فيلم عربي طويل

المعضلة الجوهرية في مؤسسة الزواج ليست في العقد المبرم بين الزوجين بل في البعد الاجتماعي والخلفية الطبقية لكلا الطرفين.
الأربعاء 2019/03/06
الكذب بدافع الحرص على التعايش (لوحة: بيكاسو)

القول بأن مؤسسة الزواج هي فاشلة من أساسها، وذلك على اعتبار أنها مبنية على شراكة تتطلب التنازل من الطرفين، هو قول يحمل الكثير من التجني.

المعضلة الجوهرية في مؤسسة الزواج ليست في العقد المبرم بين الزوجين بل في البعد الاجتماعي والخلفية الطبقية لكلا الطرفين، وما يفرضه ذلك ويفرزه من نمط تفكير، عادة ما يبنى على الزيف والمراوغة في المجتمعات المأزومة خصوصا لدى الفئات المسحوقة.

النموذج الذي سنسوقه في هذا الإطار يتمثل في حوارية بين زوجين ليلة العرس، وكيف أن الفقر يتسبب في نوع من الوعي المزيف يتجلى في الأكاذيب التي قد تأتي بدافع الحرص على التعايش والوئام، لكن الواقع يفضحها:

غرفة فقيرة على السطوح في حي شعبي، يظهر جليا الأثاث المتواضع والمرتّب دون ذائقة، وتظهر مجلاّت خليعة وصور للزوج مبتسما لآلة التصوير، وشهادات كثيرة لحسن السلوك معلّقة على الحائط.

ينفتح الباب فيظهر العريس في بدلة ليست على مقاسه وخلفه العروس بفستان أبيض ملطّخ بالعصير والشوكولاتة وهي تمسك فردة حذائها بيدها.

- العريس “امسكي حبيبتي.. هذه نسخة من المفتاح.. صار بيتك منذ هذه اللحظة”.

- العروس “بيتي!.. كان من الأحرى أن تكتب على الباب “هذا بيت”.

- العريس “ثانيا أرجوك لا تزيدي على توتري توترا، وادخلي بقدمك اليمنى (وهو يضع بقايا الكاتو على الطاولة).. لا أصدق كيف خلّصت هذه البقايا من أولاد أختك، أكلوا كل شيء.. كأنهم لم يروا في حياتهم عرسا بهذا الرقي”.

- العروس “أين هي موبيليا غرفة النوم.. لماذا كذبت علي؟”.

- العريس “لا ترفعي من صوتك.. أهلي نائمون في الأسفل.. هم لا يطيقون رؤيتك من الأساس″.

- العروس “أجبني.. أين غرفة النوم”؟

- العريس “النوم على الفرشة بالأرض صحّي أكثر وحميمي.. أنا معي انزلاق غضروفي.. يعني “ديسك”.

- العروس “قبل الزواج قلت لي إنك تعاني فقط من مرض الربو.. على ذكر الديسك.. هل عندك موسيقى”؟

- العريس “لدي كل شيء.. لكن الآلة معطوبة، بعثتها للتصليح.. أنا في رأيي الصمت أجمل”.

- العروس “نعم طبعا، الصمت أجمل.. لعن الله عيشتي معك.. لقد بدأت تداهمني نوبة الشقيقة”.

- العريس “بما كنت تهمسين”؟

- العروس “ابحث لي عن شيء آكله”.

- العريس “كانت لدي أربع بيضات، أكلها صديقي هذا الصباح، وظلت عندي علبة سردين لكنها منتهية الصلاحية، سأنزل أبحث و’أشمشم’ عمّا طبخه الأهل”.

- العروس “أنا لا أحب طبخ أمّك، تكثر من الفلفل والبهارات الحارّة، وأنا وأنت نعاني من داء البواسير، هل نسيت؟. اشتر لي بيتزا من المحل المجاور للبيت”.

- العريس “ليس لدي مليم واحد، كل النقود أعطيتها للفرقة الموسيقية والباقي اشتريت بها بالونات لتزيين صالة الأفراح”.

- العروس “وتسمّيها صالة أفراح!؟ سمّها صالة أتراح.. يا لفضيحتي أمام صديقاتي”.

- العريس “لم أكن أعلم أن صاحب الصالة يؤجر القسم الخلفي منها للتعازي ثم إن فوضى أقاربك من المدعوين، وهمجيتهم أحرجتني كثيرا أمام بقية ضيوفي من الطبقة الراقية”.

- العروس “هل نسيت عمتك، حالة عمتك كيف تتصرف بعنجهية مع أقاربي.. يا لكم من عائلة فوضوية ومتهورة”.

يسمع العريس طرقا على الباب، يفتح ويهمس قليلا إلى الطارق متوسّلا ثم يعود عابسا وهو ينزع بدلته.

- العريس “جارنا يريد البدلة التي أعارني إياها وتطلب منك زوجته إعادة فستان العرس نظيفا ومكويّا مع السيشوار”.

- العروس “حبيبي، ألم تنتبه إلى هذين الورقتين المتزحلقتين من تحت الباب”؟

العريس يقرأ الورقة الأولى؛ إنذار بقطع الكهرباء والثانية تبليغ بالهدم من البلدية لأن بيتنا يقع في منطقة مخالفات.

 ثم تنهمر قطرات مطر من السقف فيستقبلها الاثنان بالطناجر والصحون الفارغة، ويعم الظلام المكان على وقع أنين وشهقات بكاء مكتوم.

21