تركيا تترك فصائل إدلب "تنزع أشواكها بيدها" وتولّي وجهها صوب الأكراد

انهيار الهدنة المشروطة في إدلب كان متوقعا في ظل تحفظ هيئة تحرير الشام التي ترى في تلك الهدنة فخا نسج لها، ويرجح أن تشهد المحافظة ومحيطها تصعيدا كبيرا في الفترة المقبلة ربما أكثر مأساوية مما حصل في حلب عام 2015.
دمشق - لم تصمد الهدنة المشروطة التي أعلن عنها الخميس في شمال غرب سوريا طويلا، حيث استأنف الجيش السوري الاثنين العمليات العسكرية في محافظة إدلب، متهما الفصائل المقاتلة والجهادية بعدم الالتزام بالاتفاق.
وكانت دمشق قد أكدت في معرض إعلان موافقتها على الهدنة أن وقف إطلاق النار سيعتمد أساسا على مدى التزام المسلحين باتفاق خفض التصعيد الذي جرى التوصل إليه في سوتشي العام الماضي ويقضي بانسحاب الفصائل الجهادية مع تراجع باقي الفصائل إلى عمق 20 كلم ونزع أسلحتها الثقيلة والمتوسطة.
وقال الجيش السوري في بيان الاثنين “انطلاقا من كون الموافقة على وقف إطلاق النار كانت مشروطة بتنفيذ أنقرة لأي التزام من التزاماتها بموجب اتفاق سوتشي، وعدم تحقق ذلك، على الرغم من جهود الجمهورية العربية السورية بهذا الخصوص، فإن الجيش والقوات المسلحة سيستأنفان عملياتهما القتالية ضد التنظيمات الإرهابية”.
وتزامن إعلان الجيش مع كشف وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن هجوم استهدف قاعدة حميميم الجوية بريف اللاذقية ما أسفر عن سقوط خسائر بشرية ومادية كبيرة، وهو ما أكدته في وقت لاحق وزارة الدفاع الروسية حيث ذكرت أن المسلحين أطلقوا ثلاث قذائف صاروخية باتجاه قاعدة حميميم نافية في الآن ذاته وقوع خسائر في القاعدة.
ويقول محللون إن انهيار الهدنة بعد نحو أربعة أيام من إعلانها كان متوقعا، خاصة وأن الجماعات الجهادية المنضوية ضمن تحالف هيئة تحرير الشام الذي تقوده جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) أظهرت بالواضح رفضها للاتفاق المشروط بتنفيذ تعهد سوتشي.
وسبق أن صرح القائد العام للهيئة أبومحمد الجولاني السبت بأن “ما لم يأخذه النظام عسكريا وبالقوة فلن يحصل عليه سلميا بالمفاوضات والسياسة”.
وأكد “لن نتموضع لا على طلب الأصدقاء ولا الأعداء”، مشددا على رفض تحالفه دخول قوات مراقبة روسية إلى المنطقة العازلة كما ينص الاتفاق الذي تم في سبتمبر الماضي.
وتستشعر هيئة تحرير الشام أن الهدنة المشروطة هي”فخ” نصب لها، وأن تركيا على ما يبدو خضعت للضغوط الروسية من أجل إنهاء وجودها في المحافظة حيث تبسط الهيئة سيطرتها على معظم أنحائها.
ولطالما صرح مسؤولون روس بأنه لا مجال لاستمرار التنظيمات الجهادية في إدلب، وقد شدد بيان الجولة 13 من المفاوضات الجارية منذ أكثر من ثلاث سنوات في العاصمة الكازاخستانية بين تركيا وروسيا وإيران على الالتزام بمحاربة التنظيمات الإرهابية خاصا بالذكر النصرة وداعش.
ويقول مراقبون إن هناك إصرارا روسيا على حسم ملف إدلب سلما أو حربا، وأن تركيا تدرك هذا الأمر جيدا وبالتالي قبولها بالهدنة بناء على تنفيذ اتفاق سوتشي والذي تعلم أن الفصائل لن تمتثل له يمكن وصفه بـ”رفع عتب”.
وكان وزير الخارجية التركيقد حذر قبيل إعلان الجيش السوري استئناف المعارك، من أن أي “مأساة إنسانية ستشهدها إدلب ستكون أفظع مما حدث في 2015”، في إشارة إلى معركة حلب.
انهيار الهدنة بعد نحو أربعة أيام من إعلانها كان متوقعا، خاصة وأن الجماعات الجهادية أظهرت بالواضح رفضها للاتفاق المشروط
ويرجح متابعون أن تترك تركيا الفصائل الجهادية، التي لطالما دعمتها، “تنزع أشواكها بيدها”، خاصة وأن تركيا ترى اليوم أن الأولوية بالنسبة لها هي التغلغل في سوريا المفيدة؛ أي شرق الفرات حيث تبسط وحدات حماية الشعب الكردي سيطرتها.
ومن المتوقع أن يكون جرى اتفاق بين موسكو وطهران وأنقرة في كازاخستان يقضي بإنهاء أنقرة دعمها للجهاديين مقابل منحها ضوءا أخضر للتحرك في شمال شرق سوريا، ولكن على قاعدة احترام سيادة سوريا ووحدتها، وهو ما نص عليه البيان الختامي للاجتماع الأخير.
وتستعد تركيا لتنفيذ عملية في شمال شرق سوريا، وأكد رئيس تركيا رجب طيب أردوغان أن هذه العملية ستجري سواء كان بتوافق أميركي أو لا.
ويوجد منذ الاثنين وفد أميركي في العاصمة أنقرة في محاولة لثني تركيا عن خطوتها، وذلك من خلال محاولة إقناعها بإنشاء منطقة آمنة بعمق 15 كلم، وتشرف عليها القوات الأميركية والتركية، وهو ما ترفضه أنقرة التي تطالب بعمق يتجاوز 30 كلم، وبوقف دعم وحدات حماية الشعب الكردي التي تعتبرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني.
وجددت تركيا الاثنين دعوتها الولايات المتحدة إلى الكف عن دعم الوحدات، وصرّح وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو خلال مؤتمر صحافي في أنقرة بقوله “ننتظر من الولايات المتحدة أن تردّ إيجابيا على دعوتنا إلى الكفّ عن التعاون” مع وحدات حماية الشعب.
وتأتي تصريحات تشاوش أوغلو فيما كان الوفد الأميركي يجري مفاوضات مع المسؤولين الأتراك، والتي ستتواصل الثلاثاء.
وبحسب الصحف التركية فإن المفاوضات حاليا تشهد تعثرا حول عمق “المنطقة الأمنية” المحتملة ومن يشرف عليها، وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأحد عن نية بلاده شنّ عملية عسكرية ضد مواقع وحدات حماية الشعب وذكر أنه أخطر كلا من واشنطن وموسكو بذلك. وفي الأسابيع الأخيرة، أفادت وسائل إعلام تركية بإرسال آليات عسكرية ووحدات كوماندوز إلى مناطق تركية قريبة من الحدود السورية.
ودعمت القوات التركية الفصائل السورية في إطار عملية شنتها عام 2016 ظاهريا ضد تنظيم الدولة الإسلامية لكنها استهدفت بالأساس قطع الطريق أمام وحدات حماية الشعب الكردي للسيطرة على طول الشريط الحدودي.
وفي مطلع العام 2018، طردت الفصائل السورية الموالية لأنقرة من عفرين المقاتلين الأكراد.