هل تتحول الموانئ العراقية والكويتية من الصراع إلى التكامل؟

بدأت أخيرا تظهر ملامح إمكانية الإنصات إلى حقائق المصالح الاقتصادية لاستثمار إنشاء ميناء استراتيجي في شمال الخليج يمكن أن يكون له دور تجاري كبير في المنطقة قد يمتد إلى ربط الشرق بالغرب، لكن مصالح أطراف كثيرة في العراق والكويت ودول إقليمية أخرى تواصل عرقلة تنفيذه.
لندن- أولى الحقائق الكبيرة التي تقف خلف رهان الكويت على ميناء مبارك الكبير، هو أن جدواه الاقتصادية الوحيدة هي خدمة السوق العراقية وما وراءها من أسواق أخرى تصل أبعد السيناريوهات إلى أوروبا.
لذلك فإن آفاقه ستكون مغلقة إذا واصل إثارة المواقف السياسية والشعبية العراقية بالطريقة التي يجري بها تنفيذ المشروع دون تنسيق مع بغداد، والتي كانت واضحة في التضييق على المنفذ العراقي الضيق على الخليج.
ويتضح ذلك في العواصف الرسمية والشعبية التي أثارها المشروع في العراق والتي وصلت إلى التهديدات، والتي انعكست في المقابل على تعثر مشروع ميناء الفاو الكبير الذي بدأ العمل به قبل 9 سنوات دون تحقيق تقدم يذكر.
يمكن للعراق ببساطة أن يقتل استثمارات الكويت الكبيرة في المشروع بتشريع قانون يحظر التعامل مع الميناء الكويتي، الذي لا علاقة له بخدمة السوق الكويتية الصغيرة في ظل موقعه في أقصى شمال شرق البلاد ووجود موانئ كافية إلى الجنوب منه لخدمة الاقتصاد الكويتي.
لذلك ليس أمام الكويت إذا كانت تسعى إلى دور في هذا الممر الاستراتيجي سوى إرضاء المصالح العراقية بتقديم أقصى التسهيلات التي تغري الأوساط التجارية العراقية وتطفئ مخاوف بغداد والأطراف السياسية التي يمكن أن تهيج المشاعر الشعبية.
لا يمكن تخيل أي سبب يدفع الكويت لوضع استمارات كبيرة في خاصرة منفذ العراق الضيق على الخليج سوى رؤية الآفاق الكبيرة للممر التجاري الاستراتيجي ومحاولة اقتطاع حصة من آفاقه المستقبلية، لكن ذلك من الصعب أن يتم عبر فرض المشاركة على العراقيين.
هناك تركة ثقيلة من الخلافات التي يمكن أن تستثمرها الأطراف السياسية خلفها غزو العراق للكويت والحصار، الذي ساهمت الكويت في إطالته والتعويضات الكبيرة التي دفعها العراق للكويت رغم أن العراقيين يقولون إنهم لا ذنب لهم في الغزو الذي قام به الرئيس الأسبق صدام حسين.
في الأيام الماضية صدرت تصريحات مواربة تشير إلى إمكانية التعاون في تطوير الموانئ، صدرت عن رئيس الحكومة العراقية عادل عبدالمهدي، لكنها لم تصل إلى تحديد تفاصيل ذلك التعاون.
هناك أطراف كثيرة في العراق والكويت يمكن أن تتضرر مصالحها أو رصيدها السياسي إذا سارت الأمور في طريق التعاون ومن ورائها أطراف إقليمية مثل إيران ودول أخرى.
أما الحقائق الاقتصادية فتقول إن الأطراف الاقتصادية لا يهمها من أين تحصل على أفضل التسهيلات التجارية والبنية التحتية والرسوم الملائمة، مثلما تختار شركة ألمانية استخدام ميناء سواء كان في ألمانيا أو هولندا أو بلجيكا.
إذا تمت تسوية الخلافات بين العراق والكويت بشأن تطوير الموانئ فإن التجار سيختارون أسهل الإجراءات والقواعد والشروط وأقل الرسوم التي يتوجب دفعها مقابل خدمات الاستيراد والتصدير.
وتنقسم الآراء بشأن واقعية آفاق ميناء الفاو الكبير الذي يسير تنفيذه ببطء شديد، رغم أن المشروع يشير إلى طاقة استيعاب تصل إلى 99 مليون طن سنويا وعشرات الأرصفة ومنشآت التخزين ومشاريع لتكرير النفط وصناعة البتروكيمياويات.
الجدوى الوحيدة لرهان الكويت على ميناء مبارك الكبير هي خدمة العراق وما وراءه من أسواق أخرى
لكن منشآت ميناء مبارك الكبير على الساحل الشرقي لجزيرة بوبيان يمكن أن تضغط على الممر العراقي الضيق على الخليج، ولذلك فإن التعاون والتكامل يمكن أن يخدما البلدين لو تم الإنصات إلى المصالح الاقتصادية فقط وتغليبها على الشعارات السياسية.
لو تم استطلاع آراء الأوساط الاقتصادية فإن إنشاء منطقة تجارة حرة تجمع البلدين سيكون الخيار المثالي، رغم أنه قد لا يروق لمواقف بعض الأطراف السياسية. وتشير دراسات كثيرة منذ عقود إلى تطوير منشآت موانئ استراتيجية في أقصى شمال الخليج يمكن أن يخلق شريانا تجاريا عالميا يربط الشرق بالغرب من خلال شبكات طرق وسكك حديد تنقل البضائع بين الدول الآسيوية والأوروبية عبر تركيا وربما سوريا أيضا.
وتشير تقارير الحكومة العراقية إلى إكمال الكثير من المشاريع في ميناء الفاو الكبير وقرب انطلاق أعمال حفر حوض الميناء، رغم أن الحكومة العراقية لم تخصص في موازنة العام الحالي سوى نحو 340 مليون دولار لتلك الأعمال أي ما يعادل 10 بالمئة من المبالغ المطلوبة لإنجازه.
ويتحدث مسؤولون عراقيون عن مناقصات لجذب شركات للاستثمار في البنية التحتية مقابل المشاركة في إدارتها وعوائدها في عقود طويلة الأجل، لكن تفشي الفساد وصعوبة مناخ الأعمال في العراق يمكن أن يعرقلا مثل تلك المشاريع.
ويملك العراق 5 موانئ تجارية مرتبطة بالخليج هي أم قصر الشمالي وأم قصر الجنوبي وخور الزبير وأبو فلوس والمعقل. لكن ميناء الفاو الكبير يشكل نقلة نوعية كبرى بسبب موقعه الاستراتيجي ومدخله إلى مياه الخليج العميقة، التي تسمح باستقبال السفن الكبيرة.
ويرى محللون أن التعاون في تطوير الموانئ بين العراق والكويت سيواجه الكثير من العقبات في ظل إصرار أطراف عراقية على الاستئثار بآفاق الممر التجاري الاستراتيجي ومحاولة الكويت فرض مشاركتها فيه بطريقة توحي بمحاولة عرقلته إذا لم تحصل على نصيب فيه.