منصات إساءة للطفل

تحتل قائمة خيارات مشاهدة التلفزيون هذه الأيام، بعضَ القنوات العربية الخاصة بعرض أفلام قديمة تتخللها إعلانات تصل بمدة عرض الفيلم إلى ثلاث ساعات، ومع ذلك، قد تجد لها جمهورا لا بأس به من المتابعين مثل التلاميذ في العطلات أو ربات البيوت، اللاتي يقمن بأعمال المنزل عادة على خلفية مشاهد الأفلام المبتورة بالإعلانات.
قبل أسابيع، استفزني إعلان لإحدى هذه القنوات للترويج لدواء معالجة السمنة أو خسارة الوزن في وقت قياسي وغير منطقي، وفي الغالب يروّج هذا النوع من الأدوية تحت مسمّى منتجات عشبية.
تسترعي مثل هذه الإعلانات اهتمام الجمهور بجميع شرائحه بعد أن أصبحت السمنة هاجسا يطارد إنسان العصر الحديث، مع ما يصاحبه من سلسلة من الأمراض والعوارض الصحية الخطيرة. لكن الإعلان المذكور أخفق مرتين، في مطابقته للشروط الواجبة مراعاتها والقواعد الواجبة لبث المعلومة والصورة؛ فقد استخدمَ طفلا ثم قام بالترويج لمنتج من بين قائمة لأعداد لا حصر لها من المنتجات مجهولة المصدر، غير مرخصة وغير مسموح بتداولها لاحتوائها على مواد شديدة الفاعلية غير مسجلة بالضرورة على علبة الدواء.
ما يهمني بصورة خاصة الطفل الذي ظهر في الإعلان بطريقة مهينة له؛ يبدو بأنه كان يعاني من زيادة في الوزن ثم خسر بعضا من هذه الزيادة لسبب ما، فظهر بصورتين على الشاشة الأولى قبل خسارة الوزن والثانية بعد الخسارة، في توظيف بشع لهدف الإعلان من دون مراعاة لكرامة هذا الطفل الذي يبدو أنه وقع ضحية أولياء أمور لا يشعرون بالمسؤولية وجهة إعلانية لا يهمها سوى تحقيق الربح.
بالتأكيد، لم يخسر طفل الإعلان وزنه بسبب دواء معالجة السمنة المزيف، لكن تم استغلاله لتحقيق هذا الهدف.
“إن وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي مليئة بالتعليقات والتلميحات المروعة والمهينة واللاإنسانية عن الأطفال الذين يعانون من زيادة في الوزن أو من مشاكل صحية أخرى”. لا يوجد قانون منصف يجعل من منصات الإنترنت أماكن آمنة لهؤلاء، كما أنه من المعيب أن نطلب منهم إيقاف تعاملهم مع وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها الحل الوحيد المطروح، في الوقت الذي لا يواجه المنتهكون أي عواقب نتيجة إساءاتهم المستمرة لهذه الفئة الضعيفة من المجتمع.
هذا تصريح لأم، تعرض طفلها الذي يعاني من السمنة وبعض المشاكل الصحية الأخرى إلى التنمر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
تطبق قوانين مكافحة التنمر على الإنترنت على نطاق ضيق في بعض دول العالم. قبل عامين مثلا، وافقت بعض مواقع التواصل الاجتماعي على وضع حدود ومعايير لمنع خطاب الكراهية لفئات معينة من المجتمع بالظهور على منصاتها، حيث لا يُسمح بالمحتوى الذي يهاجم الأشخاص على أساس عرقهم الفعلي أو المتصور أو السلالة أو الأصل القومي أو الديانة أو الجنس أو النوع أو الهوية الجنسية أو التوجه الجنسي أو الإعاقة أو المرض.
في الوقت ذاته يسمح بالتعبيرات التي تُنشر على سبيل الدعابة أو السخرية (مثال: النكات أو الأعمال الكوميدية القصيرة أو كلمات الأغاني الشعبية، وما إلى ذلك).
بالطبع، فإن فرز التعبيرات الساخرة من التعبيرات الجدية أو المستترة يعد مسألة معقدة، إذ لا يمكننا بسهولة تحليل خطاب المقابل، خاصة في العالم الافتراضي حيث تغيب عنا تعبيرات وجهه مثلا أو حركات جسده، وهي مؤشرات مفيدة في العادة لمعرفة نوايا الأشخاص، إضافة إلى ذلك، يتداخل تطبيق القوانين المتعلقة بخطاب الكراهية مع حق حرية التعبير. لكن الأمر أكثر خطورة عندما يتعلق بالتلفزيون والجهات الإعلانية التي تمول قنوات لا تمتلك أهمية تذكر عدا إصرارها على الإساءة لفئات ضعيفة في المجتمع، خاصة أن خطابها الجدي والمباشر يؤكد حالة الانتهاك هذه، وعلى الرغم من ذلك لا تجد من يتصدى لها.