق إيران الواعدة أمام الاقتصاد العالمي من جهة، ومن أجل تطبيع علاقات طهران والمجتمع السياسي الإيراني مع قواعد العلاقات الدولية المعمول بها من جهة أخرى.

ويلاحظ المراقبون أن المواقف التي عبر عنها الرئيس ترامب في التعليق على ما يجري في إيران بقيت تحت سقف ما تريده واشنطن من إيران، أي الذهاب إلى مفاوضات جديدة من أجل تفاهمات جديدة.

واكتفى الرئيس الأميركي في تغريدة له بملاحظة أنه “أصبحت إيران غير مستقرة حتى أن النظام أغلق خدمات الإنترنت الخاص به بالكامل، حتى لا يتمكن الشعب الإيراني العظيم من الحديث عن العنف الهائل الذي يحدث داخل البلاد”.

وأضاف ترامب في تغريدة أخرى، أن النظام الإيراني لا يسمح بأي شفافية “معتقدا أن العالم لن يكتشف الموت والمأساة اللذين يسببهما النظام الإيراني”.

ورأى المراقبون بالمقابل أن المواقف التي عبر عنها وزير الخارجية مايك بومبيو، واعتباره أن ما يجري في إيران كما ذلك الذي يجري في العراق ولبنان هو تمرد على السياسات الإيرانية، حملت ماء إلى طاحونة النظام الإيراني الذي ما فتئ يردد أن الحراك في إيران، كما ذلك في العراق ولبنان، تخريبي مغرض تقف وراءه أجندات خارجية وسفارات أجنبية.

ورأوا أن اعتبار بومبيو أن سبب الاحتجاجات الرئيسي في إيران هو سوء إدارة النظام وليس العقوبات المفروضة، قد يفهم منه نأي بالنفس عن الحراك في إيران وليس تغطية له.

ويضيف المراقبون أن المعارضة الإيرانية لم تفهم من المواقف الغربية ما يمكنه أن يرقى إلى مستوى الدعم ومنح الرعاية والغطاء الدولي لحراك الإيرانيين، وأن موقف واشنطن وباريس ولندن مثلا كان فاترا، مرتبكا ومرتجلا لا يقارن بالموقف الغربي المتضامن والمتواطئ الذي اتخذته تلك العواصم دعما لثورة الإيرانيين ضد الشاه عام 1979.

ولاحظوا أن الإعلام الغربي لم يركز كثيرا على ما يحدث في إيران، وغاب الحدث عن نشرات الأخبار المركزية المحلية التي تستخدم عادة لتشكيل رأي عام يواكب المواقف الرسمية والاستراتيجية من الأحداث الكبرى.

يجب الاستفادة من الإنذار الذي وجهه الشارع الإيراني سيما أن انفلات الأمور بات أمرا يجب أخذه بالحسبان

ويرصد خبراء عرب في الشؤون الإيرانية أنه وعلى الرغم من الخصومة المعلنة بين إيران ودول خليجية، لاسيما السعودية والإمارات والبحرين، إلا أن تلك الدول لم تنخرط في ما قد يفهم تدخلا في شؤون إيران خلال انتفاضة الشارع هناك، كما أن وسائل الإعلام الخليجية بقيت مواكبة للحدث بصفته حدثا إعلاميا مهمّا يجري داخل دولة إقليمية، دون انتهاج أي خطاب متقدم عما هو معمول به في ثنايا التوتر الخليجي الإيراني.

ولفت هؤلاء إلى أن الموقف الخليجي بقي على تقليديته في إدانة السياسات الإيرانية الإقليمية مطالبا باحترام إيران لمصالح جيرانها في المنطقة والتوقف عن التدخل في شؤون دول المنطقة وتحميل طهران مسؤولية المشكلات التي تشهدها عدة دول في المنطقة. ولفتوا بالمقابل إلى غياب أي موقف يتعلق بمجريات ما يحدث في إيران.

وكان وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير قد اعتبر الأحد أن إيران تنتهج رؤية ظلامية، وممارساتها في المنطقة تعوق الأمن والاستقرار.

وحمل خلال مشاركته في جلسة “الدبلوماسية الدفاعية والاستقرار الإقليمي” بمؤتمر حوار المنامة في دورته الـ15 الذي ينظمه سنويا المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع وزارة الخارجية البحرينية، إيران مسؤولية الهجوم على المنشآت النفطية في بقيق وخريص، وقال “إننا لا نريد حربا، لكن إيران بحاجة إلى محاسبة”، محذرا من محاولة استرضاء إيران بالحوار.

وأكد أنه على إيران التخلي عن سلوكها الظلامي، واحترام سيادة الدول والقانون الدولي، مشيرا إلى أنها دولة تحريضية تهدد النظام الدولي، وأن مفتاح الاستقرار هو الردع والتصميم الثابت من جانب المجتمع الدولي على ضرورة مواجهة النهج الظلامي الإيراني، وتشديد العقوبات عليها.

 عادل الجبير:على إيران التخلي عن سلوكها الظلامي واحترام سيادة الدول والقانون الدولي
 عادل الجبير: على إيران التخلي عن سلوكها الظلامي واحترام سيادة الدول والقانون الدولي

وتقول مصادر دبلوماسية إن المواقف الدولية والعربية لا تريد رؤية براكين جديدة في المنطقة. واعتبرت أن الدول الخليجية التي تعاني من ضرر مباشر جراء سلوكيات إيران المزعزعة للاستقرار، لا تحبذ أي فوضى وعبث غير محسوب في إيران يتداعى مباشرة على أمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي.

بالمقابل ترى هذه المصادر أن العواصم الكبرى لا تريد أي اختلالات في أسعار الطاقة في العالم قد تسببه حالة عدم اليقين حول حاضر ومستقبل إيران، ناهيك عما يمكن أن تسببه الفوضى الإيرانية من تهديد مباشر لأمن الملاحة الدولية، لاسيما في مضيق هرمز.

غير أن بعض المراجع في الأمن الاستراتيجي داخل حلف الأطلسي حذرت من مغبة غياب أي خطط دولية معدة لمواجهة الفوضى في إيران. وتؤكد هذه المراجع أن ليس هناك أي خطط لدى أي دولة غربية للإطاحة بالنظام في إيران، وأنه وعلى الرغم من الدعم الرمزي الذي تحظى به مؤتمرات المعارضة الإيرانية في هذه العاصمة أو تلك، إلا أن المنظومة الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة، لم تجهز أي بدائل لنظام طهران على منوال ما فعلت مع المعارضة العراقية قبل سنوات من قيامها بغزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين عام 2003.

وتدعو هذه المراجع إلى الاستفادة من الإنذار الذي وجهه الشارع، ليس فقط ضد النظام الإيراني، بل ضد المنظومة الدولية أيضا، والغربية خصوصا، بأن احتمالات انفلات الأمور في إيران باتت أمرا يجب أخذه بالحسبان وبالتالي التحضر له، وأن زخم الشارع الذي عبر عنه الشارع في إيران كما في العراق ولبنان، قادر على فرض أمر واقع جديد لم ترصده مراكز التفكير الدولية الكبرى.

قوات النظام تقود مسيرة داعمة للنظام

طهران - خرجت الاثنين في العاصمة الإيرانية طهران مسيرة مؤيدة للحكومة أثثتها القوات النظامية وغير النظامية، فيما ذكرت السلطات أن هاته المسيرة أظهرت للعالم “الإيرانيين الحقيقيين”. ورفعت السلطات صفة المواطنة عن الذين تغيبوا عن تأثيث هذه المسيرة من المدنيين، بعد أن توعدت المحتجين بالإعدام ووصفتهم بالخونة، فيما تمضي الحكومة كعادتها في اتهام أطراف خارجية بالوقوف وراء موجة الاحتجاجات العارمة التي انطلقت بانتقاد الترفيع في سعر البنزين لترفع بعد ذلك شعارات سياسية مطالبة بإسقاط النظام.

وتحولت الاحتجاجات إلى موجة اضطرابات مناهضة للحكومة شملت حرق مئة بنك على الأقل والعشرات من المباني في أسوأ أعمال عنف منذ أن قمعت إيران “ثورة خضراء” في عام 2009 عندما قتل العشرات على مدى عدة أشهر. وألقى حكام إيران اللوم على “بلطجية” على صلة بمنفيين وأعداء أجانب، الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية، في إثارة الاضطرابات في الشوارع.

وبعد مسيرات رعتها الدولة على مدى أيام في العشرات من المدن لإدانة الاضطرابات، نظمت إيران مسيرة مؤيدة للحكومة في العاصمة طهران تحدث فيها قائد الحرس الثوري الذي ساعد في قمع الاحتجاجات. وقال عباس موسوي المتحدث باسم وزارة الخارجية في تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي “أوصيها (الدول الأجنبية) بأن تشاهد المسيرات اليوم لترى الناس الحقيقيين في إيران وماذا يقولون”. وطلب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو من المحتجين الإيرانيين على تويتر الأسبوع الماضي إرسال أي صور أو تسجيلات للحملة على المحتجين إلى الولايات المتحدة.

وقال “الولايات المتحدة ستنشر وتدين اضطهاد المحتجين”. وقالت الحكومة الفرنسية الأربعاء إنها قلقة للغاية بشأن تقارير عن وفاة الكثيرين أثناء الاحتجاجات في إيران، ودعت طهران إلى احترام التزاماتها الدولية بشأن حقوق الإنسان. وبدأت الاحتجاجات يوم 15 نوفمبر في عدة بلدات بعد أن أعلنت الحكومة رفع سعر البنزين بنسبة 50 بالمئة على الأقل. وامتدت الاحتجاجات إلى مئة مدينة وبلدة وتحولت سريعا إلى مطالب سياسية شملت دعوة كبار المسؤولين للتنحي.

 

5