وزارة أم هيئات إعلامية.. تبديل التسمية لا يغير حال الصحافة المصرية

حذف مواد الهيئات الإعلامية من الدستور يشير إلى أن التعامل مع أزمات الإعلام ما زالت مقتصرة على النواحي الإدارية والقانونية مع غياب رؤية واضحة للتعامل مع وسائل الإعلام.
الجمعة 2019/02/15
المحتوى الإعلامي لم يتغير

منذ سنوات تتخذ الحكومات المصرية المتعاقبة إجراءات تتعلق بالهياكل التنظيمية المشرفة على الإعلام، في حين المطلوب هو تطوير أداء الإعلام نفسه ومنحه المساحة الكافية من الحرية لتقديم محتوى أفضل يلبّي تطلعات الجمهور.

القاهرة- بدأ الحديث في البرلمان المصري عن عودة وزارة الإعلام لتأخذ مكان الهيئات الإعلامية المشرفة على الصحف ووسائل الإعلام، مع طرح ائتلاف دعم مصر، صاحب الأغلبية في البرلمان لمقترح تعديل الدستور لإلغاء هذه الهيئات.

ووافق البرلمان، هذا الأسبوع، بصورة مبدئية على مناقشة التعديلات الدستورية التي تقدم بها 20 بالمئة من أعضاء مجلس النواب، ورغم أن اقتراح التعديل الأولّي لم يشمل مواد الإعلام غير أن نواب ائتلاف الأغلبية (مقربين من دوائر حكومية)، قرروا إضافة اقتراح بإلغاء المادتين (212- 213) وبرّروا ذلك بوجود صعوبات عملية كشف عنها التطبيق الواقعي لها.

ومن المرجّح أن تترتب على هذه النوعية من التغييرات إدخال تعديلات على بعض قوانين الإعلام التي تمت مناقشتها مؤخرا، وهو ما يعيد الكرة مرة أخرى إلى الأخذ والرد بين الحكومة والعاملين في الحقل الإعلامي.

ويرى العديد من خبراء الإعلام، أن حذف مواد الهيئات الإعلامية من الدستور، يشير إلى أن التعامل مع أزمات الإعلام الحكومي ما زالت مقتصرة على النواحي الإدارية والقانونية، وذلك لن يجدي نفعا، والمطلوب أن يكون عمل هذه المؤسسات في أجواء تسمح لها بالتنوع والاختلاف، ما يتطلب مزيدا من الحريات، بحيث من الممكن أن تقنع المواطنين بما تقدمه من محتويات.

وذهب البعض للتأكيد على أن بقاء الهيئات أو إلغائها لن يؤدي إلى تغيير الواقع، طالما أن الأمر يظل مفتقدا للرؤية الواضحة والحديثة للتعامل مع وسائل الإعلام، والأمر يتطلب دعما ماديا حكوميا وخططا إعلامية متطورة يجري تطبيقها بشكل حازم، من الممكن أن تضفي مزيدا من الاحتراف على الإعلام الحكومي الذي يعاني ترهلا في بنيته الإدارية لكثافة العاملين به.

ويبلغ عدد العاملين في 10 مؤسسات صحافية حكومية حوالي 30 ألف صحافي وإداري، فيما يقبع داخل اتحاد الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو)، حوالي 35 ألف آخرين، يجري حاليا العمل على تقليصهم إلى 25 ألف، حسب خطة وضعتها الهيئة الوطنية للإعلام العام الماضي.

وقال صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، إن فشل الهيئات الإعلامية في أداء مهامها يرجع إلى أن الهيكل الإعلامي الذي يعاني من مشكلات متفاقمة، ظل كما هو من دون تغيير، والتعديل طرأ على رأس النظام الإداري المشرف على عمل هذه المؤسسات، وبالتالي فإن تطبيق مواد الدستور جرى من الناحية الشكلية، مع استمرار تمسك الإعلام الحكومي بأساليب الماضي في دعم الحكومة من خلال الانحياز الكلي إليها.

وأضاف في تصريحات لـ”العرب”، أن النظام السياسي لم يساعد هذه الهيئات في القيام بمهام عملها بما يضمن نجاحها، سواء كان ذلك على مستوى توفير القدر الكافي من الحرية التي تضمن كفاءة الأعمال التي تقدّمها، أو حتى على مستوى اختيار الأشخاص القائمين على إدارتها، وكان الولاء للحكومة طاغيا على اعتبارات الكفاءة.

ولم تتمكّن الهيئة الوطنية للإعلام من التعامل مع أهم أزمة واجهت ماسبيرو خلال الأعوام الماضية، والمرتبطة بجودة وكفاءة البرامج التي تقدمها أكثر من 20 قناة محلية وفضائية تابعة له، وظلت خارج الخارطة حتى الآن، قبل أن تستعين بشركة خاصة تملك غالبية وسائل الإعلام لتطوير التلفزيون الحكومي كحل للخروج من أزمتها.

وبالمثل، فشلت الهيئة الوطنية للصحافة في التغلّب على الصعوبات الاقتصادية التي واجهت الصحف، جرّاء ارتفاع أسعار مستلزمات الطباعة، واضطرت للقبول بالخسارة بدلا من زيادة أسعار الصحف، وفقدان ما تبقّى من قرّاء وسط غياب خطط التطوير، وهو ما تسبّب في خسائر فادحة مازلت مستمرة ليس للصحف الحكومية فقط، بل وصلت آثارها للصحف الخاصة، والتي حافظت على أسعارها أيضا لضمان الاستمرار في المنافسة.

عودة منصب وزير الإعلام لن تغير من الأوضاع الحالية ويمكن أن تحدث تضاربا في الاختصاصات مع مجلس تنظيم الإعلام

ويرى البعض من خبراء الإعلام أن عودة منصب وزير الإعلام لن تغيّر من الأوضاع الحالية كثيرا، ومن الوارد أن يكون هناك تضارب في الاختصاصات بينه وبين المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (المسؤول عن تنظيم عمل وسائل الإعلام بشكل عام وليس الحكومية فقط)، لأنه لم تطله مقترحات تعديل الدستور ما يعني احتمال بقائه، وهو ما يتطلّب تدشين إدارة أو هيئة جديدة لإدارة الصحف الحكومية، والتي لم تخضع في الماضي لسلطة وزير الإعلام. وسواء استمرت الهيئات الإعلامية بشكلها ووضعها الحالي أو عاد منصب وزير الإعلام من جديد، فإن أبرز مشكلات الإعلام الحكومي سوف تظل قائمة، وهي التي ترتبط بعدم تحريره من قبضة السلطة المهيمنة عليه لصالح مؤسسات مستقلة تضمن تنوع ما تقدّمه، وكان ذلك كان أهم مطالب العاملين في الحقل الإعلامي قبل إقرار الدستور في العام 2014.

وأوضح يحيى قلاش، نقيب الصحافيين المصريين السابق، لـ”العرب”، أنّ التعديلات الدستورية تعيد أوضاع الإعلام إلى ما قبل العام 2011، حينما كان مجلس الشورى والمقرّر عودته في التعديلات الجديدة تحت مسمّى مجلس الشيوخ، مسؤولا عن تنظيم عمل المؤسسات الحكومية بجانب المجلس الأعلى للصحافة، بالإضافة إلى عودة وزير الإعلام ليقوم بالدور ذاته نحو اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وقد يكون ذلك بالتزامن مع رغبة الحكومة في أن تكون سلطتها التنفيذية مؤثرة داخل هذه المؤسسات. ويلفت البعض إلى أن عودة منصب وزير الإعلام قد تكون مفيدة، حال وجود سياسة إعلامية يضعها وزير الإعلام وتخضع للتنفيذ من قبل المجلس الأعلى للإعلام، أو أي مفوضية أخرى تتولّى التطبيق على أرض الواقع، وهو ما كان حاصلا في عصور سابقة حقق فيها تلفزيون الدولة نجاحات على المستوى الداخلي والخارجي.

ويقول قلاش “الأوضاع والظروف السابقة تختلف تماما عن الوقت الحالي، إذ يصارع الإعلام التقليدي من أجل البقاء، عقب تأثره سلبا بمواقع التواصل، وتوفير مساحة من الحرية هو الضمانة الوحيدة لنحاج وسائل الإعلام الحكومية والخاصة في استعادة الجمهور مرة أخرى، بعد أن هجرها لصالح وسائل إعلام أجنبية تحترم عقليته وتناقش همومه التي تجاهلها الإعلام المحلي”.

18