واشنطن تتأهب لحرب النجوم بعسكرة الفضاء

ضرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتحذيرات الأممية من تحول الفضاء الخارجي إلى ساحة معركة عرض الحائط، بإعلانه عن بعث قوة عسكرية فضائية توكل إليها مهام الردع والدفاع وتوفير قدرة قتالية فعالة وتدريب المقاتلين على الحرب في الفضاء، لمواجهة التهديدات الصينية الروسية المتنامية. وتنطوي هذه الخطوة الذي عارضها وزير الدفاع الأميركي السابق جيمس ماتيس على مخاطر جمّة، إذ أنها تفتح سباق تسلح جديد.
واشنطن - أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تشكيل قيادة عسكرية للفضاء ستكون مسؤولة عن ضمان هيمنة الولايات المتحدة التي تهدّدها الصين وروسيا في هذا المجال العسكري الجديد، رغبة منه في تأمين الجاهزية في حال نشوب حرب النجوم.
وقال ترامب خلال حفل أقيم في واشنطن “هذه لحظة تاريخية، يوم تاريخي يلحظ أهمية الفضاء المركزية لأمن ودفاع الولايات المتحدة”، مضيفا أن “قيادة سبايسكوم ستضمن أن الهيمنة الأميركية في الفضاء لن تكون مهدّدة أبدا لأننا نعرف أن الطريقة المثلى لتفادي النزاعات تتمثل في الاستعداد للنصر”.
وبالنسبة إلى ترامب، يتعلق الأمر بمحاربة أعداء الولايات المتحدة الذين يهاجمون “الأقمار الاصطناعية الأميركية التي تُعَدّ مهمة جدا للعمليّات في ميادين الحرب وبالنسبة لأسلوب عيشنا”.
وستكون هذه القيادة العسكرية الحادية عشرة التابعة للبنتاغون وتضاهي القيادة الوسطى على سبيل المثال والمكلفة العمليات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط.
وستشرف هذه القيادة الجديدة على الفضاء والأقمار الاصطناعية والطائرات ذات مستوى التحليق المرتفع.
وبعد “سبايسكوم”، أكد ترامب أنه سيتم إنشاء “قوة الفضاء” التي ستصبح الفرع السادس للجيش الأميركي إلى جانب جيوش البر والبحرية وسلاح الجو ومشاة البحرية وخفر السواحل. وسيتم تشكيل تلك “القوة” داخل القوات الجوية التي تشرف على العمليات العسكرية في الفضاء منذ الخمسينات.
وستكون مهمة سبايسكوم متعددة وتتضمن الردع والدفاع وتوفير قدرة قتالية فعالة وتدريب المقاتلين على الحرب في الفضاء، وفقا للبنتاغون.
والهدف من ذلك هو ضمان تفوق الولايات المتحدة في ساحة المعركة الجديدة أمام تهديدات الصين وروسيا اللتين طورتا قدراتهما التكنولوجية.
وقال الجنرال جون ريموند، قائد القيادة العسكرية الجديدة الجمعة، “نحن الأفضل عالميا في الفضاء، غير أن مستوى تفوّقنا يضيق. نريد التحرك سريعا والبقاء في المقدمة”.
وقال الجنرال في سلاح الجو إن التهديدات تتراوح ما بين التشويش على الاتصالات وأقمار نظام تحديد الموقع إلى إطلاق صاروخ أرض جو ضد قمر صناعي “كما فعلت الصين في عام 2007”.
وستعمل سبايسكوم مع حلفاء واشنطن التقليديين، مجموعة “الخمس أعين” التي تضم أجهزة الاستخبارات الأميركية والنيوزيلندية والبريطانية والكندية والأسترالية، وكذلك مع ألمانيا واليابان وفرنسا التي أعلنت بالفعل عن التخطيط لإنشاء قيادة مخصصة للفضاء.
وقال ريموند “تاريخيا، لم نكن بحاجة إلى حلفاء في الفضاء الخارجي الذي كان مجالا ثانويا لكنه أصبح مهمّا جدا اليوم”.
وقال ستيف كيتاي نائب وزير الدفاع لشؤون الفضاء “لن يكون الفضاء نقطة ضعفنا”. وأضاف ردا على سؤال حول احتمال البحث عن حياة خارج الكوكب أن “سبايسكوم وقوة الفضاء ستركزان على الحياة على الأرض”.
وفي مارس 2018، نسب ترامب لنفسه هذه الفكرة وإن كان مجلس النواب قد صوّت قبل عام من ذلك التاريخ على قانون إنشاء “شعبة الفضاء” الذي عارضه وزير الدفاع آنذاك جيم ماتيس علانية، معتبرا أن إنشاء فرع عسكري سادس سيكون باهظا وغير ضروري.
وأعربت قائدة القوات الجوية الأميركية هيذر ويلسون عن معارضتها لهذه الفكرة، بالإضافة إلى ذلك، قد تواجه قوة الفضاء المستقبلية معارضة من الكونغرس الذي يفترض أن يوافق على تمويلها الذي يقدّره البيت الأبيض بنحو 8 مليارات دولار.
ويقسّم الجيش الأميركي الهائل العالم إلى قيادات مختلفة مثل القيادة الوسطى في الشرق الأوسط، والقيادة في الهند والمحيط الهادئ في آسيا. وستكون قيادة الفضاء الجديدة على نفس مستوى هذه القيادات.
وستحتاج القيادة الجديدة إلى مقر جديد وقائد ونائب قائد، يحتاج تعيينهما إلى موافقة مجلس الشيوخ.
وفي عام 2008، اقترحت روسيا والصين إبرام معاهدة لمنع أي أسلحة في مدار الأرض وما أبعد منها، ومنع الهجمات ضد الأجسام في الفضاء. ومع ذلك، قاومت دول غربية مثل هذه المعاهدة الملزمة قانونا، فيما تؤيد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اتخاذ إجراءات غير ملزمة.
ويبرز تقرير صدر مؤخرا عن جهاز الاستخبارات العسكري الأميركي كيفية نظر الولايات المتحدة إلى هذه البرامج، لاسيما تلك الخاصة بروسيا والصين اللتين تشكلان تهديدا مستقبليا.
ويقول الخبير في الشؤون العسكرية كيلي موزكامي، إن وجود هذه القوة والجدوى من إنشائها مازالا يشكلان لغزا غامضا للكثيرين، مضيفا أنه للنظر في كيفية تبرير المؤيدين للقوة الفضائية، من المفيد النظر إلى خصوم الولايات المتحدة المحتملين، وخاصة منهم روسيا والصين، وما تدعي الحكومة الأميركية أنهم يفعلونه في الفضاء.
وتعتبر روسيا خصم الولايات المتحدة الأساسي في مجال القوة العسكرية الفضائية. ويمتد تاريخ هذا التنافس إلى أيام الحرب البادرة. وتعتبر وكالة الفضاء الروسية من أكثر وكالات الفضاء نشاطا. كما تمتلك البلاد أجهزة فضائية خارجية نشطة.

ولم يرسل الاتحاد السوفييتي روادا إلى القمر، ولم يطلق مركبة فضائية قابلة لإعادة الاستخدام مثل المكوك الفضائي، ولكنه كان أول بلد يرسل رجلا إلى الفضاء (وعلى عكس الولايات المتحدة، يمكن لروسيا فعل ذلك اليوم). كما أطلقت روسيا محطَة “مير” الفضائية المأهولة، وحامت في المدار لمدة 15 سنة. وأطلقت هذه المحطة سنة 1996، قبل إطلاق محطة الفضاء الدولية سنة 1998.
ويمكن اعتبار الاتحاد السوفييتي أول من قام بعسكرة الفضاء، مع محطة ساليوت 3، التي أُطلقت سنة 1974، وزوّدت بالعديد من حساسات الاستطلاع، وأجريت اختبارات على متنها لمدفع طائرة حقق أهدافه. وتواصل روسيا إلى اليوم تجاربها الفضائية.
ويشير تقرير لوكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية، الذي نشر في فبراير 2019، إلى أن “روسيا تنظر إلى اعتماد الولايات المتحدة على الفضاء كنقطة ضعف للقوة العسكرية الأميركية، والتي يمكن استغلالها لتحقيق أهداف ضدها”.
وتتبع روسيا أنظمة لتحييد أو رفض الخدمات الفضائية الأميركية العسكرية والتجارية، كوسيلة لموازنة ميزة عسكرية أميركية متطورة. كما تقوم بتطوير مجموعة من الأسلحة المصمّمة للتدخل أو تدمير أقمار خصومها الصناعية.
ومن المرجح أن تطارد روسيا أقمار نظام التموضع العالمي، المكون من 30 قمرا اصطناعيا (24 قمرا مفعّلا و6 أقمار احتياطية) والذي يعمل تحت إشراف الجيش الأميركي، والأقمار الاصطناعية العسكرية “ميلستار” (ثمانية) والأقمار الاصطناعية التابعة لنظام الاتصالات الفضائية للدفاع (سبعة) إضافة إلى العشرات من الأقمار الاصطناعية التي تستعمل في الاستطلاع والمراقبة، والتي ترسل تحذيرا عند إطلاق صواريخ.
وقادت موسكو جهودا لتطوير تقنية التشويش على نظام تحديد المواقع. وتمكنت من تعطيل عمل نظم المدمرة الأميركية دونالد كوك في البحر الأسود عبر مجمع التشويش الإلكتروني. كما يمكن أن تتداخل روسيا مع الأقمار الاصطناعية لتعبث بقدرتها على تمرير الرسائل بين القوات الأرضية، ويمكن أن تمنع خصومها من استخدام الأقمار الاصطناعية أو المحطات الأرضية المخترقة.