ترامب يتأنى في التعامل مع هجوم إيران على السعودية

تربك حسابات الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة المزمع إجراؤها السنة المقبلة، سرعة اتخاذ الرئيس دونالد ترامب للقرارات في شأن العديد من القضايا الشرق أوسطية وهو الساعي إلى ولاية ثانية تشير المعطيات إلى أنه قد يفقدها إذا انخرطت واشنطن في أي عمل عسكري مباشر. وعلى الرغم من اتهام الإدارة الأميركية صراحة لإيران بالوقوف وراء الهجوم الذي تعرضت له شركة أرامكو السعودية، إلا أن سيد البيت الأبيض، المعروف باندفاعه، اختار على غير عادته التأني في الردّ على الرغم من استعداده للوقوف إلى جانب حلفائه ضد العربدة الإيرانية في المنطقة.
واشنطن- تبنى الرئيس الأميركي دونالد ترامب المعروف باندفاعه نهج التأني على غير عادته في ما إذا كان سيحمّل إيران مسؤولية الهجمات على منشآت نفط سعودية، إذ لم يبد حماسا يذكر لخوض مواجهة في وقت يسعى فيه لإعادة انتخابه في العام المقبل.
وبعد إصابة معملين تابعين لشركة أرامكو السعودية السبت لم ينتظر ترامب كثيرا قبل أن يطلق تغريدة قال فيها إن الولايات المتحدة جاهزة للرد، كما حمّل وزير الخارجية مايك بومبيو إيران مسؤولية الهجوم. غير أنه بعد انقضاء أربعة أيام ليس لدى ترامب جدول زمني للتحرك، بل إنه يريد التريث لمعرفة نتائج التحقيقات في ما حدث، كما أنه أوفد بومبيو لإجراء مشاورات مع نظيريه في السعودية والإمارات هذا الأسبوع.
وقال ترامب للصحافيين الاثنين “الوقت متاح بكثرة. وكما تعلمون لا داعي إلى العجلة. سنظل كلنا حيث نحن فترة طويلة. لا داعي إلى العجلة”. وقال مسؤولان أميركيان الثلاثاء إن واشنطن تعتقد أن الهجوم انطلق من إيران، وقال أحدهما إنه من جنوب غرب إيران.
ويقول مسؤولون أميركيون إن ترامب الذي عرف عنه التشكك في أجهزة الاستخبارات الأميركية يريد أن يضمن تحديد هوية الجهة المنفذة للهجوم بدقة لا تكون مقبولة له وحده بل للشعب الأميركي أيضا.
وقال مسؤول أميركي اشترط عدم نشر اسمه “ردا على أكبر هجوم في التاريخ على أسواق النفط العالمية أعتقد أن موقفنا يجب أن يكون عدم التعجل في الرد وضمان توافق الكل معنا”.
ويتناقض موقف ترامب اليوم مع موقفه في 2017 بعد أقل من ثلاثة أشهر من توليه الرئاسة عندما لم يصبر سوى يومين قبل أن يشن ضربات جوية لمعاقبة قوات الرئيس السوري بشار الأسد على هجوم بالأسلحة الكيميائية.
ويعكس حذر ترامب شعاره العام “أميركا أولا” الذي وجد صدى لدى قاعدة مؤيديه في سباق انتخابات الرئاسة عام 2016 والذي يحاول الترويج له مرة أخرى وهو يسعى للفوز بفترة رئاسة ثانية في 2020. وكانت الأسس التي قام عليها هذا الشعار هي أن حرب العراق كانت إهدارا للأرواح والأموال وأن الحرب في أفغانستان كان يجب أن تنتهي منذ فترة طويلة وأن على واشنطن أن تحصل على مقابل مادي لنشر القوات الأميركية في الخارج من كوريا الجنوبية وألمانيا.
وقال جون ألترمان خبير شؤون الشرق الأوسط لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية إن ترامب “أصبح يتوخى الحذر على نحو متزايد مع تنامي واقعية أي أعمال عسكرية”.
وأضاف ألترمان “ثمة كتلة كبيرة من الناخبين المؤيدين للرئيس تعتقد أن من الجنون الدخول في حرب مع إيران. وثمة شريحة كبيرة من قاعدة مؤيديه تعتقد أن أكثر الأمور التي يمكن أن نفعلها جنونا إلزام أنفسنا بحروب لا نهاية لها في الشرق الأوسط”.
وأدت الهجمات على أهداف سعودية إلى توقف أي مسعى لفتح حوار مع القادة الإيرانيين لمحاولة معرفة ما إذا كانوا على استعداد للتوصل إلى اتفاق في ما يتعلق ببرامجهم النووية والصاروخية ردا على العقوبات الاقتصادية التي أثرت بشدة على اقتصاد بلادهم.
وقد أزعج استعداد ترامب لتخفيف العقوبات على إيران مستشاره للأمن القومي جون بولتون عندما أثار الرئيس فكرة عقد لقاء يوم الاثنين الأسبوع الماضي حسب ما قاله مصدر مقرب من بولتون. وفي اليوم التالي تم عزل بولتون من منصبه. وأزاح رحيل بولتون صوتا أساسيا من الأصوات المناهضة لإيران من دائرة المقربين من الرئيس.
وتردد أن بولتون المعروف أنه من صقور السياسة الخارجية ثارت ثائرته في يونيو عندما ألغى ترامب فجأة ضربة جوية ردا على إسقاط إيران طائرة مسيرة أميركية. وقال مسؤول سابق بالإدارة الأميركية “لو أن بولتون موجود لقلنا إنها إيران بكل تأكيد وإن علينا أن نضرب الآن”.
وقال ترامب الأربعاء إنه أمر بزيادة كبيرة في العقوبات المفروضة على إيران، وذلك بينما عرض مسؤولون سعوديون بقايا طائرات مسيّرة وصواريخ قالوا إنها استخدمت في هجوم على منشأتي نفط سعوديتين في مطلع الأسبوع أسفر عن تعطيل أكثر من نصف إنتاج المملكة من الخام.
ولم يقدم ترامب تفاصيل عن هذه الخطوة في إعلانه المقتضب عبر تويتر، لكنها تأتي بعد تكرار تأكيدات أميركية بأن الجمهورية الإسلامية كانت وراء هجوم السبت على المملكة حليفة الولايات المتحدة. وقال ترامب على تويتر “وجهت وزير الخزانة بتكثيف شديد للعقوبات على دولة إيران!”.
وأعلنت جماعة الحوثي اليمنية، وهي حليفة لإيران وتحارب تحالفا تقوده السعودية ويدعمه الغرب منذ أكثر من أربع سنوات، المسؤولية عن الهجمات وقالت إنها استخدمت طائرات مسيرة لمهاجمة الموقعين التابعين لشركة أرامكو الحكومية السعودية.
وسواء نفذت إيران هجوم السبت أو نفذته جماعة موالية لها، فإنه يظهر أنه يمكن بسهولة تهديد البنية التحتية النفطية في السعودية ويعد تحديا للولايات المتحدة.