نقص المياه يفاقم متاعب صناعة الطاقة الإيرانية

أظهرت تقارير استقصائية أن نقص المياه نتيجة الجفاف، الذي ضرب إيران خلال السنوات الأخيرة، تسبب بشكل مباشر في تقويض صناعة الطاقة وخاصة البتروكيماويات، الأمر الذي أحبط خطط طهران لتحقيق عوائد من قطاع يمكن أن يتفادى العقوبات الأميركية.
لندن - فشلت إيران على مدى 10 سنوات في إكمال خطط بناء مصنع بتروكيماويات قرب مدينة فيروز أباد، رغم وفرة مقومات المشروع من الغاز والمواد الأولية. وكانت العقبة الكبرى ندرة المياه اللازمة لتبريد المصنع.
وأكد حامد رضا نجاد أحد مديري المشروع وجود أخطاء في “دراسات المشروع تتعلق بكمية المياه التي يحتاجها المصنع، والتي لا تستطيع المنطقة توفيرها”.
ولا يعدّ مصير المصنع حالة فريدة، رغم امتلاك البلاد احتياطيات هائلة من النفط والغاز وحرصها على زيادة إنتاج قطاع المصب، التي يمكن أن تتفادى العقوبات الأميركية المفروضة على صناعة الطاقة.
وتواجه 10 مشاريع على الأقل في مجال البتروكيماويات والأسمدة والتكرير تتجاوز طاقتها الإنتاجية الإجمالية 5 ملايين طن سنويا، صعوبات شديدة أو تأجلت بسبب إمدادات المياه.
وجمعت رويترز قائمة المشروعات من تقارير منشورة في وسائل الإعلام الرسمية وتعليقات مباشرة من مديري المشروعات المؤجلة وتفاصيل نشرتها بعض الشركات وجميعها تؤكد أن نقص المياه يمثل مشكلة كبرى.
وقال رجل الأعمال الإيراني رضا بني مهد الذي يعمل في مشاريع تكرير إن “الكثير من هذه المشروعات اقترحها نواب يحاولون خلق وظائف في دوائرهم. لكنها تجاهلت الدراسات التقنية”.
ويعد نقص المياه واحدا من التحديات العديدة التي تواجه طهران وهي تسعى لتفادي أثر العقوبات الأميركية من خلال زيادة طاقتها من المنتجات التي يصعب تتبع منشأها أكثر من الخام الإيراني.
وفي ظل العقوبات، انخفضت صادرات النفط الخام بنسبة 80 بالمئة وباتت الآن تدرّ حوالي 700 مليون دولار شهريا بناء على سعر البيع الإيراني المعتاد رغم أن طهران تبيع الخام بأسعار أقل.
وتبين حسابات رويترز أن طهران حافظت على مبيعات منتجات النفط عند حوالي 500 مليون دولار شهريا.
3.8 مليار متر مكعب من المياه تستهلكها إيران سنويا ولا تستطيع تعويضها، وفق بيانات الأمم المتحدة
وتحتاج مصافي تكرير النفط وغيرها من مصانع المعالجة إلى المياه بغرض التبريد في الأساس. ويتطلب إنتاج غالون من البنزين بين 0.61 و0.71 غالون من المياه. لكن تحويل الموارد المحدودة بعيدا عن الزراعة لاستخدامات صناعية يحمل في طياته مخاطر سياسية.
وتسبب الجفاف وإمدادات المياه المتناقصة في إثارة القلاقل. فقد نظم مزارعون بالمنطقة الوسطى احتجاجات في عدة مدن خلال 2018 بسبب سوء إدارة المياه مع انخفاض معدل سقوط الأمطار بنسبة 25 بالمئة عن المتوسط المعتاد.
ويهدف مشروع فيروز أباد، الواقعة في منطقة داخلية جنوب البلاد، إلى إنتاج مليون طن من الإيثيلين سنويا.
وبناء على أرقام لمشروع مماثل في القدرة الإنتاجية سيحتاج المصنع اأكثر من مليوني طن من المياه سنويا.
وتوقف المشروع بسبب خلاف بين الحكومة ومسؤولين محليين وأحد كبار رجال الدين حول نقل المصنع الذي تبلغ تكاليفه نصف مليار دولار إلى الساحل حيث يمكن استخدام مياه البحر بعد تحليتها. وكثيرا ما يؤدي هيكل مراكز القوى المتنافسة إلى صعوبة شديدة في عملية صنع القرار ويمكن أن يفضي إلى التغاضي عن العوامل التجارية والبيئية.
وقال كاوة مدني النائب السابق للرئيس الإيراني لشؤون البيئة “ثمة مشكلة في التنسيق بين الوزارات في ما يتعلق بخطط التنمية”.
وأضاف الأستاذ الزائر لدى إمبيريال كوليدج في لندن إن “العقوبات دفعت الحكومة لتقديم الوظائف على المياه والبيئة”.
وكان لتأخر مشروع فيروز أباد تداعياته إذ أدى إلى تعثر 4 مشاريع أخرى تهدف إلى استخدام إنتاج المصنع من الإيثيلين وهي مادة تدخل في صناعة راتنجات البوليستر والمنتجات اللاصقة. وكانت هذه المصانع ستؤثر بدورها على احتياطيات المياه الضئيلة في المنطقة.
وقال مدير آخر بالمشروع لرويترز، طالبا عدم الكشف عن هويته، “تأخر ليست كلمة منطقية. فنحن عمليا وبعد 12 عاما أمام مشروع فاشل”.
وأوضح أن الموقع الساحلي المقترح للمشروع مجرد فضاء أرض مستوية ولم يتم بناء شيء فيها بعد.
ورغم التحديات فقد رفعت إيران قدرتها التكريرية وأعلنت في فبراير الماضي أنها أصبحت مكتفية ذاتيا من البنزين.
وتبلغ القدرة الإنتاجية لمصانع البتروكيماويات في إيران حوالي 65 مليون طن سنويا يتم تصدير نحو 22.5 مليون طن منها للخارج.
وتهدف الحكومة لزيادة الإنتاج إلى 91 مليون طن خلال عامين على أن يرتفع إلى 130 مليون طن بعد ذلك بثلاث سنوات.
وتبلغ القدرة التكريرية نحو 2.23 مليون برميل يوميا ما يجعل إيران تأتي بعد السعودية المتصدرة لهذا المجال إقليميا.
وفي تقرير صدر العام الماضي، كشفت شركة الضمان الاجتماعي للاستثمار التابعة للدولة والتي تملك استثمارات في 200 شركة تابعة واستثمارات كبرى في قطاع الطاقة عن مشاكل تواجه الصناعة بما في ذلك العقوبات و”الجفاف ونقص المياه لمصافي التكرير الداخلية” البعيدة عن السواحل. وقالت الشركة إن بعض المشروعات “ليست مجدية اقتصاديا لأنها بدأت بغرض خلق وظائف في مواقع غير مناسبة”.
وفي شمال شرق إيران، واجهت شركة خراسان للبتروكيماويات صعوبات في بدء مصنع للأسمدة الزراعية يهدف لإنتاج 660 ألف طن من اليوريا باستخدام الغاز كمادة لقيم. وبعد خمس سنوات لا يزال المشروع متوقفا رغم توفير الدولة تمويل قيمته 700 مليون دولار.
وتقول شركة تأمين للاستثمار البترولي والبتروكيماوي وهي من كبار المساهمين إن موارد المياه للمشروع لم تتوفر ولا تزال غير واضحة.
وتعد الزراعة مصدرا رئيسيا لفرص العمل في إيران وتستهلك حوالي 90 بالمئة من استخدامات البلاد من المياه مقابل 10 بالمئة للصناعة. غير أن أي طلب إضافي يفرض ضغوطا على احتياطيات إيران المتناقصة.
وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن إيران تستخدم 3.8 مليار متر مكعب من المياه سنويا أكثر مما يتم تعويضه، الأمر الذي يؤدي إلى تناقص سريع في الكميات المتاحة.
ومع ذلك فلا تزال بعض المشروعات تمضي قدما حتى في مناطق تشتد فيها الضغوط. وقالت وكالة إيرنا الرسمية للأنباء العام الماضي إن مصفاة شازاند لتكرير النفط وسط إيران اضطرت لحفر آبار عميقة لاستخراج المياه الجوفية الأمر الذي أثار انزعاج دعاة الحفاظ على البيئة وأضعف إمدادات المزارعين.
وتؤكد الشركة المشغلة في موقعها الإلكتروني أنها خططت لاستخدام خزان سد كمال صالح عندما يمتلئ ومياه الصرف من المدن المجاورة لتقليل استهلاك المياه الجوفية. وأشارت إلى أنها تبحث عن مقاول لمشروع معالجة المياه.