عبدالقادر بن صالح رئيس انتقالي في مواجهة تركة ثقيلة

يتطلع المتابعون لتطورات المشهد الجزائري وإلى الوضع الجديد في البلاد بعد تنحي الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة عن السلطة، لاسيما مع الانتقال المنتظر للرئاسة الانتقالية إلى رئيس مجلس الأمة، عبدالقادر بن صالح، وإمكانية صموده أمام المد الشعبي الرافض له، وتلميح العسكر إلى تفعيل بند دستوري يتيح عودة السلطة التأسيسية للشعب.
وتراهن رؤوس السلطة السياسية المغادرة في الجزائر، على صفوفها الخلفية من أجل الحفاظ على فرص العودة إلى الواجهة في وقت ما، فهي لا يمكن أن تشذ عن قاعدة السلط العربية التي التفت على إرادة شعوبها واخترقتها، بواسطة الجيوب التي تركتها هنا وهناك لاستغلالها في الوقت المناسب، لكن التجارب المتراكمة في مخيال الحراك الجزائري تبدي مقاومة شديدة لأي وجه من الوجوه المشكوك فيها.
مفاجأة غير متوقعة
ظهر الذهول على ملامح الرجل الهادئ والقليل الكلام، خلال حضوره عمليةَ تقديم بوتفليقة لرسالة الاستقالة، إلى رئيس المجلس الدستوري طيب بلعيز، ولم تنبس شفتاه إلا بكلمات قليلة لم تنقل بالصوت في التلفزيون الحكومي وجهها إلى الرئيس المستقيل، وهو ما يوحي بأن الرجل في حالة قلق مما ينتظره في الساعات القادمة.
وفيما تتوجه الأنظار إلى السيناريوهات الأخيرة في مجلس الأمة، وإمكانية استقالته من منصبه كرئيس للهيئة بغية السماح لشخصية أخرى تضطلع بمهمة الرئاسة الانتقالية، ينتظر أن تتم دعوته لجلسة برلمانية طارئة تضم نواب الغرفتين من أجل استكمال إجراءات الشغور الرئاسي، والإعلان عن الرئيس الجديد للبلاد.
لكن بن صالح المتحفظ جدا في حياته السياسية والمتفادي للأضواء الإعلامية، سيجد نفسه هذه المرة أمام 45 مليون جزائري، ليعكر عليهم نشوة الاحتفال بالنصر السياسي المحقق، لأنه أحد وجوه المرحلة البوتفليقية، ورمز من الرموز المغضوب عليها، فقد صنفه الناشطون في خانة “الباءات الثلاث“ وهي بن صالح عبدالقادر “رئيس البرلمان”، وبدوي نورالدين “رئيس الوزراء” وبلعيز طيب “رئيس المجلس الدستوري”، وهم مفاتيح مهمة لدى الدولة العميقة.
الشارع الجزائري يستعد لمسيرة مليونية سابعة، الجمعة، لتجسيد شعاره "يتنحاو قاع" أي "ينزعون كلهم"، للإطاحة بحكومة بدوي، وبن صالح وبلعيز، لقطع الطريق على أي تحايل أو مناورة بين الرجلين، ولاسيما أن الدستور يتيح انتقال الرئاسة الانتقالية للبلاد، إلى رئيس المجلس الدستوري
وتحتفظ ذاكرة الحراك الشعبي بمواقف لافتة لتلك الباءات الثلاث، فرئيس المجلس الدستوري أقسم خلال حفل تنصيبه على رأس الهيئة خلفا للراحل مراد مدلسي، بالقول “سأكون وفيا لك (بوتفليقة) وللوطن”، وهي العبارة التي أدرجت في خانة مسلسل الاستفزاز للشعب الجزائري من طرف السلطة، لأنها حملت علاقة شخصية أكثر منها علاقة مهنية ومؤسساتية. ويتساءل الغاضبون، كيف لرجل يقسم بالوفاء للشخص قبل الوطن أن يكون حاميا للدستور ومحل ثقة الشارع لإدارة المرحلة الانتقالية؟
وأما رئيس الوزراء بدوي، فالكل في الطبقة السياسية يتهمه بأنه أكبر مزور للانتخابات في تاريخ الجزائر، حين كان مكلفا بحقيبة وزارة الداخلية. وفي عهده تم قمع المظاهرات والاحتجاجات والإضرابات، واعتقل الناشطون والصحافيون والفنانون، وشجت رؤوس الأطباء والأساتذة ومتقاعدي ومشطوبي الجيش، بسبب تعنيفهم من قبل قوات الأمن والدرك.
في حين لم يتوان بن صالح، من منصبه في رئاسة الغرفة الثانية، عن تحويلها إلى لجنة مساندة لترشيح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة خلال الأشهر الماضية، وذلك خلال تلاوته بيانَ الدعم والتأييد المطلق للرجل، متجاوزا بذلك الأخلاقيات السياسية والتعددية المفترضة داخل الهيئة.
خادم السلطة المطيع
يوصف بن صالح بـ“الخادم المطيع للسلطة”، ولم يعرف عنه الخوض في التجاذبات السياسية، مع أنه يعتبر عضوا قياديا في الحزب الثاني الموالي لسلطة بوتفليقة “التجمع الوطني الديمقراطي”، وملتزم وفيّ للتعليمات الفوقية التي ترد إليه، وهو ما كفل له منصب رئاسة الغرفة البرلمانية لعدة عهدات.
وكان خشبة إنقاذ لدى السلطة، حين غضب الرئيس المستقيل على حليفه أحمد أويحيى عام 2012، وأراد “تأديبه”، أوعز إلى شقيقه سعيد بوتفليقة بالقيام بحركة انقلابية داخل الحزب أطاحت به، ليتم استخلافه ببن صالح، الذي قاد الحزب في محطات انتخابية وبإدارة هادئة له مستلهمة من شخصيته الهادئة والمسالمة.
ويستعد الشارع الجزائري لمسيرة مليونية سابعة، اليوم الجمعة، لتجسيد شعاره “يتنحاو قاع” أي “ينزعون كلهم”، للإطاحة بحكومة بدوي، وبن صالح وبلعيز، لقطع الطريق على أي تحايل أو مناورة بين الرجلين، ولاسيما أن الدستور يسمح بانتقال الرئاسة الانتقالية للبلاد، إلى رئيس المجلس الدستوري، إذا ثبت شغور آخر في رئاسة مجلس الأمة، كأن يستقيل رئيسه ويستحيل تعويضه تحت أي طارئ.
وإذا تم انعقاد الدورة البرلمانية في الظروف العادية وتسمية رئيسها رئيسا انتقاليا للبلاد، فإن مليونية الجمعة السابعة ستكون أول رد فعل يصادف بن صالح في يومه الأول، مما يرجح انسحابه من المشهد، لأنه ليس بالشخصية الصلبة والكاريزمية التي تقاوم ثورة الشارع، بعدما أطاحت بعراب السلطة بوتفليقة، وستكون تنحيته أسهل بكثير على ملايين المتظاهرين.
ولا تتوقف مصاعب بن صالح عند السيول البشرية المنتظرة في المليونية السابعة، بل تتعداها إلى عدم ارتياح قيادة المؤسسة العسكرية لوجوه المرحلة البوتفليقية لقيادة المرحلة الانتقالية، ويكون تأكيد بيان الجيش الأخير على تفعيل البند السابع والثامن إلى جانب الـ102، أكبر العوائق في طريق الرجل، لأن البندين يؤكدان على السيادة الشعبية وعلى المصدر الشعبي للسلطة التأسيسية، وهو تلميح الى الإطاحة بكل المؤسسات الموروثة عن العهد البوتفليقي، كالحكومة والبرلمان والمجلس الدستوري، وهو ما يعني النهاية المبكرة لحلم بن صالح في اعتلاء قصر المرادية ولو لثلاثة أشهر فقط.
عقدة الجنسية
ويعتبر التشكيك المتداول في شبكات التواصل الاجتماعي، حول الجنسية الأصلية لبن صالح، أحد أوجه الرفض الشعبي للرجل، فهناك من يتحدث عن وثائق إدارية عن الجنسية المغربية الأصلية له، وهو ما لا يمكنه من رئاسة البلاد، طبقا لأحكام دستور عام 2016. في حين تداولت مصادر أخرى التباساً في الاسم فقط بين عائلة بن صالح عبدالقادر الذي يشغل رئاسة مجلس الأمة، وبين بن صالح عبدالقادر آخر من جنسية مغربية.
وتذكر المعلومات الرسمية في موقع الغرفة البرلمانية على شبكة الإنترنت أن بن صالح ولد في إحدى بلدات مدينة تلمسان، التي ينحدر منها أغلب رموز نظام الرئيس المستقيل، وعلى وجه التحديد بلدة ندرومة.
مصاعب بن صالح لا تتوقف عند السيول البشرية المنتظرة في المليونية السابعة، بل تتعداها إلى عدم ارتياح قيادة المؤسسة العسكرية لوجوه المرحلة البوتفليقية لقيادة المرحلة الانتقالية، ويكون تأكيد بيان الجيش الأخير على تفعيل البند السابع والثامن إلى جانب الـ102، أكبر العوائق في طريق الرجل
وإذا كان بن صالح صحافيا غير متألق في بداية مشواره المهني، فإنه تقلد العديد من المهام الدبلوماسية والبرلمانية، حيث شغل منصب سفير لبلاده في عدة عواصم عربية خلال سبعينات القرن الماضي، قبل أن ينتخب نائبا برلمانيا ويرتقي لرئاسة الغرفة، التي تؤهله لأن يكون الرجل الثاني في الدولة، لكن خجله السياسي لم يكن يوحي بذلك، إلا عندما يكلف بمهمة ما من طرف الرجل الأول في الدولة.
ومع ذلك يبقى الرجل بعيدا عن اللغط المثار حول لوبي المال السياسي الذي فجر الأوضاع في البلاد، ولم يتم تداول اسمه أو أي من أقربائه في أي قضية تتعلق بالفساد المدوي، لكن تقريرا لجمعية مغتربة في فرنسا، وضع بعض أقاربه في شبكة المسؤولين المديرين لمكاتب شركة الطيران المملوكة للقطاع العام، حيث يستحوذ أنجال وأقارب رموز السلطة على المكاتب الفرعية والجهوية للشركة في الداخل والخارج.
مستقبل نائم
ورغم الانقلاب المبكر لحزب التجمع الوطني الديمقراطي على بوتفليقة، من خلال دعوة رئيسه أويحيى، لاستقالة رئيس الجمهورية في ذروة الحراك الشعبي، والأسرار التي كشف عنها الرجل الثاني في الحزب صديق شهاب، حول ما أسماه بـ“القوة غير الدستورية المستحوذة على السلطة”، ووصفه لنظام بوتفليقة بـ“السرطان”، إلا أن بن صالح بقي ملتزما الصمت، فلا هو أيد موقف قيادة الحزب باعتباره أحد قيادييه، ولا هو دافع عن ولي نعمته الذي خلده في رئاسة مجلس الأمة، الأمر الذي يكشف الجانب السلبي في شخصيته وعدم قدرته على المواجهة أو اتخاذ المواقف الحاسمة، وهما الشرطان الأساسيان للمرحلة الجديدة إذا شغل منصب الرئاسة الانتقالية للبلاد.
بن صالح بقي وفيا لعادة بعض المسؤولين العرب في النوم العميق خلال المحافل الدولية، حيث تداولت شبكات التواصل الاجتماعي صورة له وهو يغطّ في نوم عميق، أثناء القمة العربية الأوروبية التي احتضنتها القاهرة الشهر الماضي، وتساءل أصحابها “هل هذا الذي يرأس الجزائر إذا رحل بوتفليقة؟”، في إشارة إلى عامل الصحة الجسدية التي تخون رجالات النظام القائم.
وتتداول بعض المصادر أن الرجل مصاب بأمراض مزمنة، وهو كغيره من رموز النظام التي تهالكت صحتها، فأغلب النخب الحاكمة في المؤسسات المدنية والعسكرية شارفت الثمانين أو تجاوزتها، الأمر الذي يجسد شيخوخة السلطة في البلاد، التي تشكل نسبة الشباب فيها أكثر من سبعين بالمئة.
ولا يملك الرئيس الانتقالي بموجب دستور البلاد أيًّا من صلاحيات الرئيس المنتخب، فهو مكلف بتنظيم انتخابات رئاسية في ظرف ثلاثة أشهر ولا يترشح لها، وحتى هذه النقطة محل خلاف دستوري بين الجزائريين. وما عدا ذلك ليس له الحق في تغيير الحكومة والنصوص التشريعية الناظمة، وحتى أي قرارات سياسية أو اقتصادية.