"حبي" فيلم عن أسرة برازيلية بسيطة تصارع بين آلامها وآمالها

دمشق – فيلم “BENZINO” ويعني باللغة البرتغالية “حبي”، كان البداية في عروض تظاهرة السينما البرازيلية التي عرضت في دار الأوبرا بدمشق، وقدّمت ضمن نشاطات شهر نوفمبر الجاري، حيث عرضت فيها خمسة أفلام روائية طويلة هي: “نساء مضطربات” و”مالاسارتس الرائع ونزاعه مع الموت” و”فندق كامبريدج سابقا” و”قبل أن أنسى”، علاوة على فيلم الافتتاح “حبي”.
ويقدّم الفيلم حكاية سيدة متزوجة، تعيش ظروفا حياتية عصيبة، وهي التي تقوم برعاية شؤون أسرتها المتكونة من زوج وأربعة أولاد ذكور، يتميز الأكبر منهم في الرياضة ويلعب حارس مرمى في فريق لكرة اليد، فتأتيه فرصة للعلب في ألمانيا مع ناد محترف، فيندفع الفتى في قبول الفكرة طلبا لتحقيق طموحه الرياضي الكبير.
وهذا الاختيار، يقلب حياة الأسرة، خاصة الأم، ما يجعلها في مفترق طرق، لتتأرجح بين عواطف شتى، بين رغبتها في تبني مشروع نجاح ابنها الرياضي وبين الخشية عليه من هذا المشوار البعيد والخطير.
يبدأ الفيلم بالدخول في تفاصيل حياة المجتمع البرازيلي الذي تتوطّن فيه الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، لتكون هذه الأسرة المكافحة عيّنة لهذا المجتمع البائس. فالمشكلة في هذا البيت تبدأ مع القفل المعطّل في باب البيت الذي لا يفتح، الأمر الذي يجعلهم مضطرين للدخول والخروج من خلال سلم خشبي بدرجات قليلة يعبر النافذة للوصول إلى حديقة البيت ثم الوصول إلى الشارع.
رمزية هذه الحالة أطّرت بشكل مبتكر الخلل المعيشي والحياتي المحيط بالأسرة. ليقدّم المخرج غوستافو بيزي أبطاله البسطاء محاصرين بالمصاعب بدءا من باب البيت الذي يفترض أنه يفصل بينهم وبين الخطوة الأولى لهم خارجا. فكان لا بد لهم أمام هذا الواقع من إيجاد حلول موازية، ولو كانت غير منطقية، وهذا ما كان باستعمال سلم يعبر عبر النافذة.
حفل الفيلم الذي كتب له السيناريو كل من كارين تالاس وغوستافو بيزي بطاقة كبيرة من الحلم الذي تحاول شخوصه تحقيقه من خلال العمل على تطوير حياتها. فالزوجة التي لا تتوانى عن متابعة دراستها من أجل الحصول على شهادة البكالوريا التي تؤهلها لإيجاد فرص عمل أفضل، وكذلك الشاب الذي يريد احتراف الرياضة في ألمانيا، مرورا بالزوج الذي يحلم بإنشاء منتجع صغير، وصولا إلى الفتى اليافع الذي يحمل آلته الموسيقية الضخمة دائما ويحلم بأن يكون موسيقيا بارعا، وكذلك حلم شقيقة الزوجة التي تهرب مع ولدها من زوجها المضطرب نفسيا، والذي يضربها بعنف، فتهجره لتنعم عند شقيقتها بحياة أكثر سعادة.
قدّم الفيلم شبكة من العلاقات الاجتماعية المختلفة والمعقّدة بلغة فنية سلسة، لم تُعتمد فيها على البهرجة البصرية، فعدد مواقع التصوير قليلة، والمشاهد التي صوّرها عادية يمكن أن يراها الناس في أي مدينة في العالم.وفي لقطات جمالية مباغتة، أوجد المخرج غوستافو بيزي، تصوّرات سينمائية بالغة الجمال والدقة، خاصة في اللقطة التي جمعت الأم وابنها وهما على متن دولاب السباحة في البحر ينعمان بهالة من الاستقرار والهدوء. وكأنها الحلم الأبدي الأبعد في السكون. في تذكير مباشر بحالة الطفل في رحم أمه المحاط بالحماية والسلام.
وفي نهاية مفتوحة للفيلم تقف الأسرة لتودّع ابنها في سفره نحو أوروبا، في ذات اليوم الذي يكون فيه الشقيق الأصغر مشاركا في احتفال موسيقي في كرنفال شعبي في الشارع، لتحاصرنا دموع الفنانة كارين تالاس، التي جسّدت دور الأم، بين سعادتها بحفل ابنها الأصغر وقلقلها على ابنها البكر الذي رحل بعيدا، وهي لا تعلم ماذا تخبئ له الأيام في مشواره البعيد ذاك.
وفيلم “حبي” من كتابة كارين تالاس وغوستافو بيزي ومن إخراج غوستافو بيزي وتمثيل كل من كارين تالاس وكونستانتينوس ساريس وأدريانا إستيفيز أوتافيو مولر وسيزار ترونكوسو، وقد سبق له الفوز بست جوائز في مهرجان البرازيل السينمائي الرسمي، وهي: أفضل فيلم، أفضل مخرج، أفضل ممثل، أفضل ممثلة، أفضل نص أصلي وأفضل مونتاج.