منير الشعراني حروفي سوري تجاوز بالخط العربي حدود الممكن

دمشق- لا يقف الخطاط السوري منير الشعراني بإبداعه عند تخوم المعروف والمستقر، مهما علا سقف الطاقة الإبداعية في لوحة ما، وهو الذي يؤمن أن هنالك آفاقا أبعد يمكن الوصول إليها، عاش حياته المهنية في عراك مع محيطه الذي ابتدأ مع مشروع تخرجه من كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، يكثف الأفكار التي تستهويه من خلال مقولات دينية أو شعرية أو فكرية، فيبدعها في منظومات شكلانية لم يسبقه إليها أحد، يصرخ فكريا في جنبات ما يبدع فيعلو صوته مناهضا للظلم والقسوة والقبح، “العرب” التقت الشعراني في مرسمه الدمشقي فكان هذا الحوار.
تعوّد الحروفي السوري منير الشعراني التحليق بفنه الذي اختص فيه، فن الخط العربي، خارج الأفق السوري الضيق، مُعرّفا بهذا الزخم الفني والتاريخي معا في آفاق أرحب، وهو الذي كان مؤخرا في جولة أوروبية، فأقام معرضا في فرنسا وألمانيا، وعلى التوازي معهما أقام ورشات خاصة بفن الخط العربي، حظيت بالكثير من المتابعة.
عن زيارته تلك والورش التي قدّمها خص الشعراني “العرب” بقوله “كانت الرحلة الأحدث مكرّسة للمعرض الذي أقيم في باريس والذي قدمت فيه أعمالي الجديدة، كما رافقت المعرض ورشة عمل حضرها محبّون للخط من فرنسا وبلجيكا وعرب يقيمون هناك، الورشة كانت عن الخط الكوفي، أما زيارة ألمانيا فكانت لغرض آخر يتعلّق بالاتفاق على ترتيبات نشر مجموعة من الحروف الطباعية التي صممتها، هذه الزيارة سبقها معرض في صالة ‘بوكس فرايروم’ كان مقررا أن يستمر لثلاثة أشهر، لكن تمّ تمديده شهرا آخر”.
وحظي المعرض الألماني بإقبال كبير، حيث حضر حفل الافتتاح حوالي سبعمئة وخمسين شخصا، معظمهم من الألمان والأجانب، وفيه أُقيمت ورشتان كانت إحداهما للخط الكوفي، والثانية حول الحرف الطباعي العربي للمتخصصين بالحرف الطباعي.
وعن جدل تأصيل الخط العربي، وتنازع عدة أمم في أحقية انتسابه إليها، بين عرب وفرس وأتراك، يبيّن “المشكلة تبدأ منذ انطلق الاهتمام الغربي بتأريخ الفنون الذي تمّ بوحي من مفهوم المركزية الأوروبية، والذي عمل مروّجوه على تكريسه كحقيقة، وعلى تصوير أوروبا كمركز للحضارة العالمية التي أعقبت الحضارات القديمة في كل المجالات ومنها الفنّ، لم يكن ممكنا في هذا السياق إنكار الحضارة العربية التي امتدت من الصين شرقا إلى الأندلس غربا، فتم فصلها عن تاريخ الحضارات العام وعزلها من خلال ربطها بالدين وتسميتها باسم الحضارة الإسلامية”.
وللشعراني نظرة في وضع فن الخط العربي في حاضرنا، وهو الفن الذي تجاوز حد نقل المعرفة ليصبح فنا قائما بذاته، وفي ذلك يقول “الوظيفة الأولى للخطوط والكتابات هي التوصيل والتدوين ونقل المعرفة بخط جيّد وهو مستوى وظيفي ما قبل الفني، لكنّ الخطّ العربي تطوّر وارتقى وتجاوز الوظيفة بصريا فصار فنا قائما يقوم على صيغ جمالية أرقى وصارت وظيفته جمالية ومعرفية في الوقت نفسه، وهذا حال الخط الصيني الذي ارتقى فنيا أيضا، لكنه يعتمد على أسس مختلفة تتناسب مع الكتابة المقطعية لا الأبجدية التي هي المرحلة الأخيرة في تطوّر الكتابة الوظيفية”.
ويتميّز الخط العربي بإمكانيات فنيّة ينفرد بها، فهو قابل للمد والرجع والاستدارة والطواعية التي تجعل إمكانيات التشكيل الأفقي أو العمودي به وبناء التكوين الفنّي ممكنة ومفتوحة، ولذلك يرى الشعراني أنه “من الضروري أن يتمّ تعليمه وأن تكون له أقسام خاصة في كليّات الفنون الجميلة، ويجب أيضا الاهتمام بتطوير خطوط طباعية جديدة تستجيب للحاجات الجمالية المتجددة”.
وعن رأيه في التقاطع الذي يمكن أن يكون موجودا بين فني التصوير الضوئي، الذي يثبت لحظة محددة وبين ما يقوم به من خلال خط عبارة ما بلوحة فنية ثابتة، يقول منير الشعراني “أسعى إلى أبعد من ذلك، فأنا لا أسعى لتكثيف لحظة ما، بل أطمح بالإضافة إلى التذكّر والتذكير إلى أن تؤدي أعمالي دورا في تحريض العقل وأن تتعامل مع الفكر الذي يجب أن يكون له دور أساسي في حاضرنا ومستقبلنا، أبحث في تفاصيل تهم الإنسان، أحيانا أخرج عبارة من سياقها، منها مثلا قول المتنبي (إن المعارف في أهل النهى ذمم)، فهو يتحدث عن معرفة الشخص بالشخص الآخر، لكنني انتزعتها من هذا السياق”.
وعن مساحة الصراخ التي يعتقد أنها موجودة في فن الخط العربي، يقول “الخطّ العربي وتطويره هو شغفي وشغلي الشاغل، أحاول من خلاله تقديم شيء في ظلّ هذه العطالة والفراغ الموجود في حياتنا الراكدة التي يخيّم عليها التراجع والتقليدية”. ويؤكد منير الشعراني في ختام حواره مع “العرب” أنه مازال يحتفظ بالكثير مما يمكن أن يعمل عليه، وأن صراخه يتمّ من خلال الخط العربي وبه في كل الاتجاهات.