شركات التكنولوجيا تبحث عن قاع حفرتها العميقة

لندن – تجمع التقارير الدولية على أن السقوط المدوي لأسهم شركات التكنولوجيا وخاصة منذ بداية أكتوبر ليس مجرد عملية تصحيح للارتفاع الجامح المتواصل منذ سنوات أو نتيجة بيانات مخيبة للآمال.
كما أن مناوشات الرسوم التجارية التي أشعلها ترامب مع كثير من القوى الاقتصادية الكبرى وخاصة الصين، لا تكفي لوحدها لتبرير ذلك التراجع رغم تأثيره الكبير لأن الصين تصنع ما يصل إلى 90 بالمئة من جميع الأجهزة الإلكترونية في العالم.
وتشير التقارير إلى تحول كبير في السياسات المالية يكاد ينهي عهد التمويل السهل، إضافة إلى سباق دولي لمطاردة عوائد شركات التكنولوجيا العابرة للحدود، التي كانت بعيدة عن المراصد الضريبية.
وتختزل خسائر شركة أبل عمق الأزمة بعد أن فقدت أكثر من 400 مليار دولار من قيمتها السوقية لتنحدر قيمتها إلى أقل من 700 مليار دولار بعد أن حلقت إلى نحو 1.1 تريليون دولار في بداية أكتوبر الماضي.
حتى شركة مايكروسوفت التي أصبحت أكبر شركة في العالم انضمت إلى قائمة الخاسرين في الأسابيع الأخيرة.
ويبدو أن شركات التكنولوجيا الفتية نسبيا تنتظرها ظروف مختلفة، بعد أن استمتعت بفترة طويلة من سهولة الاقتراض بأسعار فائدة منخفضة وعالم منفتح بلا قيود على العولمة.
كما أن نموها السريع باغت العالم ولم تكن القواعد التنظيمية قادرة على رصد جميع عوائدها خاصة من الإعلانات والتطبيقات، لإخضاعها للضرائب لكونها عابرة للحدود وتستخدم مقرات في ملاذات ضريبية.
ويستبعد بنك التسويات الدولية أن تنحسر موجة الهبوط الحاد في أسواق الأسهم خلال وقت قريب في وقت يحاول فيه المستثمرون التأقلم مع تنامي تشديد السياسات النقدية ومخاطر حدوث تباطؤ اقتصادي عالمي.
وشهد العام الحالي انخفاضات كبيرة في الأسهم الأوروبية والآسيوية والأميركية التي تحول أداؤها للعام الحالي إلى التراجع بعد ارتفاع لعشر سنوات.
وبلغت المخاوف بشأن نمو الاقتصاد العالمي ذروتها مع بداية الربع الأخير من العام الحالي بسبب تصاعد ضجيج الحرب التجارية وتشديد البنوك المركزية للسياسات النقدية والتسابق لإنهاء برامج التيسير المالي، التي أغرقت الأسواق بالسيولة لنحو 10 سنوات.
ونسبت وكالة رويترز الأسبوع الماضي إلى كلاوديو بوريو رئيس القسم النقدي والاقتصادي لدى بنك التسويات الدولية قوله إن “توترات السوق التي شهدناها خلال الربع السنوي الأخير لم تكن حدثا معزولا”.
وأشار في مراجعة فصلية صادرة عن البنك إلى أن “تطبيع السياسة النقدية لا بد أن يشكل تحديا في ضوء التوترات التجارية والضبابية السياسية”.
ومن بين التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي، احتمال ارتفاع التضخم واتساع “السحابة القاتمة” لديون الشركات الأميركية منخفضة التصنيف في سوق مستنزفة وفي ظل ضعف القطاع المصرفي الأوروبي.
وتحبس الأسواق أنفاسها وهي تراقب الزيادات المطردة لأسعار الفائدة الأميركية، التي ستقلص السيولة المتاحة بالدولار، العملة المفضلة للتمويل العالمي. ومن المرجح أن يتفاقم ذلك مع تشديد السياسات المالية في كتل اقتصادية أخرى مثل الاتحاد الأوروبي.
وتتباين آراء الخبراء والمحللين في تبرير السقوط السريع لأسهم التكنولوجيا حين يدخلون في متاهة العوامل الآنية المحبطة في المناخ التجاري الدولي والتغييرات الجديدة في طبيعة اللوائح التنظيمية التي يمكن أن تنهي مرحلة ازدهار أسهم شركات التكنولوجيا.
وتشير التقديرات إلى أن شركات مثل غوغل وفيسبوك تحقق عوائد بمليارات الدولارات من خلال الإعلانات في بعض الدول لكنها لم تكن تدفع أي ضرائب تذكر بسبب وجود مقراتها في دول أخرى.
ويبدو أن موجة التخلي عن أسهم شركات التكنولوجيا، الذي أدى لتلك الخسائر، تأخذ في الاعتبار انتباه الكثير من الدول للثغرات الضريبية وهي تحاول إغلاقها عبر رصد الإيرادات التي تحققها الشركات على أراضيها.
وفرض الاتحاد الأوروبي غرامات على الشركات بسبب تهربها من الضرائب أو حصولها على إعفاءات ضريبية تنتهك قواعد المنافسة العادلة وكان أبرزها مطالبة جمهورية أيرلندا باستعادة إعفاءات ضريبية قدمتها لشركة أبل بقيمة 14 مليار دولار.
وينهمك الأوروبيون بوضع تشريعات لإجبار الشركات على دفع نسبة عادلة من الضرائب في الدول التي تحقق إيرادات كبيرة فيها بعد أن أصبح مفهوم السيادة رائجا.
ولم تنتظر فرنسا صدور التشريعات الأوروبية الموحدة، وسارعت إلى الإعلان عن فرض ضرائب على شركات التكنولوجيا العابرة للحدود اعتبارا من بداية العام المقبل.
وتؤكد تلك العوامل مجتمعة أن العصر الذهبي لشركات التكنولوجيا يقترب من نهايته بعد أن بدأت السلطات المحلية برصد إيراداتها التي كانت خفية لوقت طويل.