برازيليا تستفز واشنطن بالتطبيع مع بكين

مثلت سياسة البرازيل منذ الإطاحة باليساريين امتدادا للسياسة الأميركية، غير أن قمة بريكس الأخيرة أظهرت تحولا مفاجئا في سياسة البلد اللاتيني الذي أبدى منذ أشهر قلقه من الصين الاشتراكية، إلا أن الرئيس اليميني المتشدد جايير بولسونارو برز في هذه القمة متودّدا للعملاق الآسيوي، باحثا عن إرضائه، وهو ما يمكن أن يؤشر على تحول مفاجئ في السياسة الخارجية البرازيلية.
برازيليا - كشفت قمة بريكس الاقتصادية التي انعقدت مؤخرا في البرازيل عن انعطافة في سياسة برازيليا في عهد الرئيس اليميني المتطرف جايير بولسونارو، الذي أدار ظهره للولايات المتحدة وبدأ يغازل الصين في محاولة لإثارة صديق الأمس الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.
وكانت القمة التي شكلت الحدث الدولي الأول والأبرز الذي تنظمه حكومة بولسونارو شاهدة على تقارب واضح بين البرازيل والصين من منطلق براغماتي.
وغير الجنرال السابق المعجب بترامب مواقفه حيال بكين بعد أن هاجمها مرات عديدة في وقت سابق. وقال بولسونارو الذي كان يلقب بـ ‘ترامب البرازيل” إن ’’الصين تمثل جزءا من مستقبل البرازيل’’ لتكون هذه الكلمات لوحدها كفيلة بتبيان التحولات التي حصلت في مواقف الرجل المتشدد الذي كان قد اتهم في العام الماضي الصين بمحاولة ’’شراء البرازيل’’.
ومنذ الإطاحة برئيسة البرازيل السابقة ديلما روسيف والزج بسلفها لولا داسيلفا في السجن، واللذين ينتميان لحزب العمال، باتت البرازيل ميالة للمعسكر الغربي وعلى رأسه إدارة ترامب الذي وجد في الجنرال بولسونارو حليفا له.
لكن الرجل اليميني المتشدد الذي لطالما دافع بشراسة عن إدارة ترامب واجه اختبارا حقيقيا خلال قمة بريكس خاصة عندما تعلق الأمر بالحديث عن فنزويلا التي اعترفت واشنطن وبرازيليا برئيس البرلمان المعارض خوان غوايدو رئيسا لها، غير أنه بوجود الرئيس الروسي المعترف بنيكولاس مادورو، تحاشى الرئيس البرازيلي الخوض في الأزمة الفنزويلية لعدم إغضاب أي طرف.
لكن هذا الامتناع عن الخوض في المسألة الفنزويلية ليس بمقدوره محو اعتراف البرازيل بغوايدو وقبول اعتماد سفير عينه زعيم المعارضة الفنزويلية الذي لا يزال يكافح في كراكاس ضد الرئيس نيكولاس مادورو.
والواضح أن الرئيس ’’العنصري’’، الذي تهجم في العام 2015 على عضو الكونغرس ماريا دور روزاريو، والتي قال عنها “إنها قبيحة جداً ولا تستحق أن تُغتصب” سيكون أمام اختبار حاسم في علاقات بلاده بالصين والولايات المتحدة العام المقبل خلال اختيار شبكة الجيل الخامس، جي 5، للهاتف.
وإذا اختارت البرازيل شركة هواوي الصينية فإن ذلك سيشكل إهانة قوية لإدارة ترامب التي تسعى عبر العالم لكي يعمل حلفاؤها على منع المجموعة الصينية من المشاركة في إقامة هذه الشبكات الهاتفية فائقة السرعة.
وكان نائب الرئيس البرازيلي هاميلتون موراو قد أعلن في يوليو الاتجاه بتأكيده أنه لن يكون هناك “أي فيتو على هواوي في البرازيل”.
وكان بولسونارو قد أسس قاعدة جديدة لسياسات بلاده الخارجية بخلاف ما أراده لها لولا داسيلفا الذي اتسمت فترة حكمه بالتعددية والسعي نحو تسوية المنازعات بطرق سلمية، وتأسيس علاقات طيبة مع بلدان العالم المختلفة، واحترام مبدإ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وكذلك سعيها نحو تحقيق موقع متميز للبرازيل على المستوى الدولي.
لكن سرعان ما حاد بولسونارو بالبرازيل عن هذا المسار من خلال مسايرة واشنطن في موقفها بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وتحدثه عن عزمه نقل سفارة بلاده إلى هناك.
وفي محاولة منه للابتعاد عن إغضاب البيت الأبيض امتنع بولسونارو عن توضيح موقف بلاده من مسألة الحرب التجارية بين واشنطن وبكين.
وتخوض الصين والولايات المتحدة حربا تجارية مستعرة منذ أشهر، بالرغم من المباحثات التي يقوم بها الجانبان، وبالرغم من الحديث عن الاقتراب من التوصل إلى اتفاق فإن الرسوم الجمركية التي فرضتها بكين على واشنطن أو العكس لم تختف.
ومنذ صعود بولسونارو إلى الحكم بعد أشهر عصيبة عاشتها البرازيل خلال التحقيق مع الرئيسة السابقة ديلما روسيف التي تم في نهاية المطاف عزلها سنة 2016، أصبحت السياسة البرازيلية على رمال متحركة بعد صعود اليمين المتطرف في أكبر البلدان اللاتينية مساحة والتي حكمها اليساريون لعقود طويلة.
ويمكن تفسير التحولات السياسية في البرازيل خلال فترة حكم بولسونارو بتعويله في البداية على الملياردير الأميركي ترامب لمساعدة بلاده اقتصاديا، غير أنه بعد مرور قرابة العامين على توليه مقاليد الحكم في برازيليا ارتأى الجنرال ضرورة إقامة علاقات قوية مع العملاق الآسيوي.
والظاهر أن الحكومة البرازيلية أدركت بسرعة أن الحفاظ على العلاقات مع الصين أمر حيوي، وتستورد الصين نحو 28 بالمئة من الصادرات البرازيلية خصوصا من الصويا واللحم والحديد.
وعُرف بولسونارو بمواقفه المتشددة لاسيما حيال المثليين جنسيا، الذي قال عنهم قبل انطلاق حملته الانتخابية في العام 2018 إنه ’’يفضل أن يموت ابنه في حادث ما على أن يكون مثلياً".