سياسيون، تجار ومنجمون

المتنبئون بوقائع العام الجديد يشبهون ذاك الرجل الذي وضع لنفسه مهلة خمسين عاما يتمكن خلالها من تعليم حمار حاكم البلاد المستبد، القراءة والكتابة بل وحتى الغناء والعزف والباليه، وذلك مقابل مبلغ ضخم من المال يقبضه قبل أن يخضع الحمار لدروس تعليمية مكثفة وفق خطة بيداغوجية دقيقة يثق في ضمان نجاحها.
يُذكر أنه قد حاول قبله العشرات من المغامرين الطامعين في المكافأة المجزية، فكان مصيرهم القتل وفق الشرط الجزائي الذي وضعه حاكم البلاد.
صاحبنا أقدم على مغامرته هذه في التعهد بتعليم الحمار وهو مطمئن البال، مستندا في ذلك على بديهية مفادها أنه وفي غضون نصف قرن من الزمن، لا بد من أن يموت خلالها الحاكم أو الحمار أو هو، فيودع هذا العقد المبرم عندئذ طي النسيان، لذلك فالأجدر أن يستمتع بهذه المكافأة المغرية مستفيدا من الهامش الزمني العريض الذي تتبدل فيه الصروف والأحوال. جاء هذا المشروع المربح، والذي يستثمر في الرهان على الأعمار (أعمار الأفراد والدول والسياسات الاقتصادية على حد سواء) بعد ما يعرف في لغة القروض والمشاريع الاستثمارية بـ”دراسة جدوى إنتاجية” وهو الأمر الذي شجع الكثير من الناس في بلد مثل تونس على طلب قروض صغيرة ومتوسطة على أمل ألا تعود لمانحيها أبدا، مراهنين في ذلك على نفس ما راهن عليه صاحبنا، معلم الحمار القراءة والكتابة.
المتنبئون بأحداث العام الجديد يعلمون علم اليقين أن ترامب سوف يستمر في رعونته وعنجهيته، وأن الحالة السورية ستبدل في العديد من التحالفات والتوازنات كما يعرفون، وفق حقائق ثابتة، أن الطبيعة مستمرة في مزاجها المعكر. والعرّافون واثقون أيضا من أن البطون الخاوية في الدول الفقيرة لن تمتلئ فجأة بما لذ وطاب من الطعام والشراب.
المتنبئون بأبرز وقائع العام الجديد، وتغص بهم الشاشات والجرائد، هم من صنف السيناريست المحترف الذي يتقن فن التصعيد الدرامي تأزما أو انفراجا، مع مراعاة مبدأ المصادفة، وذلك دون الإخلال بمنطق سير الأحداث عبر الزج بالشخصيات في مصائر غريبة.
لذلك، وبناء على ما تقدم، فليس غريبا أن يتصادق الفلكيون والعرافون مع السياسيين وحتى الاقتصاديين منذ القديم وفق معادلة تشبه رمية النرد المستندة على فكرة استثمار المصادفات لصالحك، وكيفية حسن التصرف مع ما هو خارج إرادتك.
أما الأغرب من ذلك كله، أن تسير الشعوذات والغيبيات جنبا إلى جنب مع الرقميات والبورصات، وحتى التحقيقات الجنائية وأساليب التعامل مع الاحتجاجات الشعبية.. لا تستغربوا إن أخبرتكم بأن أحد رؤساء مخافر الشرطة في بلد عربي يذهب بالمتهمين إلى إحدى الزوايا الصوفية ليحلفوا أمام ضريح الولي الصالح، وأن حكومة عربية قالت للجحافل الغاضبة من غلاء المعيشة “إن الأرزاق يوزعها الله وحده”.