البطاقة الذكية تغير قواعد البيع في الأسواق العربية

استعدت أسواق عربية لاستقبال تكنولوجيا البطاقات البنكية دون لمس التي تعد تطورا تكنولوجيّا هائلا في عالم المعاملات النقدية. وبدت البطاقات الجديدة رغم عمرها القصير، أنها أحدثت الكثير من الرواج في مختلف مناحي الحياة، وأهمها تيسير عمليات البيع والشراء بصورة صنعت فجوة بين عمليات الادخار والصرف لتظهر انعكاسات وتحديات أمنية واجتماعية ونفسية غير مسبوقة.
مَثل إصدار أول بطاقة دفع بنكية تعمل بشريط ممغنط في العالم ثورة غير مسبوقة ليس فقط في عالم المال والأعمال، إنما في تفاعل العامة مع حياتهم اليومية وطرق الإنفاق والسحب، بعد أن أضحى طريق التعامل أسهل وأسرع، وألغيت الوظائف وتغير شكل ودورية البنوك وآلية تحرك الودائع عالميا. وتبعت ذلك موجات مصاحبة على مدار سنوات، منها إصدار بطاقات الائتمان ذات الدفع المسبق والدفع عبر الإنترنت، لتغير من الطبيعة الاجتماعية للشعوب.
وبعد أكثر من ثلاثين عاما من الخطوة الأولى، أصبح تطور تلك البطاقات إلى أخرى أكثر أريحية وبساطة، وهي بطاقات الدفع دون لمس، موجة ثورية جديدة تزيد من ملامح التغير التي طالت العالم مع القاطرة التكنولوجية السريعة.
ودخلت البطاقات الجديدة حيز التنفيذ عام 2012 في الولايات المتحدة ثم أوروبا، قبل أن تنتشر التكنولوجيا الاقتصادية الجديدة في العالم، لتصل إلى دول عربية مثل مصر والسعودية والإمارات والكويت وغيرها.
وتعمل بطاقات الدفع دون لمس ببساطة عبر تلامس الكارت البلاستيكي الممغنط مع قارئ البطاقات المتوفر في المطاعم والمتاجر في حدود الشاشة التي لا تزيد مساحتها عن أربعة سنتيمترات، ثم تنتظر سماع صفارة تنذر بإتمام عملية الدفع. ولا يحتاج الأمر قبل ذلك إلى إدخال البطاقة في جيب ما أو كتابة الرقم السري.
قال إياد الكردي رئيس “ماستركارد” الإمارات، وهي أحد قطبي العالم إلى جانب شركة “فيزا” المسؤولين عن إدارة عمليات الدفع الإلكتروني حول العالم، “إن العالم بات أكثر سرعة وتلهفا لإنجاز متطلباته، ومع التوسع الكبير لاستخدام تقنية البطاقات البنكية في إتمام المعاملات المادية، لم يعد خيارا أن تصدر إجراءات جديدة تزيد من عمليات الدفع بطريقة سريعة ومريحة وآمنة، وأهمها بطاقات الدفع دون لمس”.
وأكد الكردي “أن كل ما على الزبون القيام به هو الإمساك بالبطاقة في حدود قارئ بطاقة ‘باي وايف’ (موجة الدفع) عندما يومض أول ضوء أزرق، ثم يظهر ضوء أصفر ويعني أن العملية قيد التفعيل وفور انتهائها يتحول إلى الأخضر”.
وتروج البنوك للتكنولوجيا الجديدة بكونها تجربة مصرفية لا تضاهى. فلم تعد مقيدا بحمل النقود في محفظتك لدفع مشترياتك اليوميّة البسيطة، بل على العكس يمكنك متابعة جميع مشترياتك حتى عمليات الشراء ذات المبالغ الصغيرة عبر تلك البطاقات السهلة.
وباتت البطاقات أقل تعرضا للتلف، لاسيما أنه لا يتوجب عليك الآن إدخالها في القارئ أو كتابة الرقم السري أو التوقيع للمصادقة على عمليات الدفع في أجهزة نقاط البيع.
وعلى الرغم من وضوح مميزات البطاقة الجديدة من الناحية العملية، إلا أنه لا يتوقف تأثيرها عند توفير المزيد من الرفاهية لحاملي البطاقات.
وذكرت دراسة لجامعة “ستانفورد” عام 2018، قامت بتحليل المعاملات المبرمة بالبطاقات الجديدة بين عامي 2016 و2017، ومقارنتها بالشكل الذي سبق ظهور التكنولوجيا الجديدة، أن البطاقات دون لمس رفعت معدل الصرف لدى المواطن الأميركي، بزيادة قدرها 9 بالمئة.
يعني ذلك أن حامل البطاقة الجديدة أكثر شراهة للشراء. وتماما مثلما صنعت بطاقات الائتمان عند ظهورها بدفع الملايين لشراء أشياء دون حاجتهم فقط لشعورهم بأنهم قادرون على التملك رغم أنهم لا يمتلكون الأموال، قدمت البطاقات دون لمس الشعور النفسي ذاته.
ويبدو أن تيسير عملية البيع والشراء، وشعور المشتري بسرعة العملية وعدم وجود صفوف طويلة أمام المتاجر، جعل العامة أكثر إقبالا على الشراء دون وعي أو تفكير طويل.
تأثيرات نفسية واجتماعية
يظهر التأثير النفسي واضحا على حامل البطاقة فهو لا يفكر في ما يمتلك في حسابه البنكي ولا يشعر بأنه أقدم على إنفاق الكثير من الأموال، لأن عملية الدفع لم تستغرق ثواني، ولم تحتج إلى تقديم بيانات فعلية مثل الرقم السري. فالقصة لا تتجاوز مجرد تلامس بين بطاقة المشتري وقارئ البطاقات للبائع.
وجاءت التأثيرات الاقتصادية على أصحاب المتاجر والمشروعات الصغيرة بالإيجاب مع ارتفاع معدلات الشراء العالمية بسبب البطاقات دون لمس. وأضحت المتاجر المتخصصة في تقديم وجبات سريعة أو قهوة وبعض المأكولات الجاهزة أمام فرصة سانحة لكسر حالات الزحام الصباحية أمام العشرات من الزبائن الذين يتخذ كل منهم من أربع إلى عشر دقائق لإتمام عملية الدفع بالبطاقة التقليدية. ومع انخفاض مدة الدفع لدقيقتين أو ثلاث، يمكن للمتجر استيعاب عدد أكبر من الزبائن وتشجيع آخرين يملون الانتظار على الشراء.
وطبقا لنظرية انتشار المبتكرات لعالم الاجتماع ايفرت روجرز، فإن الحالة التي مرت بها تكنولوجيا البطاقات دون لمس غير مسبوقة، وتشير النظرية إلى أن كل اختراع أو فكرة مبتكرة تحتاج المرور على أربع مراحل قبل ولوجها بشكل كامل إلى المجتمع، تلك المراحل هي المعرفة والاقتناع والاستخدام أو التطبيق، وأخيرا التأكد من فاعلية الفكرة واعتماد الناس على المسألة بشكل أساسي شبه يومي.
وفي حالة البطاقات الجديدة، تعد المسألة مغايرة، إذ قفزت البطاقات في غضون خمس سنوات للمرحلة الأخيرة، رغم أن نظرية روجرز تضع أمام كل اختراع جديد مدة لا تقل عن عشر سنوات لتمرير الفكرة داخل عقول العامة.
ومع أن مسألة ولاء الناس للبطاقات تظهر كعامل إيجابي، ولكن المساءلة تبدو عكس ذلك، فمع عدم تجذر فكرة وطريقة استخدام البطاقات الجديدة، تظهر أنماط فردية من عشوائية الاستخدام. فيقوم البعض بالإكثار من الدفع بالبطاقة بشكل يفوق طبيعة التعامل فتصدر أشكال اجتماعية غير متوقعة.
وأكد عادل عبدالرؤوف الخبير الاقتصادي أن البطاقات الائتمانية لم تجلب للعالم الكثير من السعادة، فحسب بعض الإحصاءات، أصبح العالم أكثر فقرا بعد ظهور البطاقات البنكية، فتكنولوجيا التداول وفرت الرفاهية للإنسان، لكن دفعته لسلوكيات غير سوية.
وتابع في تصريحات لـ”العرب” “سيكون التأثير النفسي والذهني مختلفين، إذا امتلك الشخص ألف دولار في محفظته عن امتلاك بطاقة ائتمانية بعشرة آلاف دولار، وهو لا يمتلكها في الحقيقة، لكن يمكن أن يدفعها بنظام القسط في المستقبل”.
وأوضح “في الحالة الأولى مهما زاد هوس الناس بالشراء فلن يستطيعوا دفع كل ما يملكون في المحفظة، وعند اختصار الأمر في بطاقة بلاستيكية، بالتأكيد ستكون الخطوات غير محسوبة.. ولك أن تتخيل عندما تصبح عملية البيع والشراء بالبطاقات دون لمس أشبه بشراء بلد في لعبة بنك الحظ.. كيف سيكون شكل الإنفاق الشخصي”.
وقد تكون للإسراف مساوئ متعددة اجتماعيا، حيث كشفت حادثة قتل كندي لزوجته، بداية هذا العام بعد أن ضاعفت الزوجة ديون الأسرة باستخدامها البطاقات دون لمس في ثلاثة أشهر، عن عمق الفجوة التي صنعتها تكنولوجيا الدفع الإلكتروني.
ولا تقتصر الصورة للبطاقات على نقاط سلبية، بل بعضها ظهر إيجابيا وإن لم يكن مقصودا، إذ أشارت معلومات مركز “نيت هايد” الأميركي للإحصاء والاقتصاد إلى أن تحسن التكنولوجيا المصرفية عموما، وظهور البطاقات الائتمانية المطورة خصوصا ساهم في تشجيع وزيادة عمليات التبرع للجمعيات والمؤسسات الخيرية بنسبة تراوحت بين 10 و15 بالمئة.
وأصبحت هذه المنظمات تلجأ إلى توزيع قارئات بطاقات دون لمس على موظفيها في الشارع وبالمتاجر الكبرى لتشجيع المارة على التبرع بسهولة. وانطلقت شعارات في الكثير من دول العالم مشجعة لتلك النوعية من التبرعات منها “بلمسة تنقذ طفلا” و”تلامس بسيط يعني معونة كبيرة”.
ويفسر خبراء إقدام البعض على التبرع بتلك البطاقات بصورة أكبر، بكون البطاقة السريعة والسهلة والمريحة نفسيا شجعت الناس على استخدامها في الخير دون الكثير من الحسابات أو التفكير الطويل تماما مثلما أضحت أسهل في الشراء.
وترتبط الصورة في مجملها بالبعد النفسي للمسألة، وجعل الشعور الطاغي باليسر الذي فرضته البطاقات دون لمس، البعض يقوم بالمعاملات المالية دون شعور بخوف أو قلق من خسارة الكثير من المدخرات.
لم تنجح فقط البطاقات دون لمس في تيسير المعاملات النقدية والبنكية، لكن أضفت ملمسا سهلا على جوانب حياتية شبه يومية. وباتت أغلب العواصم الغربية تعتمد كليا على البطاقات دون لمس في دفع تذاكر المواصلات، في مترو الأنفاق والترام وجميع أنواع الحافلات، فقط بلمسة سريعة بين بوابة المحطة والبطاقة الذكية يمكن المرور سريعا للحافلة للحاق بالجهة المستهدفة. وهي مسألة لم توفر فقط الكثير من الوقت، لكنها أيضا وفرت في ميزانية شركات المواصلات وخفضت من ضريبة التذكرة لأنه لم تعد هناك حاجة لوظيفة محصل للتذاكر، ولا تذاكر ورقية أو كروت من الأساس.
تطور البطاقات البنكية شمل أيضا هوس كبار السن الذين تعطلوا كثيرا أمام قاطرة التكنولوجيا السريعة والمعقدة. وجاءت البطاقات دون لمس لتحل أزمة الأجيال الكبيرة مع التعاملات المادية الصعبة من استخدام البطاقات وحفظ الأرقام السرية وغيرها من الخطوات التي يصعب على البعض تنفيذها.
أفضل من الأوراق النقدية
كشف إدورد ساندر، وهو مواطن كندي يعيش بالقرب من مدينة تورينو، ويبلغ من العمر 73 عاما، أنه لا يفهم الكثير من التحولات التكنولوجية، ويفضل استخدام العملات النقدية عن كل تلك التكنولوجيا المعقدة، لكن عندما يعطونه بطاقة بلاستيكية ترتبط مباشرة بحسابه البنكي ويقولون له إن كل ما عليه فعله هو أن يضعها على جهاز وستقوم هي ببقية المهمة، فهي أفضل من الأوراق النقدية.
يدور حول مسألة التوسع في استخدام البطاقات دون لمس جدل واسع بين مرحب بتلك الوسيلة التي سهلت حياة البشر، وبين مخاوف بخصوص الجانب الأمني لتلك البطاقات.
وتعمل البطاقات دون لمس بحد أقصى يومي بين 30 إلى 80 دولارا، حسب كل دولة، وبعد ذلك تعمل البطاقة بالنظام القديم بإدخالها في جيب القارئ وإدخال الرقم السري. ومع تذمر البعض من تلك المسألة حاولت بعض البنوك تقديم إجراء بديل بأن يصبح الحد الأقصى للشراء مفتوحا بشرط ألا يقوم المستخدم بأكثر من ثلاث عمليات شرائية في اليوم الواحد مستخدما البطاقة ذاتها.
وفي الحالتين يرى مستخدمون أن ثمة خطورة مباشرة على أموال الناس بعد أن شجعت وسهلت الخطوة أيضا التعرض للسرقة واستخدام اللص للبطاقة دون عناء.
وتكبح التحذيرات من البطاقات دون لمس عملية التوسع، وهو ما جعل المطورين الآن يبحثون عن حلول أمنية جديدة، منها ربط بصمة الإصبع بالبطاقة.
بينما برزت فكرة تشهد قبولا عاما الآن، ودخلت حيز التنفيذ في الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا واليابان، وهي تحويل البطاقة دون لمس إلى بطاقة إلكترونية أقرب لتطبيق على الهواتف الذكية. وتقوم شاشة الهاتف بدور البطاقة بلمسها مع القارئ. وتقلل التكنولوجيا الصاعدة من المخاوف الأمنية، لأن البطاقة ارتبطت بالرقم السري للهاتف.
وبدا توسع الشركات الكبرى مثل “أبل” التي أصدرت “أبل باي” و”غوغل” التي قدمت “غوغل والت” في مجال المعاملات النقدية الإلكترونية، يدفع إلى المزيد من التوسع نحو تلك الخاصية التي تزيد من قيمة هواتفنا الذكية وأصبحت قادرة على فعل كل شيء.