"كارما" دراما لبنانية ينتصر فيها الجمال على القبح

يطالعنا المسلسل اللبناني “كارما” الذي عرض مؤخرا بالمحطة الفضائية اللبنانية “إم تي في”، ونال قدرا جيدا من المتابعة والنقاش، بمعالجة درامية مختلفة لفكرة التناقض التي طالما تعرّضت لها العديد من الأعمال الإبداعية، الخير في مقابل الشر، والجمال في مواجهة القبح.
نلمح في المسلسل الدرامي اللبناني “كارما” مقاربة ما مع رواية الكاتب الإنكليزي روبرت لويس “دكتور جيكل ومستر هايد”، غير أن الخير والشر في حالتنا هذه يتجسدان في كيانين مختلفين، امرأتين توأم فرّقت بينهما الأحداث لتنشأ كل واحدة منهن في بيئة ووسط مختلف عن الأخرى. تأثير النشأة والطباع تركت أثارها على سلوك الشقيقتين، وحين يحدث أن تلتقي أقدارهما مرة أخرى ندرك أن التشابه بينهما حدّ التطابق لا يخرج عن إطار الملامح فقط.
والعمل من إخراج رودني حداد ومن تأليف سلام كسيري ومعالجة درامية لرامي كوسا، وبطولة النجمة والإعلامية اللبنانية ستيفاني صليبا التي تؤدي دورين مختلفين في هذا المسلسل، وهو ما مثّل تحديّا حقيقيا لقدراتها كممثلة.
ويشارك صليبا دور البطولة مخرج العمل رودني حداد، إضافة إلى مجموعة متنوعة من النجوم والنجمات اللبنانيات، من بينهم تقلا شمعون ورفيق علي وجو طراد وباتريك مبارك وجومانا شمعون وجورج دياب وأنطوانيت عقيقي وهشام أبوسليمان.
يبدأ المسلسل بمشاهد مختلفة لعربة الإسعاف ومن داخل إحدى المستشفيات التي نقل إليها كريم بك (رودني حداد) بعد إصابته باختناق على إثر حريق شبّ في مزرعته، سرعان ما ندرك أننا أمام مشاهد استعادية، أو “فلاش باك” لأحداث مرّت، إذ يطالعنا كريم بك مرة أخرى في بيته الكبير الواقع في إحدى الضياع اللبنانية مع زوجته هند، التي تلعب دورها الفنانة ستيفاني صليبا.
نتعرف شيئا فشيئا على طباع أصحاب البيت، وندرك من المشاهد الأولى الطباع السيئة للزوجة هند من خلال تعاملها الخشن مع زوجها ومع الخدم، كما نكتشف سريعا أيضا خيانتها لزوجها مع رجل آخر، في المقابل نرى شخصية الزوج تتمتع بالطيبة والحنو، لا تطيق الزوجة الحياة مع زوجها، لكنها ترضخ للعيش معه مضطرة حتى تقنعه ببيع ممتلكاته في الضيعة والانتقال للعيش في المدينة، حيث تحب.
إلى جانب الخط الدرامي لشخصية كريم بك وزوجته هند ثمة مجموعة من الخيوط الدرامية الأخرى التي تتشارك نفس الحيّز الذي تتحرك فيه الشخصيتان الرئيسيتان، كالخدم، وأهل الضيعة وأصدقاء الزوجة بمن فيهم العشيق وديع (جو طراد).
وتتصاعد الأحداث شيئا فشيئا وتشعر الزوجة أن حياتها مع كريم بك أصبحت مستحيلة، لكنها في نفس الوقت لا تستطيع التخلّي عن حياة الرغد التي تنعم بها، وحين تلتقي الزوجة بمحض الصدفة بشبيهتها “هايا” تشعر أن القدر قد بعث إليها بالحل الذي يرضي رغباتها المتناقضة.
تطلب الزوجة من شبيهتها أن تقوم بدورها كزوجة والانتقال للعيش في الضيعة مع زوجها، كي تتفرّغ هي لإرضاء نزواتها مع عشيقها، تقبل هايا ذلك العرض تحت ضغط الحاجة، مع وعد بأن تنفق هند على علاج أمها المريضة وبالفعل يتم تنفيذ هذا الاتفاق، لتتخذ أحداث المسلسل منحى آخر، إذ يمنحنا تبادل الأدوار بين الشخصيتين المتناقضتين الكثير من المفارقات وجوانب الإثارة والتشويق.
تتقن الزوجة المزيفة دورها جيدا، غير أنها لا تستطيع أن تكون سوى نفسها من الداخل، ويدرك من حولها مدى التغير الذي طرأ على تلك المرأة المتعجرفة والمتعالية التي كانت تأبى الاندماج مع محيطها، تستطيع هايا لم شمل الأسرة وتبعد عن كريم بك شبح الوحدة واليأس، فيحيطها الجميع بكل الحب والتقدير.
وعلى الجانب الآخر، تنغمس هند في حياتها مع عشيقها وهي مطمئنة، غير أن الأقدار تخبئ لها شيئا غير متوقع، إذ يفقد العشيق عينه، وتتخلى عنه هي على إثر ذلك، وتقع تحت رحمة صديق آخر يعرف تفاصيل اتفاقها مع شبيهتها ويحاول ابتزازها لتجد نفسها في دوامة من الصدمات والضغوط، ومن هنا جاء عنوان المسلسل “كارما” وهي كلمة في الثقافة الهندية تشير إلى النتائج المترتبة عن أفعالنا.
في مسلسل “كارما” برعت النجمة ستيفاني صليبا في تجسيد دور الشخصيتين المتناقضتين هند وهايا، ليس عن طريق الهيئة فقط، وهو أمر يحسب في الحقيقة للـ”استايلست” مايا حداد، ولكن عن طريق الأداء وتقمص الشخصية ذاتها بكل مقوماتها وتناقضاتها على الجانبين.
لم يكن أداء بقية الفنانين المشاركين في المسلسل أقل إتقانا أيضا، وعلى وجه خاص دور السيدة أوديت الذي أدّته ببراعة الفنانة تقلا شمعون، فقد أجادت تجسيد دور المرأة القوية والفلاحة المتمسكة بأرضها، استطاعت شمعون أن تنقل لنا مشاعر الشخصية من دون تكلّف أو مبالغة، كذلك كان دور رجل الأعمال الذي جسده الفنان رفيق علي أحمد من الأدوار اللافتة في المسلسل.
ومن بين الأدوار اللافتة أيضا يأتي دور الفنان هشام أبوسليمان الذي أدّى دور عبدو الهبيلة، وهو مجنون الضيعة، الذي ينطق أحيانا بالحكمة، الدور يمثل أحد الأدوار الصعبة والمركبة وقد استطاع أبوسليمان أن يلفت إليه الأنظار منذ بداية المسلسل، وهو دور يحسب له ويمثل في الحقيقة إضافة فنية للعمل ككل، رغم كونه أحد الأدوار الثانوية.
ولا يخلو المسلسل من وجود بعض الثغرات ونقاط الضعف في ما يخص أداء بعض الممثلين، وكذلك الحبكة الدرامية التي طالتها بعض الانتقادات، غير أن العمل استطاع في النهاية أن يحظى باهتمام المشاهد نظرا إلى حالة التشويق التي ميّزت السياق في شكل عام، وكذلك الأداء الجيّد والحضور اللافت لمعظم المشاركين فيه.
يذكر أن مسلسل “كارما” يعد التجربة الإخراجية الأولى للفنان والكاتب اللبناني رودني حداد المعروف بانتقاءاته الدرامية وقلة مشاركاته، فخلال الأعوام الأربعة الماضية لم يقدّم حداد سوى ثلاثة أعمال درامية فقط، وكانت آخر إطلالة درامية له من خلال مسلسل “لآخر نفس” مع كارين رزق الله وبديع أبوشقرا.