روزنامة شهر مارس

شهر مارس مدجج بالاحتفاليات، فلكلّ مناسبة فيه أغنية توغل في الشجن وتصرّ على نكش الذاكرة وجرح الجراح، سواء كانت (سنة حلوة يا جميل) التي أحسّ أنها تسخر منّي في يوم ميلادي، أو (عدت أيّها الشقي) للثنائي التراجيدي كامل الشناوي وفريد الأطرش، والتي تصبّ الزيت على النار.
لا أكاد أتماثل للتوازن حتّى تأتيني أغنية “ست الحبايب” بصوت عبدالوهّاب الذي لا أستطيع مقاومته فأهبّ لمعايدة أمّهات أصدقائي لكن كلّ واحدة منهنّ تصرّ على مواساتي بلطف لا أتحمّله وهي تقول “اعتبرني مثل المرحومة أمّك”… أضع رأسي على وسادة الغصّة، أحاول النوم فأنتبه إلى أنّ هذا الأسبوع يحمل عيد الربيع أيضا.. أتذكّر والدي الذي يرقد الآن إلى جانب أمّي دون كلام والعصافير التي كنا نطيّرها سويّا احتفاء بالذي كان يسمّى ربيعا.
هل أكتب شيئا يشبه الشعر؟ لا، لن أفعل هذا في يوم الشعر العالمي فأغدو رجلا مناسباتيّا مثل باب مطعم سياحي.
أتذكّر السيّدة عليّة التي كانت الأولى التي غنت (عااللّي جرى من مراسيلي)، هيهات، لن أمسح دموعي بمنديلي ولن أترك هذه الروزنامة المتشفّية هي وطيور العتمة تمعن في إغاظتي. أهجم عليها وأسرّع من عمر هذا الشهر، يعود لي هدوئي كلّما جرّدته من ورقة ثقيلة الظلّ وشائكة الممسك إلى أن يقع نظري على الرقم 27: يوم المسرح العالمي، الفن الذي لا يكذب الواحد فيه إلا بصدق، ولا يعترف إلا بـ”الآن” و”هنا”، ذلك أن نبله متأت من كونه فنا يموت مع انتهاء كل عرض.. إننا “محكومون بالأمل” كما قال المسرحي الراحل سعدالله ونوس، في مثل هذه الأيام منذ ما يقارب العقدين من الزمن.
مهلا…. غدا سوف يسلّمني مارس إلى أبريل الذي يبدأ بكذبة مثل كلّ الأشياء الجميلة تليها صفعة في أوّل جمعة منه وهو يوم اليتيم العربي.
إنها هزّة في وجدان القاهرين والنّاهرين وغير المحدّثين بالنعمة أمام كلّ يتيم لم يقدّر له أن يكبر وينجح ويفرح تحت أعين والديه وتلال بلاده.
لا يهم، تبقى هذه الالتفاتة نبيلة، لما تحمله من مؤازرة معنويّة وماديّة كما أنّ إحياءها لا يحتاج إلى ومضات إعلانيّة دامعة ولا إلى حركة أسواق مكتظّة ولا إلى سماسرة مناسبات.. لنكتف بالنظر حولنا وفي كلّ المرايا المقعّرة والمحدودبة والمهشّمة من الماء إلى الماء.