تنصيب الحكام في تونس لا يزال بيد النساء

حصلت المرأة التونسية عام 1959 على حق العمل السياسي تصويتا وترشيحا، وفي ذات العام تم انتخاب أول امرأة في البرلمان، ورغم كل هذه السنوات لم تتمكن المرأة التونسية من الوصول إلى سدة القرار، وهي التي تنصب الحكام. فمن ستنصبه النساء الأحد 6 أكتوبر في البرلمان؟
تونس - تشكل النساء في تونس نسبة 54 في المئة من الناخبين المسجلين في الانتخابات التشريعية المقررة غدا الأحد.
ومن بين سبعة ملايين و200 ألف مسجل يبلغ عدد النساء حوالي أربعة ملايين، ويمثّلن بذلك قاعدة انتخابية مهمة يتنافس المرشحون للانتخابات على نيل ثقتهنّ، ومن المنتظر أن تكون أصواتهنّ حاسمة في تحديد الفائزين بالانتخابات التشريعية والرئاسية وفي تشكيل المشهد السياسي القادم.
ولعبت أصوات النساء في انتخابات 2014 دورا حاسما في صعود الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي إلى قصر قرطاج، بفضل كسبه لأكثر من مليون صوت نسائي، في مواجهة منافسه آنذاك الرئيس السابق منصف المرزوقي.
وكان الرئيس قائد السبسي يعتبر نفسه وريثا للزعيم التاريخي لتونس المستقلة الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة الذي تدين له النساء التونسيات بسنّ قانون الأحوال الشخصية الأكثر ليبرالية في العالم العربي.
لكن تراجع الاستقطاب حول قضايا الدين والمرأة في الانتخابات الحالية، وتعدد المرشحين في المعسكر الليبرالي والعلماني قد يجعلان أصوات النساء مشتتة.
وتقول بدرة قعلول، رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية بتونس “في عام 2014 “كانت المرأة التونسية وما زالت مثالا يحتذى في العالم، فمشاركتها قلبت الموازين، حيث خرجت النساء ليس لأجل شخص، بل لأجل قيم الديمقراطية والحداثة، من أجل تغيير المعادلة وبناء الوطن، والحفاظ على المكتسبات”. وأضافت “المجتمع المدني يتحرك بالمرأة، فالسيدات أصبحن العنصر الأساسي والفاعل في تغيير المشهد السياسي”.
أرملة بلعيد تواجه الغنوشي
استأثرت القائمات الحزبية المرشحة للانتخابات التشريعية المقررة الأحد بـ57 بالمئة من القائمات التي تترأسها نساء، ويتصدر حزبا آفاق تونس والدستوري الحر قائمة الأحزاب المرشحة للانتخابات على 33 دائرة انتخابية من حيث عدد من القائمات التي ترأستها نساء (9 قائمات) ويتذيلها ائتلاف الجبهة الشعبية بقائمة انتخابية واحدة تترأسها امرأة، وفق نتائج دراسة حول “مدى حضور المرأة في المسار الانتخابي والترشحات والقائمات الحزبية” التي أنجزتها رابطة الناخبات التونسية.
وتتوجه أنظار المتابعين في الانتخابات التشريعية إلى دائرة تونس العاصمة “تونس1” التي تشهد ترشح قيادات حزبية من الصف الأول عدا عن مواجهات اُعتبرت ذات دلالة رمزية، بل واعتبر ملاحظون أن الصراع في هذه الدائرة، التي تضم 9 مقاعد، سيكون على أشدّه بشكل أشبه بدورة أولى لانتخابات رئاسية.
راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، قرر خوض أول استحقاق انتخابي له منذ الثورة برئاسة قائمة حزبه في دائرة العاصمة.
في ذات الدائرة، تترشح بسمة الخلفاوي، أرملة الشهيد شكري بلعيد، على رأس قائمة الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي. وهاجمت الخلفاوي خصمها معتبرة ترشحها تحديا لمن تصفه بـ”قاتل أرواح”. وأضافت في تصريحات إعلامية، أن هدفها هو الفوز في الانتخابات وإسقاط راشد الغنوشي واعتبرت أن “تلك هي مهمتها”.
دائرة “تونس1”، تشهد أيضا ترشح عضو مجلس نواب الشعب سامية عبو، التي سبق وأن صعدت إلى البرلمان عبر هذه الدائرة في انتخابات 2014 عن حزب التيار الديمقراطي.
كما تترشح على رأس قائمة مستقلة في ذات الدائرة كلثوم كنو، المرشحة في الانتخابات الرئاسية عام 2014 والرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين.
حزب “قلب تونس”، الذي يرأسه المرشح المسجون نبيل القروي، قدم الناطقة الرسمية باسمه سميرة الشواشي على رأس قائمته في “تونس1”.
يذكر أنه رغم إقرار مبدأ التناصف بين الرجال والنساء بالقائمات الانتخابية في الانتخابات التشريعية التي أعقبت الثورة التونسية 2011، إلا أنّ التمثيلية النسائية بالبرلمان التونسي ظلّت ضعيفة ومحدودة، ودون السقف المطلوب.
رغم أن عدد النساء في المجلس الوطني التأسيسي كان محدودا، إلا أنهن تمكنّ من فرض مبدأ التناصف في الدستور الذي جرى اعتماده في 2014، ليتحول بذلك إلى حق دستوري.
وساهم ذلك في ترفيع نسبة حضور العنصر النسائي في البرلمان بعد الانتخابات البرلمانية المقامة في 2014، حيث ارتفع عدد التونسيات المنتخبات في البرلمان بشكل ملحوظ مقارنة بانتخابات 2011، ليصل عددهن إلى 72 من أصل 217، أي بنسبة تفوق 33.1 بالمئة، بحسب إحصائيات هيئة الانتخابات التونسية.
وهذه النسبة مكّنت تونس من الارتقاء إلى المرتبة 34 عالميا على مستوى تمثيلية المرأة في البرلمان، وهي تتجاوز المتوسط العالمي المقدر بـ20 بالمئة.
ونص الدستور التونسي في 2014، في المادة 34، على أن “تعمل الدولة على ضمان تمثيلية المرأة في المجالس المنتخبة”، ثم أتبع ذلك بالتزام أكثر وضوحا في المادة 46 حيث نصّ على أن “تسعى الدولة إلى تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة”.
وحصل مجلس النواب الحالي على جائزة المنتدى العالمي للنساء عام 2015، تقديرا لتصدر تونس البلدان العربية من حيث مشاركة المرأة في البرلمان.
السماوي تفوقت على زوجها
في أعقاب الزلزال السياسي الذي دفع باثنين من المرشحين، قيس سعيد ونبيل القروي، إلى الدور الثاني بات السؤال الملح للتونسيين: من ستكون السيدة الأولى في البلاد؟
وكثرت التساؤلات حول إشراف سعيد، زوجة قيس سعيد، التي تكره الأضواء وظهرت للمرة الأولى برفقة زوجها أثناء قيامها بعملية التصويت للانتخابات الرئاسية.
وزوجة قيس سعيد هي إشراف شبيل وكيل رئيس المحكمة الابتدائية بتونس، كما أنها مستشارة بمحكمة الاستئناف وأم لثلاثة أبناء.
أما سلوى السماوي زوجة نبيل القروي التي كانت حاضرة بقوة في الحملة الانتخابية لزوجها بسبب تواجده في السجن، فهي مديرة عامة في شركة “مايكروسوفت” لأفريقيا والشرق الأوسط، درست الهندسة الصناعية في الولايات المتحدة وتتحدث الإنكليزية والفرنسية بطلاقة.
لمع نجم سلوى، خلال الحملة الانتخابية لزوجها المسجون، بعدما أجرت سلسلة حوارات مع وسائل إعلام عديدة ظهرت فيها امرأة قوية، بارعة في التواصل وفي التأثير.
واستمرت الحملة الانتخابية للقروي بمشاركة زوجته إلى جانب العديد من قيادات حزب “قلب تونس” في العديد من مناطق البلاد، حيث سعت السماوي لاستمالة المهمشين في الشمال والجنوب مستعملة نفس عبارات زوجها في مخاطبة هؤلاء.
وزارت سلوى السماوي قبل أسبوع القيروان، وجابت الحقول والقرى والمدن، من أجل نصرة زوجها في معركته الثانية، بحسب قولها، ألا وهي الحملة الانتخابية التشريعية لحزب “قلب تونس”.
ورفعت زوجة القروي في جولتها شعارات “ما نسلموش، ما نرضخوش للظلم والاستبداد”.
ويُنسب لسلوى الفضل في حصول القروي على المركز الثاني في الانتخابات التي أجريت الأسبوع الماضي
ويقول مراقبون إن كان بروز بسمة الخلفاوي على الساحة السياسية في محاولة للضغط على السياسيين حتى تُكتشف الجهة التي “هندست” الاغتيالات فإنّ خروج سلوى السماوي كان لاستكمال مسار زوجها السياسيّ وهو حضور نوعيّ قائم على بلاغة التواصل مع الكادحات المنسيّات.
وتؤكد الكاتبة التونسية أمال قرامي “هو أمر يلفت الانتباه إلى مسألتين: أوّلهما: تفوّق المرأة على زوجها في مستوى المحاججة، ولغة التخاطب مع الكادحات، وقرب المسافة التي توحي بسدّ الفجوة بين الطبقات، وثانيهما دخولها في لعبة تبادل الأدوار وانتزاع السلطة حتى أنّ بعضهم/هنّ اعتبر أنّه كان من الأجدى أن تكون هي مرشّحة حزب قلب تونس”.
بقطع النظر عن نوايا السماوي وتمثّلها للمهمّشات، واستغلالها لهنّ من عدمه فإنّ “الدهاء” السياسيّ لا غبار عليه خاصة إصرارها على التشبث بصفة “زوجة نبيل” العطوفة على المساكين والمبلّغة لرسائل زوجها المسجون إلى الكادحات فتقول “نبـيل يسلّم عليكم ويقوللكم آش عاملين في رجوع أولادكم للقراية (المدرسة)”.
الكادحات يقررن
يقول مراقبون إن الكادحات بتن يمثلن منجما انتخابيا قد لا يقل حجمه عن مليون صوت وبإمكانه أن يحدث الفارق لفائدة من ينجح في الفوز به.
واليوم لا يوجد حزب وسطي وحداثي قوي في تونس يقدر على الفوز بهذا المنجم آليا، وعليه اضطرت بعض الأحزاب الوسطية إلى التنافس في ما بينها على العنصر النسائي وكانت الغلبة دون منازع لحزب نبيل القروي.
وبينت الأرقام أن قرابة 41 بالمئة من الذين انتخبوا القروي في الدور الأول لم يذهبوا إلى المدرسة وأن 25 بالمئة من الذين انتخبوه أعمارهم فوق الستين سنة. واستطاع حزب نبيل القروي كسب المنجم الانتخابي بعد أن كانهذا المنجم محايدا حتى زمن الانتخابات البلدية الماضية التي جرت في مايو من العام الماضي. وكان تقرير أعده المركز التونسي المتوسطي حول “مشاركة المرأة الريفية الأمية في الانتخابات البلدية”، قد كشف أن حوالي 60 بالمئة من النساء الريفيات الأميات المسجلات في الانتخابات البلدية لم يشاركن.
وأبرز التقرير أن من أهم الأسباب التي أدت إلى عزوف الريفيات الأميات عن المشاركة في الانتخابات تعود إلى غياب الثقة في الأحزاب.
ولطالما قدم القروي نفسه على أنه مرشح الفقراء، وهو خطاب أقنع المنسيين والمنسيات في مختلف المناطق التونسية خاصة أنه لم يكن شعارا انتخابيا فقط إذ توجه القروي بنفسه إلى الأرياف في المناطق الداخلية لتقديم معونات للفقراء عبر جمعية “خليل تونس”، نسبة إلى ابنه الذي توفي في حادث سيارة.
وتقول إحصائيات غير رسمية إن حزب “قلب تونس” سيحصد في الانتخابات التشريعية أصوات نفس الفئة التي حصدها القروي في الدور الأول لانتخابات الرئاسة.