نجاح العلاقات مرهون بمستوى الذكاء العاطفي لدى الطرفين

يحتاج كل شخص إلى التعرف على أهمية الذكاء العاطفي في العلاقات الرومانسية، وكيف يمكن استخدامه لتقوية علاقته مع الطرف الآخر، نظرا إلى الأهمية التي يكتسيها في زيادة العلاقة الحميمة، ودعم التواصل بين الشريكين، وبناء الحب المستدام.
لندن - عزا باحثون متخصصون سر ديمومة العلاقات الزوجية والرومانسية إلى ما سمّوه “الذكاء العاطفي”، مؤكدين أنه مصدر إدراك التغييرات الكبيرة والصغيرة التي تحدث باستمرار في أنفسنا وفي الآخرين، ويشعر كل طرف تلقائيا من خلال بناء ذكاء عاطفي خاص به ومن خلال الوعي النشيط والتعاطف، بالتحولات الصغيرة في ديناميكيات الرومانسية في العلاقات العاطفية.
وأكدت الدكتورة جين سيغال، الكاتبة والباحثة في مجال الذكاء العاطفي وعلم نفس الاتصال، وهي أيضا مؤسس مشارك ومدير تحرير موقع “هالبغيد.أورغ”، وهو موقع للصحة العقلية لا يهدف إلى الربح ويخدم أكثر من 80 مليون شخص كل عام، أنه لكل إنسان القدرة على تحقيق الحب الذي يحلم به الجميع، وبلوغ العلاقة الحميمة والعميقة المتبادلة والالتزام الحقيقي والعناية العاطفية، ببساطة بسبب التعاطف ومعرفة الغير، وقدرتنا الفطرية على تبادل الخبرات العاطفية، وفق خبراء الذكاء العاطفي.
كما يحتاج الشركاء إلى جميع مهارات الذكاء العاطفي للوصول إلى ذروة الرومانسية، وهي الوعي الحاد لتجنب الخلط بين الافتتان أو الشهوة لبلوغ الحب الدائم، وإدراك كبير لتقييم العلاقة، وما هو ناجح وما هو غير ناجح.
وبيّنت الباحثة الأميركية أن الذكاء العاطفي يجنب الإنسان اختيار الشريك الخطأ، وينتهي به الأمر بعدة زيجات فاشلة، أو ترك الرومانسية تتسرب من العلاقات طويلة الأمد، كما أنه لا يسمح للاحتياجات والرغبات المتضاربة أن تتسلل بين شخصين يحبان بعضهما البعض، ويترك الملل أو المشاحنات يتسللان إلى حياة الشريكين الرومانسية.
كما أوضحت أنه بالنسبة إلى الكثير من الناس، يعتبر الوقوع في الحب بمثابة دافع لإعادة تعليم القلب، وهذا هو السبب في وجود البعض من أكثر الأزواج حبا لبعضهما في عمر الثمانينات، حيث يكتشفون أن مهارات الذكاء العاطفي تؤدي إلى علاقة رومانسية لا تتوقف أبدا عن النمو، ولا تفقد الإثارة أبدا، وتقويها دائما، سواء بشكل فردي أو جماعي.
وأضافت سيغال أنه عندما يتخلص الإنسان من الخوف من التغيير، يكتشف أن الاختلاف لا يعني بالضرورة التحول إلى الأسوأ، وغالبا ما تأتي الأمور أفضل من أي وقت مضى في الجانب البعيد من التغيير. فالعلاقات هي كائنات حية في حد ذاتها، ويجب أن تتغير بطبيعتها.
وأشارت إلى أن أي علاقة غير مدفوعة تجاه نوع النمو الذي تريده ستنحرف إلى تغيير من نوع آخر، وربما إلى علاقة لا يريدها الشخص، فقدرته على تبني التغيير تؤتي ثمارها في الشجاعة والتفاؤل، ويتم ذلك عن طريق التساؤل، هل يحتاج حبيبك إلى شيء جديد منك؟ هل تحتاجان إلى بعض الوقت لتقييم علاقتكما معا؟ هل التأثيرات الخارجية تطالب بتغيير في الأدوار؟ هل أنت سعيد كما اعتدت أن تكون؟
وغالبا ما تكون مثل هذه الأسئلة مخيفة للغاية من دون الذكاء العاطفي، حيث يتجاهل العديد من العشاق إشارات التغيير إلى أن يفوت الأوان. وتسمح الشجاعة والتفاؤل بمشاهدة المعضلات ليست كمشاكل، بل كفرص صعبة، وما هي درجة الإبداع التي يصلون إليها عندما لا يحتاجون إلى إلقاء اللوم على بعضهم البعض بسبب مشاعرهم، فهم لا يقعون تحت سيطرة ذكرياتهم العاطفية السلبية، وينتبهون إلى عدم تكرار نفس الخطأ القديم.
ونبهت سيغال إلى أنه عندما يكون لدى المحب ذكاء عاطفي بدرجة عالية، يمكنه التحرر من الروتين والاستسلام، ويمكن الوصول إلى حل المشاكل التي تواجهه، كما يمكنه رؤية الاختلافات بينه وبين الطرف الآخر، على أنها دعوات للعثور على بعضهما البعض، ويمكنهما بذلك من مواجهة التحديات من أجل التقارب والخروج من الأزمات بشكل أقوى.
وأفادت أن الشعور بالحب لا يعني الشعور بالغضب أو الإحباط أو الأذى أو الغيرة أبدا، فكيفية تعامل الإنسان مع عواطفه أمر متروك له بالدرجة الأولى؛ ما يهم هو أن يشعر بها فعلا، لقد دمر اللوم العديد من العلاقات، وغابت الحميمية عن علاقات الكثير من الأزواج بسبب الخزي، وكل هذه المشاعر هي عبارة عن بقايا قاسية من الغضب والخوف والقلق، ولكن إذا قام كل طرف ببناء مهارات الذكاء العاطفي الخاصة به، فسيواجهان مشاعرهما ويواصلان حياتهما معا.
كما أكدت أن كل طرف يحتاج إلى القبول لتطوير العلاقة العاطفية، وجزء كبير من هذا القبول يأتي من الضحك، وربما لا يتقبل العاشقان اللذان لا يضحكان سويا عن أنفسهما علاقتهما، وقد لا يكونا قادرين على تحمل عيوبها وعثراتها، ويصبحان أقل عرضة للانفتاح على أكثر المفاجآت السارة في العلاقة. وعلى النقيض من ذلك، فإن تطوير مهارات الذكاء العاطفي يعني أن الإنسان يستطيع الاستمرار في تحسين علاقته، بشرط ألا يقع فريسة لفشل التوقعات نحو الكمال.
وأشارت إلى أنه إذا كانت العلاقة الحميمة تسير على ما يرام، لكن الشخص لا يستطيع إنجاز أعماله في اليوم التالي، وإذا كان يشعر بالأمان والراحة عند سماع كلمة “مرحبا، عزيزي” عندما يعود إلى المنزل ليلا إلا أنه يواجه مشكلة في الاستيقاظ في الصباح، فإن هناك خطأ ما يحدث، على الرغم من أن كل شيء من حوله يشعر بالدفء والأمان. وعندما يحدث هذا، سيواجه جميع المعلومات المتعلقة به وبشريكة حياته وبعلاقتهما التي جمعتها عواطفه وعقله إلى الحل الأفضل.
وأفادت خبيرة الذكاء العاطفي أننا نختار الشريك المناسب لأسباب تتعلق بكيف نفكر أكثر من كيف نشعر. وندير علاقاتنا بناء على الطريقة التي ينبغي أن تكون عليها الأشياء أو كانت عليها. وهذا هو بالضبط المكان الذي نخطئ فيه. لا نخسر في الحب لأننا تركنا المجال لعواطفنا، ولكن لأننا تركنا المجال لعقولنا.
وأوضحت أن من يعتقدون أنهم في حالة حب لعدة أسباب مثل الشهوة أو الافتتان أو الرغبة في الأمان أو الوضع أو القبول الاجتماعي، ومن يعتقدون أنهم وجدوا الحب الحقيقي لأن المشهد الحالي يلبي بعض الصور أو التوقعات، إذا ما لم يعرفوا ما يشعرون به، فإن اختيارهم سيكون خاطئا.
وتابعت أنه كلما أخذت أحلام الإنسان وتوقعاته بشأن الشريك المحتمل شكل نقاشات عقلية تبرر اختياره، فهو في المسار الصحيح، أما إذا كان يشعر بأن هناك خطأ ما مستمرا أو ينمو، فمن المحتمل أن يكون اختياره غير صحيح، وإذا ترك نفسه للتوقعات الذهنية وإحساسه الجسدي أيضا، فلن يعرف أبدا ما يريده حقا.
وأضافت أنه بالنسبة إلى أغلب الناس، يصعب الحصول على إشارات واضحة من الجسم كله أثناء شعورهم بحب جديد، لأنهم غالبا ما يغرقون في رغبتهم الجنسية، وهذا هو السبب في أنه من المهم ملاحظة مشاعر أخرى أكثر دقة. وقد يعني توتر العضلات أو الصداع النصفي أو آلام المعدة أو قلة الطاقة أنه ليس بالضرورة أن يكون هذا هو ما يحتاجه الشخص، ومن ناحية أخرى، إذا كان توهج الحب مصحوبا بزيادة الطاقة والحيوية، فقد يكون هذا هو الاختيار الصحيح، وإذا كان الأمر أكثر من مجرد الافتتان أو الشهوة، فستكون هناك فائدة في مناحي أخرى من الحياة وفي علاقات أخرى.