السيسي يستنهض المجتمع المدني لإنقاذ شعبيته المتراجعة في الأوساط الفقيرة

الحكومة المصرية تحاول الإيحاء بدفع الأغنياء ضريبة مجتمعية جديدة لضبط الدفة التي جاءت على حساب مصالح الفقراء.
الاثنين 2019/01/07
استمالة الطبقة الفقيرة

القاهرة – بدأ الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ ولايته الثانية في مارس الماضي مخاطبة شريحة من السكان المنتمين إلى الطبقة الفقيرة، غابت عن خطاباته السابقة، وانفلت زمامها بسبب موجات الغلاء التي طالت حياتها، نتيجة إجراءات وسياسات تحمل في ظاهرها إصلاحا اقتصاديا وفق آليات الرأسمالية المتوحشة، لكنها غضت الطرف عن حماية الفقراء وزادت معاناتهم، ما خلف وراءها بعض الروافد السياسية.

وتحاول الحكومة المصرية الإيحاء بدفع الأغنياء ضريبة مجتمعية جديدة، بما يرمي إلى تحقيق أهداف سياسية ظلت غائبة لفترة، تتعلق بضبط الدفة التي جاءت على حساب مصالح الفقراء، وهم الشريحة العظمى من المواطنين، الذين يرجح صوتهم وقت الانتخابات والتظاهرات كفة أي طرف سياسي.

وأطلق السيسي، الثلاثاء، مبادرة تحمل شعار “حياه كريمة” تستهدف استنهاض المجتمع المدني والمؤسسات العامة والخاصة، من شركات وبنوك ورجال أعمال لمواجهة العوز الذي ضم لمعسكره فئات وأعدادا كبيرة منذ توليه حكم البلاد في عام 2014.

ومن المتوقع أن يحمل استهداف الحكومة رجال الأعمال والضغط عليهم للقيام بواجبهم الاجتماعي، مردودات سياسية إيجابية في ظل تراجع شعبية السيسي لدى الأوساط الفقيرة.

كريم عبدالرازق: شعبية السيسي تراجعت بسبب الإصلاحات الاقتصادية القاسية
كريم عبدالرازق: شعبية السيسي تراجعت بسبب الإصلاحات الاقتصادية القاسية

وقال جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن” مبادرة السيسي الجديدة ترفع من شعبيته، ولا سيما إذا تم تفعيلها بشكل إيجابي، بالتزامن مع برامج تكافل وكرامة، وإضافة المواليد على بطاقات التموين، والتأكد من وصول الدعم إلى مستحقيه”. وأوضح لـ”العرب” أن توقيت المبادرة مناسب، لأن الفترة الأخيرة شهدت احتقانات مكتومة لدى طبقة الفقراء والمحتاجين، في ظل الحديث عن إمكانية رفع الدعم عن المواد البترولية خلال العام الجاري، فالفقير لا ينظر إلى المشروعات القومية، سواء قناة السويس أو غير ها، لكنه يريد أن يحصل على قوت يومه. وتابع “أسوأ ما يعاني منه الشعب المصري هو الحقد الطبقي، ومن ثم فإن مشاركة الحكومة والمجتمع المدني في المبادرة الجديدة تكون الحل الأمثل لمكافحة الطبقية في المجتمع”.

ومع أن المبادرة تنطوي على خير واعد للفقراء، إلا أنها تحمل المجتمع المدني ومنظمات ورجال الأعمال مهمة إنقاذ فئة تمثل ثلث الشعب المصري، وما عرضها للانتقاد أنها مهمة مقيدة بخطة حكومية، وإن كان تمويلها من رجال الأعمال.

ومنذ تولي السيسي الحكم، فإن جميع المشروعات التي أعلن عنها لا تخاطب فقراء مصر، بل تركز على عوائد محتملة في المستقبل، ما زاد من حالة الاحتقان لدى الفئات الضعيفة، وانضمام شرائح جديدة من الطبقة الوسطي إليها، والتي تآكلت بفعل الإجراءات الاقتصادية القاسية.

وقد ألزم صندوق النقد الدولي القاهرة بتجرع الدواء المر الذي عانى الفقراء من ويلاته على مدى عامين، ما سحب من رصيد السيسي لدى الكثيرين، بعد إلغاء الدعم وتحرير سعر العملة، مقابل الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار.

ومع أن الرأسمالية تحمل في طياتها برامج حماية للمعوزين، إلا أن تلك النقطة غابت عن القاهرة ما هدد شعبية الرئيس الذي التف المصريون حوله للخلاص من تداعيات حكم الإخوان.

وتصدر القاهرة برنامج تكافل وكرامة الذي يقوم بصرف معاشات شهرية للفقراء، لكن المدقق في تفاصيله يلاحظ أنه هش ولا يتناسب مع عدد فقراء البلاد، فميزانية البرنامج تصل إلى نحو مليار دولار ويستفيد منه فقط 2.2 مليون مواطن، بينما عدد الفقراء يتجاوز 30 مليون مواطن، فضلا عن أنه يقوم بصرف إعانات شهرية تتراوح بين 18 دولارا إلى نحو 25 دولارا كل شهر، وفق عدد أفراد الأسرة.

وقال مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية إن السيسي يريد أن يحمل منظمات المجتمع المدني مسؤولية مواجهة الفقراء، وهو أسلوب غير منطقي. وأضاف لـ”العرب”، “إذا كان الهدف شراء رضاء شعبي فلا بد أن تكون خطط حماية الفقراء اقتصاديا واجتماعيا نابعة من خطة حكومية واضحة ترصد لها ميزانية وتتواكب مع حجم وطبيعة هذه الفئات”.

وأطلق السيسي صندوق تحيا مصر مع تولي الحكم وبات هذا الصندوق قبلة رجال الأعمال والمؤسسات المالية العامة والخاصة بالبلاد، وتسابقت قطاعات عريضة بالتبرع له بهدف شراء رضاء سياسي، وتأكيد مساندتهم للرئيس.

 وأعتبر كريم عبدالرازق المحلل السياسي، أن مبادرة حياة كريمة إيجابية تعزز من التكافل في المجتمع المصري، وتدعو جميع مؤسسات الدولة إلى بذل
المزيد من الجهود لمضاعفة المسؤولية المجتمعية. وأوضح لـ”العرب” أن “الفقراء والمحتاجين تحملوا تبعات الإصلاح الاقتصادي في مصر، في حين تمنح هذه المبادرة الفقراء أولوية دون أن تحملهم أعباء”.

Thumbnail

وأشار عبدالرازق إلى أن نجاح المبادرة، مرهون بالمشاركة الفعالة من الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، بالقدر الذي يعود بالنفع على الطبقة المهمّشة، وهي فرصة لعودة شعبية السيسي في أوساط تلك الطبقة، التي فقدها بسبب إصلاحات اقتصادية قاسية زادت من متاعب الكادحين.

 لذلك تعدّ المبادرة ذات وجه سياسي، لأنها توحي للفقراء بأن رئيس الدولة يشعر بمعاناتهم، ويوجه رسالة إليهم بأن الدولة لن تتخلى عنهم. وتريد الفئات الأكثر احتياجا في مصر الحصول على معاش من برنامج تكافل وكرامة، وضم عدد منهم إلى دعم بطاقات التموين، خاصة ممن لم يحالفهم الحظ للاستفادة من هذا الدعم.

وحصر قدري أبوإسماعيل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، هدف المبادرة في زيادة المسؤولية المجتمعية للشركات تجاه الفقراء، بدعمهم ماديا أو من خلال بناء المستشفيات والمدارس. ولفت لـ “العرب” إلى أن “المجتمع المصري قائم بالأساس على التكافل، لكنه ضَعُف خلال الفترة الأخيرة بسبب غلاء المعيشة”.

وترمي المبادرة إلى رصد عدد المحتاجين، والذين يجب أن يتلقوا دعما نقديا، حال توقف الحكومة عن الدعم العيني في خطتها المستقبلية، والذي تحصل عليه فئات غير مستحقة.

ويصف محللون مبادرات 100 مليون صحة للكشف عن فيروس سي وأمراض الضغط والسكر، ثم حملة الكشف عن أمراض الأنيميا والتقزم بالمدارس والتي أطلقها السيسي للتركيز والإحاطة بالبسطاء، بأنها غير كافية للحصول على زيادة الرضاء الشعبي.

6