وديع سعادة: العالم أقل جمالا من دون الشعر

توّج الشاعر اللبناني وديع سعادة بجائزة الأركانة التي يمنحها بيت الشعر في المغرب بدعم من وزارة الثقافة والاتصال ومؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير. وأقام بيت الشعر في المغرب حفلا خاصا بتسليم الجائزة أعلن فيه عن تقرير لجنة التحكيم التي اختارت وديع سعادة لنيل الأركانة بعد أن نال جائزة “ماكس جاكوب” الفرنسية الشهيرة.
الرباط - قال الشاعر اللبناني وديع سعادة إن “العالم يبقى أقل جمالا من دون الشعر”، وإن الشعر “يضيف إليه جمالا يفتقده”. وجاء ذلك خلال لحظة تتويجه، الأربعاء، بجائزة الأركانة العالمية للشعر في العاصمة المغربية الرباط. ومنح بيت الشعر في المغرب جائزة الأركانة برسم سنة 2018 للشاعر وديع سعادة، في حفل احتضنته المكتبة الوطنية في العاصمة الرباط، بحضور وزير الثقافة والاتصال وعدد من الشعراء والكتاب من المغرب والعالم العربي.
جائزة الشعر
أعلن أمين عام الجائزة الشاعر حسن نجمي في حفل تتويج سعادة أنه وقع الاختيار على الشاعر اللبناني المقيم في أستراليا من بين شعراء آخرين اتصلت بهم أمانة الجائزة. ثم قرَّ رأي لجنة التحكيم على الشاعر اللبناني، وهي اللجنة التي يرأسها الناقد المغربي عبدالرحمن طنكول، بعضوية كل من خالد بلقاسم ورشيد المومني ونجيب خداري ومراد القادري ورشيد خالص وحسن نجمي.
في كلمته في حفل تتويجه أدان الشاعر وديع سعادة الجوائز الأدبية العربية، حين ذهب إلى أن هذه الجوائز “تكاد تنحصر في الرواية ولا تلتفت إلى الشعر إلا في ما ندر، حيث تأتي الأركانة لتسدّ هذا الفراغ، ليس على المستوى العربي وحسب، بل على مستوى العالم”. كما أكد سعادة أن بعض الجوائز الأدبية العربية “تحكمها العلاقات العامة والمحسوبية أيضا، بينما الأركانة تنأى عن ذلك”.
تتويج تجربة شعرية يعتبر مزيجا مكثفا من البلاغة الرومنطيقية المتأخرة، ومن الفانتازيا والشذرية والسردي والسير ذاتي
ويعدّ وديع سعادة الشاعر الثالث عشر الذي يحصل على الجائزة، بعد الصيني بي بيضاو والمغربي محمد السرغيني والفلسطيني محمود درويش والعراقي سعدي يوسف والمغربي الطاهر بن جلون والأميركية مارلين هاكر والإسباني أنطونيو غامونيدا والفرنسي إيف بونفوا والبرتغالي نونو جوديس والألماني فولكر براون والمغربي محمد بنطلحة وشاعر الطوارق محمدين خواد.
وأكد رئيس بيت الشعر مراد القادري لـ”العرب” أن “تتويج شاعر عربي بجائزة الٍأركانة العالمية للشعر هو ارتقاء بالتجارب الشعرية العربية إلى العالمية، من خلال وضع أسماء شعراء عرب كبار ومرموقين إلى جانب شعراء عالميين فازوا بالجائزة في دوراتها السابقة”. وأضاف القادري أن “كل شاعر فاز بهذه الجائزة أضاف إليها معنى من تجربته وصوته ومزاجه، ووهب لها بعدا جماليا مغايرا ومختلفا”. بينما اعتبر مدير البيت أن وديع سعادة هو “الشاعر الذي لا يشبه أحدا، بينما يسعى الكثيرون للتشبّه به واقتفاء آثار خطوه الشعري”.
أركانة الشعر
من جهته، قال وزير الثقافة والاتصال محمد الأعرج إن جائزة الأركانة قد “تكرّست اليوم، واحدة من أْرقى الجوائز الشعرية المرموقة عبر العالم، وهي تحتفي بأعلام الشعرية الوطنية والدولية، وتحملهم إلى بوديوم التتويج، هنا في المغرب، أرض الشعر والشعراء”.
وإذا كانت هذه الجائزة الكبرى “تحمل اسم ‘الأركانة’، وهي شجرة عز نظيرها، ولا تنبت ولا تثمر سوى في المغرب”، يضيف الوزير “فها هي الجائزة تحرص على تتويج أسماء شعرية تتحلى بصفات شجر الأركان، حين تقدم لنا تجربة في الكتابة متفردة، ولغة شعرية متجددة. وهذا ما يصدق اليوم على الشاعر اللبناني الكبير وديع سعادة”. كما أعلن محمد الأعرج أن “تكريم صاحبِ “نص الغياب” بهذه الجائزة المرموقة، هو تحيةٌ مغربيةٌ للشعرية اللبنانية، التي تبقى واحدة من أهم التجارب المؤسسة لحداثة الشعر العربي.
ولفتت دينا الناصري، وهي مديرة مؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير، الجهة المانحة للجائزة، إلى أن الحرص على استمرارية هذه الجائزة هو “تأكيد على أهمية هذا الفن الجميل في تقريب مغربنا الشعري من نفسه ومن الآخر، والنهوض بمهمة الحوار الثقافي الإنساني بين الشعرية المغربية وغيرها من شعريات العالم، مهما تباينت حساسياتها الجمالية وتنوعت خلفياتها الفنية”.
في كلمته إثر تتويجه أدان الشاعر وديع سعادة الجوائز الأدبية العربية التي تكاد تنحصر في الرواية وتهمل الشعر
وعن تتويج وديع سعادة وتجربته الشعرية، أكدت الناصري أن هذا الشاعر قد “عمل، مدى ثلاثة عقود، على بناء عالم شعري له طابع الفرادة والتميّز”.
وارتأت لجنة التحكيم، في القرار الذي توصلت “العرب” إلى نسخة منه، إلى أن الشاعر وديع سعادة قد “قدم، طيلة نصف قرن، منجزا شعريا متفردا أسهم، بجمالياته العالية، في إحداث انعطافة في مسار قصيدة النثر العربية وفتحها على أفق كوني يحتفي بالشخصي والإنساني والحياتي”. وتواصل اللجنة التأكيد على خصوصية تجربة الشاعر، والتي تتمثل “في مزيج مكثف مدهش من البلاغة الرومانطيقية المتأخرة، ومن الفانتازيا، ومن الشذرية، ومن السردي والسير ذاتي..”. كما انتهى قرار اللجنة إلى أن “قصيدته انفلتت باكرا من إسار عمود الشعر لتلامس رحابة الشعر في نثر الحياة وتحررها وتمردها”.
وانتهى حفل تسليم الأركانة بقراءات شعرية قدم فيها صاحب الأركانة لهذه السنة نصوصا تمثل مراحل مختلفة من تجربته الشعرية، والتي استيقظت على فاجعة تراجيدية، منذ كان عمر الشاعر أربعة عشر عاما، حيث عاد إلى البيت ليجد أباه محترقا، وليجد جثه متفحّمة هنالك. وهي لحظة قاسية احترق فيها الأب مرة واحدة، واشتعل فيها الابن وديع سعادة شعرا قويا ونثرا مصرا على الحياة.
وصدرت للشاعر وديع سعادة مجموعة من الأعمال الشعرية، منذ ديوان “ليس للمساء أخوة” سنة 1981، ثم “المياه المياه” و”بسبب غيمة على الأرجح”، و”نص الغياب” و”تركيب آخر لحياة وديع سعادة”..، وصولا إلى أعماله الكاملة الصادرة سنة 2008، تلتها أعمال أخرى مثل “من أخذ النظرة التي تركتها أمام الباب”، و”قل للعابر أن يعود، نسي هنا ظله”. كما صدرت له بباريس مختارات شعرية بعنوان “نص الغياب وقصائد أخرى”.