المغرب الثقافي يحتفي بـ"الجديد" اللندنية منبرا طليعيا للثقافة العربية

شهد المعرض الدولي للنشر والكتاب بمدينة الدار البيضاء، الذي اختتم مؤخرا، عرض مجلة “الجديد”، التي تصدر من لندن، وتعنى بالأدب والفكر النقدي الحر. وخصصت المجلة جناحا خاصا لها في فضاء المعرض، لعرض جميع أعدادها، في انتظار ضمان توزيعها في المكتبات المغربية، وفي عدد من الدول العربية، بينما تستعد المجلة لإصدار عددها الخمسين، بعد أربع سنوات من الانتظام في الصدور، حتى صارت من أهم المجلات الشهرية التي يترقبها القراء كل شهر.
كل شهر تضرب مجلة الجديد موعدا مع القارئ العربي، وهي تحمل إليه في كل شهر ملفا جديدا وحوارات ونصوصا جديدة، مثلما تطرح أسئلة جديدة مع كل عدد، وفية لخطها التحريري الذي يؤطره هاجس “الجديد” دائما.
وعرضت مجلة “الجديد”، التي تصدر من لندن، مجمل أعدادها في المعرض الدولي للنشر والكتاب بمدينة الدار البيضاء المغربية. وأقامت المجلة جناحا خاصا بها في رواق “منشورات المتوسط”، في قلب معرض البيضاء، حيث لاقت إقبالا كبيرا من قبل القراء. كما حضر إلى هذا الرواق عدد من الكتاب المغاربة والعرب من الذين أغنوا المجلة وأثروها بمقالاتهم ودراساتهم منذ صدورها سنة 2015.
وخلقت المجلة الحدث في الدار البيضاء، حيث كانت في استقبال زوار المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، والكتاب المشاركين فيه، وفي مقدمتهم الروائي المغربي الطاهر بن جلون، والذي حضر إلى المعرض غداة تقديم “الجديد” التي أجرت معه حوارا مفصلا ومطولا في العدد ما قبل الأخير، إلى جانب الكتاب والمبدعين الذين يساهمون بمقالاتهم ونصوصهم وأفكارهم في مشروع “الجديد” باعتباره مشروعا تنويريا وحداثيا، ومنبرا عربيا لفكر حر وإبداع جديد، كما أعلنت عن ذلك المجلة منذ ميلادها قبل أربع سنوات من اليوم.
في انتظار الجديد
بالنسبة إلى الناشر العربي ماهر الكيالي، مدير المؤسسة العربية للدراسات والنشر، فإن مجلة “الجديد” تبقى “من أهم المجلات العربية الجديدة، من حيث الشكل والمضمون، وجرأة الطرح النقدي. وهي تحرص على تقديم الجديد في كل عدد، من خلال تبويب شيق وترتيب جيد”. ويضيف الكيالي، بتجربته في النشر وإصدار المجلات وسلسلات الكتب والدراسات، أن ما يمز الجديد أيضا “كونها تقدم دراسات عميقة ورصينة كتبها باحثون ودارسون بجرأة قوية ورؤية عميقة. وقد أصبحت هذه المقالات الرائدة والمؤسسة مقدمة لدراسات وكتب وطروحات جديدة انطلقت من مجلة الجديد”.
في مقابل ذلك، يرى الناشر المغربي أحمد المقالي، مدير “باب الحكمة” أن “مجلة الجديد تهيئ بحرفية عالية على مستوى الإخراج الفني، كما على مستوى المواضيع والملفات الجادة التي تتطرق إليها”. وينبهنا البقالي إلى أن “القارئ المغربي يظل ينتظر المعرض الدولي السنوي للحصول على أعدادها الجديدة. وحبذا لو كان توزيعها في المغرب ممكنا، كي يتمكن القارئ المغربي متابعة مواضيعها بالتزامن مع تاريخ صدورها”.
أما الكاتب والقاص المغربي أنيس الرافعي، فيرى أن الجديد، “وبعد انحسار زمن المجلات الكبرى، استطاعت، خلال السنوات الأخيرة، وبفعل جديتها وانتظام صدورها الورقي والإلكتروني، أن تجد لها موطئ قدم راسخا في المشهدين الثقافي والسياسي العربي، لعدة اعتبارات موضوعية، لعل من أبرزها طبيعة الموضوعات الجادة والإشكالية التي تشتغل عليها، والتي جاءت في لحظة فراغ حاسمة كان الزمن العربي الجريح في أمس الحاجة إليها، وكذا لجدارة هيئة تحريرها وقيمة مراسليها عبر العواصم العربية. هذا فضلا عن إخراجها الفني والجمالي الذي يضاهي كبريات المجلات العالمية المرموقة”.
وبالنسبة إليه ككاتب وقارئ، يضيف الرافعي “شخصيا أجد إفادة عظيمة عند اطلاعي على محاور المجلة ومفاصلها، ولقد تشرفت بكثير من الفخر بالمساهمة في بعض أعدادها”. كما يؤكد محدثنا أن “حضور مجلة ‘الجديد’ في معرض الدار البيضاء، في رواق المتوسط، له دلالته القوية الكامنة في عناق روحين متشبعتين بقيم الطليعية والحداثة”.
ويختم أنيس الرافعي “أحسب أن المتلقي المغربي الخبير والمتمرس و’المضرج’ بتاريخ طويل من المجلات الغربية والمشرقية، سوف يقبل على أعداد المجلة بشغف وحب كبيرين، كونه يدرك جيدا قيمتها المعرفية وأبعادها الرمزية”.
أما الشاعر خالد الناصري، مدير منشورات المتوسط، التي تعرض المجلة في رواقها، وتحرض على ضمان وصولها إلى معارض الكتاب العربية والدولية، فيحدثنا عن مشكلة حقيقية هي “مشكلة توزيع وترويج المجلات الثقافية، ارتباطا بمشكلة أكبر هي مشكلة توزيع الكتاب بشكل عام”.
لكن توزيع الدوريات يواجه إكراهات أكثر، يضيف الناصري، والحال أن “هذه الدوريات تحتاج إلى مؤسسات كبيرة للتوزيع، وهي غالبا ما تنتمي إلى القطاع العام، ولها شبكات للتوزيع ونقاط كثيرة للبيع. لأن المجلات توزع في وقت محدد، وفي ظل شهر بالنسبة
إلى ‘الجديد’ ونظيراتها من المجلات الشهرية المعدودة على رؤوس الأصابع في عالمنا العربي”.
لكن خالد الناصري سيشدد على خصوصية تتميز بها “الجديد”، والتي “يمكن أن نسميها مجلة خارج الزمن، بمعنى أنها تحتوي دائما على موضوعات ومواد غاية في الأهمية، ولا تنتهي صلاحيتها، ولذلك، فهذا النوع من المجلات يقرأ بشكل دائم، ويمكن أن يكون مرجعا للباحثين والمتخصصين أيضا. وهذا ما جعلنا نتعامل مع المجلة ككتاب، ونأخذها معنا إلى المعارض. وهنالك رغبة كبيرة من القراء في اقتنائها”.
مفاجأة خاصة
أما الروائي المغربي محمد الأشعري فاعتبر “الجديد” مجلة مفاجئة في موضوعاتها وملفاتها الجادة والجريئة في مجالات تحتاجها الثقافة العربية بإلحاح في لحظتها الراهنة. مضيفا “أعتبر المجلة الجامعة للأفكار المختلفة والتي يتطلع مشروعها إلى أفق تنويري جديد، وقد أعجبني البعد الجمالي أيضا لها، ونحن ننتظر أن نراها في مكتباتنا في المغرب”.
كان العدد الأخير من المجلة عن “أدب الاعتراف”. وهنا وجد الطالب الباحث محمد العمراني ضالته في المجلة، وهو يعد رسالة ماجستير عن هذا الموضوع.
ويرى العمراني أن “هذا العدد جاء في وقته، بينما أنا أتجول في المعرض بحثا عن دراسات وكتب في الموضوع الذي أشتغل عليه في بحثي الجامعي. والحال أن حضور المجلات ضروري في كل بحث جامعي، خاصة إذا كانت المجلات تشتغل على ملفات، وتقدم لنا دراسات ووجهات نظر مختلفة لباحثين كثيرين في الموضوع الواحد”.
أما ليلى الوزاني، فقد ترددت على جناح المجلة للمرة الثانية، لتتوقف عند عدد ضم 99 نصا قصصيا بعنوان “العرب يكتبون القصص”، وهي ترى، في حديث إلى “العرب” أن “هذا العدد هو بمثابة أنطولوجيا عربية للقصة القصيرة، والتي أفضل قراءتها أكثر من الروايات، لأنها تقدم لنا عوالم بأسرها في نصوص مكثفة”.
في مقابل ذلك، استغرب شاب قدم من مدينة وجدة المغربية وجود مجلة شهرية “لم يتح لنا الاطلاع عليها، رغم أنها تصدر شهريا. ولهذا، فإن معرض الكتاب بالدار البيضاء كان فرصة لي للاطلاع على آخر الدراسات والروايات، وعلى مجلة الجديد”.
بينما اجتذب الفضاء الخاص بالمجلة زوار المعرض، في رواق المتوسط، لتصفح مجلة “الجديد” بحثا عن الجديد.