الحكومة العراقية "تُخرس" الانتفاضة إعلاميا

قرار هيئة الإعلام والاتصالات العراقية بإغلاق فضائيات ومحطات إذاعية وإنذار أخرى يضعها في دائرة الضوء خاصة أنها منذ تأسيسها باتت أداة بيد الحكومة لقمع الإعلام المستقل.
بغداد - أصدرت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية الأحد قرارا بإغلاق 8 فضائيات و5 إذاعات وإنذار 5 فضائيات أخرى بسبب “مخالفة مدونات السلوك المهني”.
وقررت الهيئة إغلاق مكاتب فضائيات العربية الحدث، NRT ،anb، دجلة، الشرقية، الفلوجة، الرشيد، هنا بغداد، لمدة ثلاثة أشهر، وإغلاق المحطات الإذاعية راديو الناس، سوا، إذاعة اليوم، نوا، الحرة عراق، فضلا عن توجيه إنذارات نهائية لكل من فضائيات السومرية وآسيا وروداو وسكاي نيوز وأور.
كما قررت الهيئة تمديد إغلاق مكتب قناة “الحرة عراق” لثلاثة أشهر أخرى.
وأوضحت أن هذه القرارات جاءت إثر “مخالفة” تلك الفضائيات والإذاعات “مدونات السلوك المهني”، دون ذكر ماهية تلك المخالفات تحديدا.
وتمتلك وسائل الإعلام المشار إليها مكاتب أو مقرات رئيسية في العاصمة بغداد. كما أن أغلبيتها لديها مكاتب في المحافظات الأخرى من البلاد وخاصة القنوات التلفزيونية المحلية.
من جانبها، أعربت “جمعية الدفاع عن حرية الصحافة” بالعراق (غير حكومية) عن قلقها إزاء ما وصفته بـ”السلوك الدكتاتوري” من قبل هيئة الإعلام والاتصالات.
وقالت الجمعية، في بيان، إن قرارات الهيئة “تشكل مخالفة قانونية ودستورية”، كون القانون الذي تعمل وفقه الهيئة ينص على “استصدار أمر قضائي قبيل إصدار قرار إغلاق أي مكتب أو محطة أو مقر وسيلة إعلام”. وأضافت “كما أن هذا الإغلاق الجماعي يشكل مخالفة صريحة للدستور الذي كفل حرية الصحافة والإعلام والإعلان والنشر بكل أشكالها”.
وطالبت الجمعية البرلمان العراقي بـ”استجواب أعضاء هيئة الأمناء فورا لمخالفتهم القوانين، والتعامل بمزاجية مع وسائل إعلام دون غيرها، لاسيما أن العديد من الفضائيات تبث خطابات كراهية بشكل فاضح دون محاسبة”.
الإغلاق الجماعي لعدد من وسائل الإعلام يشكل مخالفة صريحة للدستور الذي كفل حرية الصحافة والإعلام والإعلان والنشر بكل أشكالها
كما طالبت الجمعية مجلس الوزراء بـ”التدخل لإلغاء هذا القرار والكف عن إصدار المزيد من القرارات المكممة للأفواه”.
والشهر الماضي، تعرضت مكاتب عدد من وسائل الإعلام إلى اعتداءات من قبل مسلحين مجهولين في بغداد في خضم تغطيتها للاحتجاجات الشعبية المناهضة للحكومة.
ويشهد العراق احتجاجات مناهضة للحكومة منذ مطلع أكتوبر الماضي، قتل خلالها 400 شخص على الأقل وخلفت 15 ألف جريح، استنادا إلى أرقام لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، ومفوضية حقوق الإنسان (رسمية تتبع البرلمان)، ومصادر طبية وحقوقية.
ومن جهته، انتقد مرصد الحريات الصحافية في العراق قرارات هيئة الإعلام والاتصالات العراقية مؤكدا في بيان أن القيود على المحتوى بدائية ومبهمة وفضفاضة وتسهل إساءة استخدامها.
وقال رئيس المرصد زياد العجيلي إن “الحكومة بدأت تنتهج سلوكا دكتاتوريا في التعامل مع وسائل الإعلام، وما تفعله من تضييق لا يمكن إلا أن نسميه تكميما للأفواه ووقوفا ضد حرية الرأي والتعبير عنه”.
وهيئة الإعلام والاتصالات مكونة من 7 أعضاء يتمتعون بامتيازات وكيل وزير. وقد أُنشئت كهيئة مستقلة خارجة عن سيطرة أو توجيه الحكومة العراقية في عام 2004 ليقودها مهنيون من أجل تعزيز صناعة الإعلام، لكن ما حدث هو العكس تماما إذ باتت تحت سلطة الحكومة منذ تولي دولة القانون السلطة تحت قيادة نوري المالكي في عام 2006.
ويعرف عن الهيئة أنها الأداة التي تستخدمها الحكومة في تقييد حرية الصحافة.
وسبق للهيئة أن توعدت بمعاقبة وسائل الإعلام التي تسيء لما قالت إنه رموز البلاد “الوطنية والدينية”، الأمر الذي جوبه بمعارضة إعلامية واسعة باعتباره تقييدا لحرية الرأي وخروجا على الممارسة الديمقراطية.
وقالت نقابة الصحافيين العراقيين في بيان إن “مساعي قمع حرية العمل الصحافي بلغت ذروتها في شهري أكتوبر ونوفمبر لعام 2019، وتوج هذا القمع بقرار أصدرته هيئة الإعلام والاتصالات بغلق وإنذار 17 مؤسسة إعلامية”. وأوضحت أنه “ليس من حق هيئة الإعلام والاتصالات اتخاذ قرار بإغلاق المؤسسات الإعلامية والصحافية، إنما هو قرار يجب أن يصدر من القضاء العراقي حصرا، ولأسباب موجبة”.
وتابعت “ومن منطلق الخرق القانوني الذي ارتكبته هيئة الإعلام والاتصالات، فإن النقابة تدعو كافة وسائل الإعلام التي شملها كتاب الهيئة، إلى مراجعتها لغرض تشكيل فريق قانوني من محامي النقابة للطعن في القرار قضائيا”.
وختم البيان بالقول إن “القرار صدر في وقت تشهد فيه البلاد احتجاجات شعبية واسعة، تقوم بتغطيتها وسائل الإعلام المذكورة عناوينها في كتاب الهيئة”.
وكان رئيس كتلة التغيير النيابية هوشيار عبدالله، أعلن الاثنين، أن قرار الهيئة مخالف للدستور. وقال عبدالله في مؤتمر صحافي عقده في مجلس النواب، “هذا الإجراء يخالف بنود الدستور العراقي التي تخص حرية التعبير، ويتعارض مع أبسط معايير الديمقراطية، كما يسيء إلى العراق في المحافل الدولية ويعطي لدول العالم صورة في غاية السوء عن بلد يفترض أنه خرج من ظلمات الدكتاتورية ليخوض تجربة الديمقراطية، فهل من المعقول أن تقوم الحكومة بمعاقبة وإنذار كل هذا العدد من وسائل الإعلام”.
وتابع “من حق الشارع العراقي أن يتساءل عن أسباب معاقبة كل هذه الفضائيات والإذاعات، فهل السبب يعود لكونها قامت بتغطية المظاهرات في بغداد والمحافظات أم أن تغطية المظاهرات مسموحة ولكن الحديث عن وجود شهداء وجرحى هو الممنوع؟ في الحقيقة لم يتم حتى الآن شرح أسباب العقوبات وإيضاح الضوابط التي يجب أن تلتزم بها وسائل الإعلام”.
وأكد عبدالله “إننا إذ نعلن رفضنا لهذه العقوبات، نؤكد أن الإعلام يجب أن ينقل الحدث إلى المتلقي بالصوت والصورة كما هو ولیس کما تریده السلطة السیاسیة، فوسائل الإعلام يجب أن تكون مرآة للواقع بکل تفاصیله بإيجابياته وسلبياتە دون أن تحاول تجميله وتلميعه خدمة لتوجهات السلطة”.
وختم رئيس الكتلة “كما أننا اليوم نعيش عصر العولمة والانفتاح ومنصات التواصل الاجتماعي التي تتداول كل شيء بالصورة والصوت وبات شبه مستحيلا إخفاء الحقائق وطمسها، وبالتالي لیس من المنطقي معاقبة كل هذا العدد من القنوات الفضائیة”.