عزام الشعراني يوثق دمشق الصاخبة بألوان هادئة

اختار الفنان التشكيلي السوري عزام الشعراني أسلوب الرسم المائي الذي يخضع لشفافية الروح والصدق اللوني ليرسم مدينة دمشق القديمة وتفاصيلها الجميلة، ويلونها بألوان شفافة تظهر عشقه لها، وليكون معرضه “الشام لوحة ثلاثية الأبعاد” شاهد عصر على التفاصيل الصغيرة لحارات الشام، حتى إذا أتى زمن تغيرت فيه تلك الأماكن تبقى لوحاته ذاكرة ناطقة لتلك الأمكنة.
دمشق - يتقاطع هدف الفنان السوري عزام الشعراني في معرضه “الشام لوحة ثلاثية الأبعاد” الذي أقامه مؤخرا المركز الثقافي أبورمانة بدمشق، مع هدف الكثير من الفنانين والمبدعين السوريين في التوثيق لمدينتهم الخالدة دمشق، بما تحمله من إرث حضاري وثقافي كبير.
والشعراني الذي يعرف مدينة دمشق من خلال زيارات مطولة لها بحكم أن بيت جده فيها، عرف مناطقها، خاصة منطقة المهاجرين المتاخمة والتي تطل على المدينة وتحتفظ بمزيج خاص فيها يجمع بين القديم والحديث.
عبر ستة وثلاثين لوحة، رسمها كلها بالألوان المائية يقدم الرسام السوري عزام الشعراني الذي درس الهندسة في جامعة حلب، تفاصيل مكانية عن مدينة عاش فيها وأحبها. فهو كما يقول “أردت أن أوثق للحالة الراهنة التي تعيشها مدينة دمشق، بما تحمله من تجاور بين القديم والجديد، بل بما تحمله أحيانا من فوضى وصخب”.
ويضيف “لذلك حاولت أن أركز على تفاصيل مكانية في أحياء دمشق القديمة التي يعرفها الجميع، مثل الجامع الأموي ومحيطه وكذلك الأسواق الشعبية الموجودة فيها، ومناطق وحواري محددة في منطقة المهاجرين”.
والمدن تتغير، فقبل المئات من السنين لم تكن المدينة على هذا الشكل، وهي لن تبقى كذلك بالتأكيد، لذلك هدف الشعراني إلى توثيق هذه الحالات في لوحات مائية لينقلها إلى الأجيال القادمة بشكل فني هادئ وهادف.
ولا يعتمد عزام الشعراني على الألوان الحادة والداكنة، فألوانه وادعة وهادئة، وهو ما تجلى في كل لوحاته، ويقول عن ذلك “هدفي وضع المتلقي في حالة تماهي مع المادة أو الفكرة، ووضعه بحالة تواصل مع المكان الذي تصوّره اللوحة.
ولا أهدف إلى خلق حالة استعراضية تبهر البصر، بل أود أخذه بلطف إلى المكان الذي أريده، وهو ينتقل عبر هذه المساحات اللونية بهدوء وروية مستعيدا تلك الحالة من الشجن التي تربطه بهذه الأمكنة”.
كما لا يعتمد الشعراني على التوثيق الدقيق الحرفي للمكان كما تفعل الصورة الضوئية، بل يقارب ذلك لخلق فضاء إبداعي يدل على المكان، لكنه يحمل أفكارا هائمة عنه، فقد تظهر في إحدى لوحاته طرق إسفلتية لا تحمل اللون الأسود، بل اختار أن يجعل لها ألوانا متعددة، وهذا ما كان في إحدى لوحاته.
يقول “ليس هدفي التوثيق الكامل، أنا ألتقط حالة معينة وأثبتها في فضاء لوني محدد، ما يخلق حالة من التفاعل الروحاني مع المكان وبالتالي سيل من الذكريات والتداعيات، التي ستحقق تواصلا إيجابيا بين المتلقي وذكرياته مع هذه الأمكنة”.
السلمية، المدينة الهادئة والمبدعة التي تسكن في ريف مدينة حماة، وهي مسقط رأس عزام الشعراني، لم تغب عن الحضور في معرضه الأخير، فكانت في لوحات رسم فيها عالمه الداخلي في إطلالات على بيوت تحتوي على تفاصيل حياتية غاية في الدقة كأصص الزهر، مولد كهرباء والأحذية.. الخ.
والشعراني يلتفت إلى هذه الزوايا بحنين كبير لها، فهو يستذكر من خلالها نموذج البيت العربي التقليدي الذي يسمّى حوشا، ويقدم فيه رسما يبالغ في الاندفاع إليه بكل طاقة الحب، لينعكس ذلك مزيجا هادئا من الألوان المائية التي تغزل معا تشكيلات بصرية جميلة.
الشعراني، في سادس معارضه الفردية، يقدم من خلال “الشام لوحة ثلاثية الأبعاد”، لوحات يرسمها بتكنيك خاص، وهو الذي يراقب بعين الخبير مكانا ما وفي حالة محددة، ثم يقوم بالتقاط صورة له، ثم يعمل على نقلها عبر الألوان المائية ويرسمها على الخام الأبيض لتتكوّن اللوحة.
ويقول الفنان السوري “بعض الأماكن بات من المستحيل الآن أن تقف فيها طويلا، فقد يثير ذلك الريبة أو الشكوك، وقد تعرضت مرتين لمساءلة رسمية، لذلك أقوم بالتقاط الصورة وتثبيتها على شاشة الكومبيوتر، ثم ومن خلال الصورة وخيالي عن المكان وما أريد أن أظهره فيها أبدأ بالرسم، حتى أصل إلى الخيار المطلوب والذي أضيف إليه الكثير من روحي وذكرياتي وتطلعاتي”.
عزام الشعراني، أصيل مدينة السلمية وسط سوريا، يرسم بريشته ملامح دمشقية بالغة الخصوصية والدقة، ويشكل بها طيفا جديدا لأبناء المدينة الذين سيأتون غدا لكي يتعرفوا، كما يقول، على مواطن الجمال والحياة فيها، وهو يجمع في لوحاته كل ما تعيشه المدينة الآن من نشاطات في الجوامع والأسواق والشوارع، ويمكن أن يلتقط كيف يسير الناس بشكل خاطئ على الشارع تاركين الرصيف فارغا.
يحاول عزام أن يؤكد في لوحاته أن المعرفة الإنسانية هي أساس التقدم في الحياة، ولكي يعرف الإنسان عليه أن يلم أولا بمحيطه وبيئته، حتى المكانية منها، وهذا ما حاول أن يقدمه في معرضه، إذ يقول “هذه هي مدينتنا، وهذه تفاصيل حياتنا الخارجية فيها، وهي التي يجب أن نعرفها بوعي، حتى نكتسب المزيد من المعرفة التي بها نستطيع أن نوثق ونرسم ونبدع ونتقدم”.
ويقول الفنان التشكيلي محمد منذر زريق عن المعرض والرسام “الفنان عزام الشعراني لديه تجربة قوية في الرسم باللون المائي رغم أنه مهندس كهربائي، أي لم يتخصص بدراسة الرسم المحترف، ورغم ذلك موهبته القوية وإبداعه أوصلاه إلى هذه المرحلة المتطورة.. وجميعنا يعرف صعوبة التعامل مع اللون المائي لذلك يهرب منه معظم الفنانين، لأنه يتطلب دقة وإتقان والخطأ فيه ممنوع وغير قابل للتصحيح بعكس الألوان الزيتية، لكن الشعراني استطاع تطوير تجربته وتقنياته بشكل متميز جدا، حتى وصل إلى هذه المرحلة”.