علي مقوص فنان سوري يحتفي بنذير نبعة في الذكرى الثالثة لرحيله

قدّم التشكيلي السوري علي مقوص معرضا بعنوان “ومضات عشق لروح نذير نبعة” ليكون هدية لروح معلّمه الراحل واعترافا بفضله فنيا وإنسانيا على عدة أجيال من الفن التشكيلي، والمعرض الذي أقيم في صالة “تجليات” بالعاصمة السورية دمشق ضم 21 لوحة بتقنية الزيتي والورق على القماش وبأحجام تراوحت بين المتوسط والكبير توزّعت على عدة مجموعات ما بين عامي 2014 و2018.
دمشق – في الثاني والعشرين من شهر فبراير من عام 2016، رحل الفنان السوري الشهير نذير نبعة، أحد التشكيلين السوريين الذين اعتبروا طاقة فنية هائلة ومثلوا منعطفا كبيرا في تاريخ سوريا الحديث.
ولد نذير نبعة في دمشق عام 1938 وتعلم بمدارسها، وهي المدينة التي شكلت لديه أحد الهواجس الفنية الهامة، فمن بستان جدته أم محمود، الذي كان الرحم الفني الأول الذي احتضنه وزوّده بالدم الفني الذي عاش عليه طيلة حياته لاحقا، كانت البداية.
درس نذير نبعة في دمشق، ثم سافر إلى القاهرة عام 1959 ليدرس الفن هناك أيام الوحدة بين سوريا ومصر، ثم عاد إلى سوريا حيث درّس الرسم في الأرياف السورية متنقلا بين عدة مناطق، إثرها سافر ليدرس الفن في باريس، ليعود بعدها إلى الحياة العملية في سوريا.
كان الراحل معنيّا بحياة الأوطان عامة، وخاصة العربية، لذلك قدّم المدن العربية وناسها من خلال مجموعات فنية خالدة، كان منها: “الدمشقيات”، وبعد احتلال العراق عام 2003 قدّم “المدن المحروقة” التي رسم فيها بغداد والعديد من المدن العربية.
يعتبر نذير نبعة أحد الفنانين الكبار الذين أثّروا في عدة أجيال تشكيلية في سوريا، والذين مازالوا ينهلون من فنه وسيرة حياته الشخصية الكثير من عناصر القوة.
وأحد هؤلاء كان الفنان التشكيلي علي مقوص الآتي من مدينة اللاذقية السورية، وهو أحد طلاب نذير نبعة والمتتبعين لفنه، والذي آثر في ذكرى مرور ثلاث سنوات على رحيله أن يقدم معرضا فنيا تحيّة لروحه.
فكان المعرض الذي عنونه بـ”ومضات عشق لروح نذير نبعة” قدّم فيه 21 لوحة فنية رسمت على مدار أربعة أعوام (من 2014 إلى 2018)، منها ما تركز على الجموع البشرية مع الطبيعة وبأسلوب تعبيري فيما لعبت الطبيعة وجماليتها دور البطولة، وقدّم الفنان في المجموعة الأخيرة العلاقات الإنسانية بأسلوب تعبيري أقرب للتجريد مع تحويرات في الشكل.
وعن العنوان الذي أطلقه على معرضه، يقول الفنان السوري علي مقوص “هي تحية حب لروح أستاذ لنا، تعلمنا منه الكثير، كان فنانا كبيرا وإنسانا كبيرا، بحكم إقامتي خارج دمشق كنت أغيب عنه لفترات، ثم أزوره في بيته أو مرسمه، وكان يستقبلني دائما، كما غيري من الطلاب، بالكثير من المودة والترحاب، ويقدّم لنا من خبرته ما نكون به أقوى في وضع رسومات جديدة في حياتنا المهنية”.
وعن معلمه وفنه يقول “نذير نبعة طاقة فنية هائلة وكبيرة، كنت ومازلت أنهل من فنه الذي أوجده في الكثير من اللوحات الفنية التي تشكل طيفا خاصا به، كان أستاذا من نوع خاص وهو مختلف، لم يكن يفرض علينا آراءه الفنية، ويرفض أن نقلده في ما يقوم به، لكي لا نكون نسخا مكررة دون إضافات، كان فنانا ومعلما كبيرا، وهذا المعرض هو أقل واجب تجاهه”.
وتضمّن معرض “ومضات عشق لروح نذير نبعة” في لوحاته العديد من الحالات التي تمحور معظمها حول رسم البيئة والطقوس المحلية اللتين تحيطان بالفنان علي مقوص، وهو الذي تميّز في تناولهما بروح صوفية عميقة، تعتمد مبدأ التأمل.
وبالطبع كانت الشجرة مادته الأثيرة في المعرض، وهي التي تحتل لديه دلالات تراثية وإنسانية مختلفة وعميقة، تعود به إلى الآلاف من السنين في تاريخ المنطقة، وهو يرى فيها ما هو أبعد من الرمز، لتصل إلى حالة وجدانية عميقة لها ملامح إنسانية مما نعيشه في حياتنا العادية.
وفي اللوحات التي قدمت في المعرض، ركّز الفنان على إيجاد ما كان يحتفي به سابقا من رسم للطبيعة بملامحها اللونية والغرافيكية التي تحملها، وجسّد ذلك بدلالات لونية مختلفة الظهور الشكلي. وهذه اللوحات تعبّر عن محيط الفنان، والبيئة التي عاش فيها وهو تناغم بين المعرض الفعلي وبين روح الفنان نبعة الذي احتفى به، وما كان يقوم به الفنان الراحل في نفس الاتجاه، من خلال عدة لوحات أرّخ بها لبيئته المحيطة من نساء وأشخاص وأشياء بأدق تفاصيلها.
ويؤكد مقوص أن عرض تجارب أستاذه نذير نبعة الفنية يشكل مفصلا في مسيرته وينقله من مستوى إلى آخر من خلال ما يقدّمه المعرض من حوار معرفي وبصري.