السينما السورية تستعيد حضورها العربي من بوابة بيروت

مثلت المؤسسة العامة للسينما في سوريا في السابق واحدة من أقوى مرجعيات الإنتاج الرسمي في الوطن العربي، لتستعيد اليوم نشاطها لا على المستوى السوري، بل والعربي أيضا بعد إنجازها فيلما يُصوّر واقع الناس بعد تحرير حلب، بعنوان “دمشق حلب” أعاد فيه المخرج باسل الخطيب الفنان العربي دريد لحام إلى الشاشة الكبيرة بعد مرور 9 سنوات على آخر تعاون له مع المخرج حاتم علي في فيلم “سيلينا” عن مسرحية “هالة والملك” للأخوين رحباني، وها هو الفيلم الحدث يعرض حاليا بثلاث عواصم عربية.
بيروت – عبر تاريخ فني طويل، يمتد للعشرات من الأعوام، ظلت السينما السورية تعرض داخل حيزها الجغرافي المحلي، إلاّ فيما ندر من المحاولات التي شكلت حالة متفردة فيها، كان أولها فيلم “عقد اللولو” الذي أنتجه نادر بيك الأتاسي وتحسين القوادري، عملاقا الإنتاج السينمائي السوري الخاص والذي قام بإخراجه اللبناني يوسف معلوف، وكان من بطولة نجمي العرب صباح وفهد بلان، وقد حقق الفيلم في صالات العرض حضورا غير مسبوق واستمر في العرض في دمشق وبيروت معا عاما كاملا، وهو الأمر الذي لم يتحقق لاحقا لأي فيلم سوري.
أما في ما يتعلق بعرض أفلام القطاع العام (المؤسسة العامة للسينما السورية) فكان منوطا بمشاركات مهرجانية أو تظاهرات سينمائية محددة، ولم يسبق أن تم عرض فيلم قطاع عام سوري في لبنان في عروض جماهيرية وتجارية، لذلك يبدو أن الحدث السينمائي الهام الذي أوجده فيلم “دمشق حلب” يحقق كسبا لصالح سينما القطاع العام في سوريا، وكذلك لمخرجه باسل الخطيب وبطله دريد لحام.
إلى المنصات العربية
فيلم “دمشق حلب” من أحدث إنتاجات المؤسسة العامة للسينما، شارك فيه نجم السينما السورية الشهير الفنان دريد لحام، بعد غياب ما يقارب نصف قرن عن العمل في سينما القطاع العام، وقد حقق العمل بصيغته الذي نفذ عليها حالة سينمائية سورية غير مسبوقة، كانت أول مظاهرها تعاون نجم سينمائي بحجم دريد لحام أخيرا مع القطاع السينمائي الحكومي، كما تأكد النهج الخاص للفيلم من خلال توسعه في إطار العرض الجماهيري الذي تجاوز الوطن السوري، ليحقق حضورا في ثلاث عواصم عربية دفعة واحدة.
ففي 27 فبراير الماضي عرض الفيلم في بيروت بحضور مخرجه وعدد من أبطاله، وسط حالة ترقب من الجمهور اللبناني لهذا الحدث الذي لم يتحقق سابقا، كما انطلق عرضه في الأول من مارس والثالث منه في عاصمتين عربيتين هما: بغداد وعمّان، ما مثل ظاهرة غير مسبوقة للفيلم والسينما السورية عموما.
وفي عرض بيروت تجمع الناس لمتابعة الفيلم، فحضر من طاقم العمل مدير عام الجهة المنتجة “المؤسسة العامة للسينما” مراد شاهين ومخرج الفيلم باسل الخطيب ومن مبدعيه دريد لحام وصباح الجزائري وكندة حنا.
ويرى باسل الخطيب، مخرج الفيلم، أن “الفيلم يقدم بعرضه الخاص في بيروت خطوة متقدمة للسينما السورية بعد غياب طويل عن عرض الأفلام السورية في لبنان”، وتمنى أن تتابع هذه العروض وتستمر، وعبر عن أمنياته بأن يتفاعل الجمهور اللبناني مع الفيلم” و”أن يشاهد بالشكل الذي نطمح إليه وكما نتوقع″.
أما الفنان دريد لحام، فقال “سعيد بتقبل الجمهور اللبناني للفيلم بالطريقة التي كان عليها، وأؤكد على أن فترة الغياب التي كانت لفترات زمنية طويلة، لم تلغ المسافة القريبة بين جمهور البلدين، وهذا هو البرهان، أعتبر حضور هذا الفيلم على الشكل الحالي فتحا جديدا للسينما السورية في محيطها العربي، وآمل ألاّ تقف محاولات العرض على هذه التجربة، بل أن تستمر وتعرض في كل أنحاء العالم العربي”.
ترحيب لبناني
الفنان اللبناني بيير داغر، الذي عمل العديد من المرات في الدراما السورية، وكانت له أيضا مشاركات سينمائية سابقة من خلال فيلم “طريق النحل” مع عبداللطيف عبدالحميد، كما صوّر أخيرا فيلما قصيرا بعنوان “جوري” للمخرج يزن أنزور، قال عن الحدث “نرحب في لبنان بالسينما السورية، هي خطوة تأخرت كثيرا، لكنها أتت في النهاية، نحن في لبنان نحب الفن السوري ونتفاعل معه، ونتمنى أن يقدم بأحسن حالاته”.
بدورها قالت صباح الجزائري إحدى بطلات الفيلم “أنا سعيدة جدا بعرض الفيلم في ست الدنيا بيروت، بعد انقطاع طويل دام عقودا، وأمنياتي أن تكون هذه مجرد خطوة أولى في ذات الاتجاه، لكي يعرض الفن السوري في لبنان والعكس، لأنني أرى أن الفن العربي يكمل بعضه بعضا، من حقنا كفنانين، ومن حق الجمهور اللبناني أن يشاهد الإبداع السينمائي السوري”.
وعبّر الناقد الفني اللبناني جمال فياض عن سعادته بهذه التجربة السورية الجديدة، وهو يرى أن السينما السورية حققت سابقا مكانة هامة في العالم العربي، معتبرا أن فيلم “دمشق حلب” يمثل نقطة حاسمة في تاريخ السينما السورية الحديث.
سوريا الآن وهنا
ويرصد فيلم “دمشق حلب” واقع رجل يعيش عزلة في دمشق فرضتها الأوضاع الأمنية، لكن مع تحرير حلب قرر القيام بزيارتها للاطمئنان على ابنته التي تُقيم هناك ولم يرها منذ سنوات، فيستقل “باصا” متنوّع الركّاب يمثلون أطياف المجتمع السوري وتدور بينهم نقاشات وتحصل تطورات لا تخطر على بال، تعكس واقع الحال الذي يعيشه السوريون هذه الأيام، تماما كالمرآة الصادقة بحيث تقدّم الوجه الحقيقي لهذا البلد، خصوصا لجهة التلاحم والتعاون السائدين بين أبنائه حتى في أصعب الظروف التي عبرت بها، ولم تستطع النيل من إرادة العيش، والوحدة والتواصل بين أبناء الشعب الذي أدرك معنى الالتفاف والتعاضد في تخطّي أعتى المصاعب والأزمات.
وكان الفيلم السوري قد شارك خلال الدورة الأخيرة في مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، ونال جائزتين، هما: جائزة أفضل فيلم روائي طويل، في مسابقة نور الشريف للفيلم العربي، كما نال الفنان دريد لحام جائزة التمثيل الكبرى عن دوره فيه.