الجذور السياسية والدينية للتطرف تحاصر القارة الأفريقية

الأيادي الخارجية تزيد من حراك التطرف في الصومال، مع وجود شبهات ظهرت عبر تسريبات لمسؤولين قطريين أكدت دعم المتطرفين في الصومال بهدف ضرب مصالح لقوى إقليمية منافسة.
الثلاثاء 2019/10/01
الصومال الملاذ الجديد للتطرف

ضاعفت تنظيمات جهادية من قدراتها للتواجد بكثافة في ربوع القارة الأفريقية، وتدشين بؤر ملتهبة تزيد من معاناة الشعوب وتهدد استقرارها وتعيد الحيوية للعمليات الإرهابية. ورغم صعوبة التكهن بمستقبل حراك المتطرفين، إلا أن البعض من الخبراء قارنوا بين مصير حركات أفريقية متشددة سابقا وأخرى حالية، لأنها اختلفت في الأيديولوجيا وفي النشاط، لكنها تشابهت في الظروف والطبيعة، ومرجح أن تنتهي إلى الاندثار أمام خصوصية شعوب أفريقيا.

تواصل التنظيمات المتشددة تمددها في قارة أفريقيا. وتواترت مؤخرا تحذيرات متتابعة تنبه لخطورة تحول بعض دولها إلى بؤر جاذبة لعناصر إرهابية كثيرة، على رأسها تنظيم داعش كي تصبح القارة أرضا خصبة وحاضنة لأصحاب الأفكار المتطرفة.

من الدلائل المقلقة مؤخرا، قيام إثيوبيا في 21 سبتمبر بضبط خلية إرهابية تابعة لتنظيم داعش، بين عناصرها شخص يدعى محمد عبدالله قيادي إقليمي في التنظيم، ما يعني أن المسألة بدأت تتجاوز حدود الصومال.

يسلط السعي الحثيث لاختراق إثيوبيا، وقبلها الصومال وكينيا وليبيا وتغولها في تشاد، الضوء على ضرورة وجود تحرك دولي سريع قبل أن تتحول بعض دول القارة إلى مناطق نشطة للإرهاب، وهو ما أكدته الكاتبة الأميركية من أصل نيجيري، ألكسيس أوكيوو في حوارها مع “العرب”، مرجحة ضرورة التدخل السياسي السريع لحماية الأهالي والفقراء في شرق وغرب أفريقيا من الانزلاق خلف التشدد، ومواجهة التفكير الراديكالي.

وضعت أوكيوو كتابا بعنوان “سماء بلا قمر ولا نجوم.. نساء ورجال يكافحون التطرف في أفريقيا” مؤخرا، وتناولت فيه خلاصة جولات ميدانية عميقة في بلدان أفريقية عدة، اخترقتها تنظيمات دينية متشددة من الصومال وموريتانيا ونيجيريا وأوغندا. وقالت أوكيوو لـ”العرب” إن التشريح السياسي والاجتماعي والديموغرافي للقارة يكشف حجم معاناة السكان، ورغبتهم الدفينة في مقاومة التشدد، رغم ضعف الإمكانات التعليمية والمادية.

وأضافت “تتمتع دول أفريقيا بخصوصية عن غيرها من الدول خارجها في مواجهة الإرهاب، فهي قارة تمتد فيها جذور العنف الديني والقبلي منذ مئات السنين، وأنتج ذلك بيئة خصبة للتطرف على مستوى الأديان والأعراق”.

قامت أوكيوو برصد التشابهات بين الدول التي زارتها، وجمعت في النهاية لوحة أو خارطة كبيرة أشبه بالفسيفساء، بعد أن وضعت أحجارا صغيرة من الطروحات السياسية والفكرية في تجاور لتكشف الشكل السلبي الذي تدار به القارة.

تمازج وتجانس

تتمتع دول أفريقيا بخصوصية عن غيرها من الدول خارجها في مواجهة الإرهاب
تتمتع دول أفريقيا بخصوصية عن غيرها من الدول خارجها في مواجهة الإرهاب

أوضحت أن العنف في أفريقيا لا يقترن فقط بالجماعات الدينية المتشددة المنتمية إلى الإسلام، لكن توجد حركات متطرفة تتغذى على الجهل المتفشي في دول عديدة بالقارة.

وفي أوغندا مثلا ظهرت مبكرة جماعة مسيحية متطرفة اسمها “جيش الرب للمقاومة” بزعامة جوزيف كوني، وتخصصت في إشاعة الفوضى في المنطقة عبر الخطف وإثارة الرعب، واستثمرت المساحات الشاسعة من الأراضي التي يصعب السيطرة عليها، واتخذت من جنوب السودان مركزا لشن هجماتها على شمال أوغندا.

قدمت دراسة أوكيوو أمثلة على التفسير المحدود والمدفوع بمصالح ذاتية للنصوص المقدسة في العموم، بداية من تطرف “جيش الرب” الأوغندية، ومرورا بالمبرر المزعوم للرق من خلال النصوص الإسلامية في موريتانيا، ووصولا إلى التطرف الإسلامي الحالي لحركة الشباب الإسلامية في الصومال، وبوكو حرام في نيجيريا.

وأوردت المؤلفة في دراستها عن التطرف في القارة، أن البعض يركز على حركة الشباب الصومالية باعتبارها التنظيم الراديكالي الأقدم والأكثر تأثيرا في أفريقيا، إلا أن تطور التنظيمات الموالية لداعش كشف عن حالة أفريقيا كبيئة حاضنة للتشدد بشكل أوضح. كان الظهور الأول لتنظيم داعش في منطقة القرن الأفريقي في أكتوبر عام 2015، وتزامن ذلك مع تمدده في إطار استراتيجيته التي ارتكزت على زيادة رقعته الجغرافية على أوسع نطاق في آسيا أيضا.

ظهر التنظيم في الصومال أولا مستغلا التدهور في ربوعه، والغليان والانقسام داخل حركة الشباب التي أعلنت تأييدها لتنظيم القاعدة، ثم انشق جناح منها وأعلن ولاءه لداعش.

ولفتت أوكيوو إلى أن داعش حرص على خلق كيانات موالية له في منطقة القرن الأفريقي هدفها الرئيسي التجنيد، والتغلغل في المناطق الفقيرة في جنوب الصومال وشمال كينيا وغرب الكونغو وموزمبيق، وهي بؤر تعج بالفقر والجهل وتنتشر فيها جاليات مسلمة تشعر بالاضطهاد.

ورغم إخفاقات فرع تنظيم داعش في كل من سوريا والعراق وسيناء بمصر، ظل المد الداعشي في أفريقيا مزدهرا، وتلك خصوصية فريدة جعلت قادتهم يتجهون نحو القارة، ويركزون على شرقها كبديل مناسب وحيوي لإنعاش آمال الجهاديين.

كشفت أوكيوو عبر رحلاتها المستمرة، وتجولها بين مقديشو وبلاد بونت وإقليم كيسمايو على مدار عام، أن تلك المنطقة الأهم والأكثر نفوذا للتنظيمات الإرهابية لأسباب عدة أبرزها، اضطراب الأوضاع الأمنية، وانتشار الإسلام كدين لغالبية شعوبها، والموقع الجغرافي المتميز، وارتفاع الفقر المدقع وعجز الحكومات عن فرض السيطرة والأمن والاستقرار.

يقول مراقبون إن الأيادي الخارجية تزيد من فاعلية وحراك التطرف في الصومال، مع وجود شبهات قوية ظهرت عبر تسريبات لمسؤولين قطريين أكدت دعم حركات متطرفة محلية في الصومال لضرب مصالح اقتصادية وسياسية لقوى إقليمية منافسة.

لماذا شرق أفريقيا

حركات متطرفة تتغذى على الجهل المتفشي في دول عديدة بالقارة
حركات متطرفة تتغذى على الجهل المتفشي في دول عديدة بالقارة

ينقسم كتاب “سماء بلا قمر ولا نجوم.. نساء ورجال عاديون يكافحون التطرف في أفريقيا” إلى جزئين. الأول خصصته المؤلفة لشرح السياق العام لطبيعة ونشأة المقاومة الأفريقية أمام النزعة الدينية المتطرفة، والثاني حاول فهم الرغبة الكبيرة التي جعلت القارة قبلة رئيسية لجماعات راديكالية.وقالت أوكيوو إن توسع نطاق التشدد في أفريقيا يظهر في أشكال تعزيز تجنيد العناصر المحلية وتأسيس جماعات صغيرة بالمدن والقرى، وتكثيف العنف والعمليات الإرهابية لترويع المواطنين.

تنقلت المؤلفة بين دول عدة في شرق ووسط وغرب أفريقيا، غير أن بحثها الميداني وضع شرق أفريقيا المطل على المحيط الهندي في المقام الأول كأكثر المناطق نموا للتطرف.

قسمت أوكيوو الأسباب إلى ثلاثة ملفات رئيسية، الأول ركز على سهولة تعزيز الموارد المالية، والثاني تحقيق انتصار على القاعدة ومناصريها من حركات محلية قديمة، والثالث اهتم بالقيمة السياسية والاستراتيجية للمكان.

ولفتت إلى أن المصادر المالية في تلك المنطقة تتركز في سهولة الاستحواذ على الموارد الطبيعية والثروات، مثل حقول النفط والمناجم لضعف المنظومة الأمنية في أغلب الدول الموجودة في منطقة شرق أفريقيا.

يصعب فصل التنافس الكبير والمحتدم بين القاعدة وداعش، عن الاهتمام الواسع بمنطقة القرن الأفريقي الحيوية. فكل طرف يبحث عن تعزيز تواجده على حساب الآخر.

أكدت أوكيوو أن تنظيم القاعدة ممثل بالفعل في حركة الشباب بالصومال، ويبحث داعش عن موضع قدم في تلك البؤرة الخصبة، بالتالي تزداد المنافسة والتكالب على المنطقة، مصحوبة بأبعاد أيديولوجية وفكرية أكثر منها مادية.

وأضافت أن داعش نجح في هزيمة القاعدة وتهميشه في مناطق عديدة، بعد أن سرق الأضواء منه بوضع القاعدة كـ”تنظيم أم” في خانة المريض والمنتهي الولاية تقريبا. وساهمت الترسانة الإعلامية المتخمة في جذب المئات من أنصار القاعدة لصالح داعش.

مع توالي هزائم القاعدة انتعش داعش، وأضحت منطقة القرن الأفريقي، والصومال تحديدا مجالا خاضعا له. يخوض التنظيم الأول معركة وجود وسيطرة ضد داعش، الذي يرغب في تفريغ الساحة بالكامل من منافسيه، أو على الأقل التواجد دون منافسة حادة من تنظيمات جهادية. لكن يبقى الهدف الأهم مقترنا بالرغبة في التمدد الجغرافي في مناطق تكتظ بالصراعات.

رغم إخفاقات داعش في سوريا والعراق وسيناء بمصر، ظل المد الداعشي في أفريقيا مزدهرا، وتلك خصوصية فريدة جعلت التنظيم يتجه نحو القارة، ويركز على شرقها 

ذكرت أوكيوو أن العامل الجغرافي يلعب دورا مهما، وقرب القرن الأفريقي من النزاع في اليمن ضخ المزيد من فرص التجنيد وتغلغل الأفكار المتشددة، ما يعني تزايد خلايا داعش في دول المنطقة وإمدادها بعناصر جديدة، وكلها عوامل تهدد الأمن والسلم في المنطقة.

تضفي منطقة البحر الأحمر المتصاعدة أهمية كبيرة على الصراع، خاصة أن داعش منذ نشأته يميل إلى الظهور كلاعب دولي يقدم ضربات لها صدى دولي بشكل عام، وإحدى الوسائل التي يرمي إليها ضرب خطوط الملاحة والتجارة البحرية في البحر الأحمر.

وكشفت المؤلفة أن تواجد التنظيمات المتطرفة في شرق أفريقيا بغزارة أكبر عن غربها له أبعاد خطيرة، بينها تهديد الوضع الاقتصادي العالمي والتأثير على مصالح استراتيجية لقوى إقليمية ودولية في منطقة القرن الأفريقي، لاسيما في جيبوتي التي تعج بقواعد عسكرية غربية.

ورأت أوكيوو أنه من الصعب التكهن بمستقبل التمدد المتشدد في القارة لطبيعة أفريقيا المعقدة، قائلة “أفريقيا ليست لها آلية موحدة في المواجهة، والتاريخ خير شاهد على ذلك، فقد تصبح الحاضنة الجديدة لأنماط التطرف حول العالم، وربما يكون مصير الجماعات المتشددة متشابها مع مصير فئات ظهرت في السابق، مثل حركة ‘أنتي بالاكا’ في أفريقيا الوسطى، حيث اختلفت الحركة مع أيديولوجيا الجماعات الجهادية، لكنها اتفقت في إرهاب الناس، وخلخلة روابط الاستقرار الأمني والسياسي ثم انتهت بالفشل والاندثار”.

12