تهديد متنام: الملايين من البشر في مرمى الأوبئة

خبراء دوليون يقرّون بصعوبة إدارة الأمراض الفيروسية بسبب النزاعات وظاهرة الهجرة القسرية وضعف الأنظمة الصحية.
الخميس 2019/09/19
من الصعب السيطرة على انتشار الأمراض وسط النزاعات وضعف الأنظمة الصحية

حذّرت لجنة خبراء دولية من أنّ العالم يواجه تهديدا متزايدا لانتشار الأمراض الوبائية التي قد تقتل الملايين وتُلحق الدمار بالاقتصاد العالمي. ونبّهت اللجنة إلى ضرورة عمل الحكومات على الاستعداد لهذا الخطر والتخفيف من حدّته.

لندن – حذّر مجلس رصد التأهب العالمي، الذي شارك في تنظيمه البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية، من أنّ الأمراض الفيروسية ذات الطابع الوبائي، مثل الإيبولا والإنفلونزا والسارس، يصعب إدارتها بشكل متزايد في عالم تسوده النزاعات طويلة الأمد والدول الهشّة وظاهرة الهجرة القسرية.

أصدر المجلس تقريرا جاء فيه أنّ “خطر انتشار وباء في جميع أنحاء العالم خطر حقيقي”. “إنّ عوامل المرض سريعة الانتقال لديها القدرة على قتل عشرات الملايين من الناس وتعطيل الاقتصادات وزعزعة الأمن القومي”.

وأضاف أنّه رغم أنّ بعض الحكومات والوكالات الدولية بذلت جهودًا لليقظة والاستعداد لتفشي الأمراض بشكل كبير، منذ تفشّي فيروس إيبولا المدمّر في الفترة التي تراوحت بين 2014 و2016 في غرب أفريقيا، تظل هذه الجهود “غير كافية على الإطلاق”.

سونيا شاه: العلاقة بين البشر والأوبئة هي جزء من علاقتهم مع الطبيعة
سونيا شاه: العلاقة بين البشر والأوبئة هي جزء من علاقتهم مع الطبيعة

ووصفت النرويجية غرو هارلم براندلاند، الرئيسة السابقة لمنظمة الصحة العالمية والتي شاركت في رئاسة المجلس، المقاربات الحالية في التعامل مع الأمراض والطوارئ الصحيّة بأنها “حلقة من الذعر والإهمال”.

وأشار التقرير إلى وباء “الإنفلونزا الإسبانية” عام 1918، الذي أودى بحياة حوالي 50 مليون شخص. اليوم ومع سفر أعداد هائلة من الناس على متن الطائرات على مستوى العالم يوميّا، يمكن أن ينتشر الوباء عبر الهواء في أقل من 36 ساعة ويقتل ما يقدّر بنحو 50 مليون إلى 80 مليون شخص. كما يمكن أن يدمّر ما يقرب من 5 بالمئة من الاقتصاد العالمي.

ففي حالة حدوث وباء، سوف تنهار العديد من النظم الصحيّة الوطنية، وخاصة في البلدان الفقيرة.

وقال أكسل فان تروتسنبرغ، القائم بأعمال الرئيس التنفيذي للبنك الدولي وهو عضو في اللجنة، “الفقر والهشاشة يزيدان من تفشّي الأمراض المُعدية ويساعدان على تهيئة الظروف المناسبة لانتشار الأوبئة”.

ويدعو تيدروس أدهانوم غبريسيس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الحكومات بأخذ العبرة من الدروس التي لقنتنا إياها هذه الأوبئة. وطالب بضرورة “إصلاح السقف قبل أن يتهاطل المطر”.

وطالب غبريسيس الحكومات بالاستثمار في تعزيز النظم الصحية وتوفير الأموال اللازمة للبحث في التكنولوجيات الجديدة وتحسين التنسيق وأنظمة الاتصالات السريعة ورصد تطوّر الأوضاع باستمرار.

كما حذّرت منظمة الصحة العالمية في وقت سابق من هذا العام من أن وباء آخر من الإنفلونزا -الناجم عن الفيروسات المحمولة جوا- أمر لا مفرّ منه وقالت إنّه يتعيّن على العالم الاستعداد له. وهو ما أشار إليه تقرير نشره موقع دويتشه فيله الألماني، حيث تحتفظ الصحة العالمية بقائمة تضمّ أكثر الأمراض المُعدية فتكاً في العالم والتي لا توجد لها أدوية تقضي عليها، ومن بينها الإيبولا وفيروس ماربورغ وحُمّى لاسا وفيروس الزيكا.

وأحدث إضافة إلى هذه القائمة المُرعبة هي ما يسمّى “المرض إكس”، والذي –بحسب ما ذكر موقع ديلي ستار الإخباري البريطاني– يعبّر عن عدوى ستحصل في المستقبل ولن يكون الأطباء على علم مسبق بها.

معظم مسببات الأمراض المُعدية التي يُصاب بها البشر مصدرها من الحيوانات
معظم مسببات الأمراض المُعدية التي يُصاب بها البشر مصدرها من الحيوانات

وطبقا للعلماء، فإنّ “المرض إكس” يمكن أن يتطور عن تحوّر في فيروسات الإنفلونزا، مثل التحوّر الذي أدّى إلى ظهور الحصبة الإسبانية الفتاكة.

كما يمكن لـ”المرض إكس” أن ينشأ عن تحوّر للفيروس المسبب لإنفلونزا الطيور. وبالرغم من أنّ هذا النوع من الفيروسات لا ينتقل سوى بين الحيوانات، إلا أنّ تحوّراً في التركيبة الجينية للفيروس قد تجعله قابلا للانتقال إلى البشر.

إمكانية أخرى لظهور “المرض إكس” هي من خلال نوع غير مسبوق من الفيروسات، والذي ينتقل من الحيوانات للبشر.

ويقول الدكتور جوناثان كويك، رئيس مجلس الصحة العالمي الأميركي، إنّ هناك خطرا من أن يكون الفيروس هذا سريع الانتشار بين البشر، مما يصعّب مهمّة التعامل معه.

وللتعامل مع هذه السيناريوهات الخطرة، قامت منظمة الصحة العالمية بإدراجها في قائمة الأوبئة، وذلك بهدف حثّ الدول على توفير المزيد من الموارد لبحث تلك الأمراض المحتملة وسبل الوقاية منها.

تحدثت الكاتبة الأميركية، سونيا شاه، عن مسببات الأوبئة وانتقالها من الحيوان إلى الإنسان وطرق الاستعداد لها، في كتابها “وباء: تعقب العدوى، من الكوليرا إلى إيبولا وما وراءها”.

الخبراء حول العالم يستعدّون لوباء مُميت ومخرّب
الخبراء حول العالم يستعدّون لوباء مُميت ومخرّب

أوضحت الكاتبة أنّه على مدى السنوات الخمسين الماضية، ظهر أكثر من 300 من الأمراض المُعدية أو عاودت الظهور في أراض جديدة، وبيّنت أنّ الخبراء حول العالم يستعدّون لوباء مُميت ومخرّب.

كشفت شاه الحائزة على الكثير من الجوائز، كيف يمكن أن يحدث ذلك، من خلال رسم أوجه التشابه بين الكوليرا -واحدة من أكثر مسببات الأوبئة والوفاة في التاريخ- والأمراض الجديدة اليوم. تتبعت شاه كل مرحلة من مراحل رحلة الكوليرا من الميكروب غير الضارّ إلى وباء متغيّر وقدّمت تقريرا عن مسبّبات الأمراض التي اتبعت خطى الكوليرا.

وتقول شاه “يمكن لخبراء الأوبئة فعل الكثير لتحديد احتمال تفشّي الأمراض قبل وقوعها، على الرغم من أن منعها والقضاء عليها هما مشكلة أخرى”. وأضافت أنّ “العلاقة بين البشر والأمراض والأوبئة والجوائح هي جزء من علاقة البشر مع الطبيعة وعلى البشر أن يتعلموا كيفية العيش معها”.

وبيّنت الكاتبة الأميركية أنّ معظم مسببات الأمراض المُعدية التي يُصاب بها البشر مصدرها من الحيوانات: فقد جلب الإيبولا فيروس يعيش في الخفافيش، والقردة جلبت فيروس نقص المناعة البشرية (بعد أن مرّ الفيروس بطفرة) وكذلك الملاريا وزيكا. أما الطيور والدواجن فهي مصدر إنفلونزا الطيور وغيرها من أنواع الإنفلونزا، وكذلك فيروس غرب النيل.

وفسّرت أنّ تفشّي زيكا هو أفضل مثال على مسبّبات الأمراض الجديدة الناشئة من الحيوانات، “لسنوات عديدة عاش فيروس زيكا في الغابات الاستوائية في أفريقيا وآسيا وقد نقل العدوى للحيوانات وخاصة القرود، وربما حيوانات أخرى، ولكن من النادر أن جاء بتواصل مع البشر. ليس واضحا حتى الآن ما السبب في التغيير وما أدّى بالفيروس إلى الانتشار إلى وبين البشر. لكن من الواضح أنّ رحلات الطيران من العوامل التي ساهمت في ذلك”.

17