تنّينٌ في سماء العرب

متى ما تمكّن سكان الشرق من التخلّص من أمراض التفكير، يصبح بإمكانهم أن يتحدثوا ويصغوا إلى ما يقولونه لبعضهم البعض. أما حين يصبح إيمان الواحد منهم بفكرة ما غير قابل للنقاش، حتى لو فعلت المستحيل، وقدمت آلاف الأدلة، فسيبقى محاورك على قناعاته، لأنه يردّ على أدلتك بما يفسدها كل مرة ليتمسك بفكرته.
حالات كهذه نتجت عنها لعبة من ألاعيب التفكير تسمّى مغالطة “ليس اسكتلنديا حقيقيا”. وتتمثل في قصة السيدة ماري التي قالت يوما في جلسة عشاء إن الاسكتلنديين لا يضعون السكر على حساء الشعير. فرد عليها جاك وهو ضيف على الطاولة أنه هو ذاته اسكتلندي ويضع السكر على حسائه، غضبت ماري وصرخت قائلة “لا يوجد اسكتلندي حقيقي واحد يضع السكر على الحساء”.
الواقع أن ماري لم تقبل أن تتخلى عن قناعتها، فقررت أن جاك، أساسا، ليس اسكتلنديا حقيقيا كي تنقذ قصتها، ناسفةً هوّية الرجل من جذورها.
رويت حكاية ماري وجاك لأشير إلى جدل لا ينبغي أن نضيّع أوقاتنا فيه بعد اليوم، مع من لا يمكن إقناعه. فالزمن يمضي إلى الأمام، ولا متسع فيه للذين يريدون إرجاع الساعة إلى الوراء.
وذات مرة، عبر تنّينٌ سماء العالم الفلكي والفيزيائي الأميركي كارل ساغان، وحين رآه صنع من صورته التي ارتسمت في عقله قصة عن حوار دار بين اثنين.
قال الأول: هناك تنّينٌ في مرآبي. فرد الثاني: حقاً؟ لنذهب ونلقي نظرة، يبدو ذلك مثيراً.
يذهبان إلى المرآب ويفتحان الباب ولا يجدان شيئا. فيسأل الثاني: أين التنّين؟ أنا لا أرى شيئاً. يجيب الأول بهدوء: هو تنين خفيّ لا يمكن لأحدٍ أن يراه. يفكر الثاني قليلاً ثم يقول: إذاً لنرمي الطلاء على الأرض، وعندما يمشي عليه التنّين ستظهر آثاره. فيقول الأول: لكنه تنّين طائر لا يلمس الأرض.
يفكر الثاني مجدداً ويقول: إذاً لنرمي بعض الدقيق في الهواء، وبذلك سيمكننا رؤيته يطير والدقيق عليه. فيقول الأول: لكنه تنّين غير ماديّ ولا يتأثر بالدقيق. فيتساءل الثاني عندها: لماذا إذاً قبلت أن تحضرني إلى هنا لأرى التنّين؟
وهكذا يصح السؤال ما الفرق ما بين تنّين طائر خفيّ غير ماديّ، وبين عدم وجود تنّين أصلا؟
أما نحن العرب فنضع السكّر في حساء الشعير، فقط لأن ماري هي التي قالت عكس ذلك، ونشهر المسدّس في وجه الرجل الثاني كي يعترف بأنه رأى التنّين بالفعل بأم عينه في المرآب. لا دقيق ولا طلاء ولا من يحزنون. وقد نروي أننا ربطنا التنّين بحبلٍ أمام الباب أيضاً.