معركة إمام أوغلو بدأت للتو

الأسلحة التي سيبدأ بها أكرم إمام أوغلو معركته للإطاحة بحكم أردوغان قوية، وسيعمل بالتأكيد على تقوية ترسانته أكثر خلال السنوات الأربع القادمة، مستفيدا من الأزمات السياسية والاقتصادية المتراكمة التي يعاني منها حكم حزب العدالة والتنمية.
الأربعاء 2019/07/03
فوز إمام أوغلو يفتح الباب للصراع على رئاسة الدولة مع الرجل الأول في الحزب والحكومة أردوغان

رأى الكثيرون انتصار مرشح المعارضة التركية أكرم إمام أوغلو الساحق في انتخابات بلدية إسطنبول حسما للمعركة مع الحزب الحاكم، في حين يبدو أن المتصارعين على الحكم في تركيا لا يرون الأمر كذلك مطلقا، بل الصحيح أن ما حدث هو فتح باب الصراع الأكبر على أشده بين الطرفين.

ففوز إمام أوغلو المضاعف الذي أغلق باب الصراع على رئاسة البلدية الأهم والأعرق في البلاد مع الرجل الثاني في الحزب الحاكم، فتح في الوقت نفسه الباب للصراع على رئاسة الدولة مع الرجل الأول في الحزب والحكومة رجب طيب أردوغان، الذي يعرف جيدا هذا الأمر ولن يتأخر في الاستعداد له.

ويمكننا القول إن أردوغان حين أصدر أوامره بحرمان إمام أوغلو من فوزه الأول إنما وقّع في اللحظة نفسها على طلب ترشيحه عن أحزاب المعارضة ضده في الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2023، ووضع في يديه أوراقا قوية للمنافسة، وبالتالي فإن عليه العمل طيلة السنوات الأربع القادمة على التسلح بأسلحة جديدة، للتسلح بها على خصمه الجديد الذي ينبغي العمل على إضعاف موقفه بشتى الوسائل.

وما يثير الانتباه اليوم ويعطي للصراع بين الطرفين بعدا مميزا، أن أوراق القوة التي يحملها إمام أوغلو كانت كلها، أو جلها، ذات الأوراق التي بدأ بجمعها أردوغان في يده قبل أن يقدم على منافسة الحكام السابقين لأنقرة، وهي معارضته لحكومة مكروهة وحيويته إزاء نظام متهالك، ومظلوميته أمام إقصائية الجيش، وحكمه للمدينة الأهم في تركيا التي يعتبر النجاح فيها مؤشرا إلى إمكانية النجاح في حكم تركيا كلها، ووعوده بالإصلاح الاقتصادي وتحقيق حلم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وقد باتت جميعها اليوم في يد خصمه لا في يده.

أما شبابه وحيويته اللذين كانا علامة فارقة في تاريخ السياسة التركية آنذاك، فإن من يتصف بهما اليوم هو إمام أوغلو لا هو، إذ سيقارب عمر أردوغان وقت الانتخابات القادمة 70 عاما، ولكون هذا العامل غير ممكن تعديله فإن العلاج الوحيد أمام أردوغان يكمن في استخراج شاب مؤهل لخوض الانتخابات والفوز بها، وهذا الأمر يبدو صعبا لعدم وجود بدائل معروفة لأردوغان داخل الحزب من الشباب، خاصة بعد سمعة الفساد التي أصابت ابنه بلال، والعجز عن حل المشكلة المالية المتفاقمة الذي رافق مسيرة صهره بيرات البيرق.

الورقة الأخرى التي انتفع بها أردوغان لدى خوضه انتخابات 2002 هي المظلومية التي تسببت بها قرارات الحكومة التركية آنذاك ضده من سجن وحرمان من الترشح للانتخابات فقدها أيضا، واكتسبها إمام أوغلو اليوم بعد إلغاء أردوغان فوزه الأول في الانتخابات البلدية، وهذه المظلومية ربما ساهمت بزيادة التصويت له في جولة الإعادة.

وعود أردوغان باتت جميعها اليوم في يد خصمه
وعود أردوغان باتت جميعها اليوم في يد خصمه

وكذلك فإن قصة صعود أردوغان لا تُسرد إلا مع الوقوف على مرحلة رئاسته لبلدية إسطنبول، التي فتحت أمامه أبواب الشهرة داخليا بفضل ما تمكن من تحقيقه في ميدان الخدمات للمدينة وسكانها، وأبواب العلاقات مع الخارج التي لم تكن لتتاح لولا منصبه آنذاك، والذي بات اليوم في يد رئيس البلدية الجديد، وتنكشف أهمية هذا العامل بتذكر أن حزب العدالة والتنمية كلف بمهمة الحفاظ على رئاسة إسطنبول الرجل الثاني في الحزب، الذي ضحى بمنصبه الكبير كرئيس للبرلمان، وغامر بمستقبله السياسي لتحقيقها ثم فشل في ذلك.

يضاف إلى هذا أن أردوغان كان عام 2002 هو المعارض الأهم للحكومة التركية التي كرهها الشعب وملّها العسكر، لضعفها وقلة فاعليتها، وكان ذلك سببا في توجيه أصوات كثيرة إلى مرشحيه من ناخبين غير معجبين بحزبه، وإنما دعموه انتقاما من السياسيين الذين أرادوا إبعاد وجوههم عن شاشات التلفاز وصفحات الجرائد بأي وسيلة، وهذه الطريقة للانتقام يسعى إمام أوغلو اليوم إلى أن يقنع بها الناس عوضا عن التذمر المستمر من المشكلات الداخلية والنزاعات الخارجية التي وقعت فيها تركيا خلال السنوات العشر الأخيرة.

عامل الأزمة الاقتصادية التي ضربت تركيا عام 1999 وهوت بالليرة التركية إلى ما دون نصف قيمتها آنذاك، والذي استفاد منه أردوغان وحزبه في انتخابات 2002، هو حاضر أيضا اليوم وبقوة في كل النقاشات حول الأداء الاقتصادي لحكومات أردوغان المتعاقبة، وفي الاتهامات بسوء إدارة الميزانية، وهذا السيف الذي ضرب به أردوغان حكومة سلفه اليساري، بولنت أجاويد، بات اليوم في يد معارضيه الذين يقدمون الوعود للناس بحل المشكلة الاقتصادية واسترجاع عافية الليرة بمجرد إخراج حزب العدالة والتنمية من الحكم.

وقد رأينا أيضا تغير خطاب حزب العدالة والتنمية تجاه الاتحاد الأوروبي بعد هزيمته في إسطنبول، إذ أن العمل على الانضمام إليه كان واحدا من أهم الوعود التي قطعها الحزب قبل تسلمه الحكم، وذلك أن أحزاب المعارضة باتت تعلن اليوم عن طموحها في إصلاح العلاقة مع الاتحاد ودوله ورفع العراقيل التي تحول في المضي قدما في مشروع الانضمام الذي توقف كليا في فترة حكم أردوغان.

فالأسلحة التي سيبدأ بها أكرم إمام أوغلو معركته للإطاحة بحكم أردوغان قوية، وسيعمل بالتأكيد على تقوية ترسانته أكثر خلال السنوات الأربع القادمة، مستفيدا من الأزمات السياسية والاقتصادية المتراكمة التي يعاني منها حكم حزب العدالة والتنمية، وحسم نتيجة الصراع بين الطرفين سيكون في الانتخابات الرئاسية عام 2023، التي ربما ستكون واحدة من مفاصل التاريخ السياسي التركي.

9