مسرحي سوري يقتحم الإخراج التلفزيوني بمسلسل عن البيئة الشامية

“شوارع الشام العتيقة”، هو أول مسلسل تنتجه المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني في البيئة الشامية، بمحاولة جريئة منها للدخول في هذا الاتجاه، والنص كتبه الشاب علاء عساف، ويخرجه غزوان قهوجي في أولى تجاربه الإخراجية بعد اثني عشر عاما كانت في مهنة المخرج المنفذ في العديد من أعمال الدراما السورية.
دمشق - يتحدث المسلسل التلفزيوني الجديد “شوارع الشام العتيقة”، الذي يتمّ تصويره حاليا بالعاصمة السورية دمشق، عن أجواء مدينة دمشق في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين، وما تمرّ به البلاد حينها من ظروف سياسية واجتماعية مضطربة، لترصد من خلال شخصية أبوعرب (رشيد عساف) الحال التي كانت عليه.
وأبوعرب هو شخص يحاول أولا ألاّ يدفع بالناس للحرب حفاظا على الحياة والمال، لكنه يعاني الكثير من جرّاء ذلك، فيتعرّض للغدر من أناس في الحي ذاته ومن خارجه، حيث يتعرّض بيته وأسرته للخطر، ومع ذلك يقاوم حتى عندما يمرض، وفي لحظة ما يجد نفسه مع كل أهل حيّه في مواجهة عسكرية مع المحتل الفرنسي.
قدّم المخرج غزوان قهوجي هذا العمل الذي يعدّ أول أعماله الإخراجية للتلفزيون، فيقول “أعمال البيئة الشامية كانت وما زالت صاحبة رواج كبير في بيئتنا ومحيطنا العربي، كانت جواز السفر الذي به عبر المواطن السوري ليكون في أماكن بعيدة عن ظرفه المأساوي الذي كان عليه أثناء السنوات الشداد، وكذلك كانت جواز سفر لنا في الوصول لقلب المشاهد العربي عموما، من هذا الفهم وكون العمل سيشاهد عربيّا، كان هدفنا تقديم بعض الأفكار التي نريد الوصول إليها، والتي تتمتع بالرشاقة والذكاء، اعتمدنا هذا الشكل منبرا للوصول لأهدافنا في المرحلة القادمة لكي نرد على الاعتراضات المنطقية التي تجابه بها الأعمال الشامية، والتي تتمحور بنمطية محددة تظهر عليها الشخوص، سواء كانت ذكورا أو إناثا، علاء عساف كتب نصا جيدا، ليس فيه هذه المطبّات التي نجدها في أعمال أخرى، هناك طروحات جديدة نتمنى أن نصل بها إلى النجاح، الشخصيات في هذا العمل ليست أحادية الجانب، فهي تمتلك حضورا عميقا وليست نمطيّة وهذا ما أعطاني آفاقا أوسع في التعامل مع الممثلين”.
ومسلسل “شوارع الشام العتيقة” يشارك فيه نخبة من نجوم الفن في سوريا منهم: صباح الجزائري، صالح الحايك، بسام لطفي، مرح جبر، ليث المفتي، يحيى البيازي، ولاء عزام وآخرون، وهو عن سيناريو وحوار الكاتب الشاب علاء عساف.
وعن عمله ضمن مشروع “خبز الحياة” الذي تنتجه المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني السوري، يقول “هذا المشروع كبير وهام في تاريخ الدراما السورية، عندما طرحه زياد الريس، مدير عام المؤسسة، اهتم به كثيرون، لأنه أعاد هذه المؤسسة لأبنائها، المشروع يقوم ببساطة على أنه يمكننا من خلال عملية إنتاجية مختلفة تتضمن أن يقوم الكثير من نجوم الفن سواء كانوا فنانين أو مبدعين آخرين بأن يقبلوا بتخفيض أجورهم نسبيا، لكي نستطيع بأرقام أقل إنتاج أشياء أهم والقيام بأعمال أكثر، وبالتالي إنتاج المزيد من الأعمال وإتاحة الفرصة للعديد من الناس للعمل في مشاريع كانت مجمّدة لعدم وجود التمويل المناسب”.
وبذلك كما يوضّح المخرج السوري “امتلكت المؤسسة بهذا المشروع مرونة المنتج، فكونها مؤسسة حكومية لا يعني أن تنتج الأعمال التي ترفع الشعارات فحسب، بل لا بد من إنتاج ما هو رائج تسويقيّا لذلك اتجهت نحو هذا المشروع الجميل والمفيد”.
التعلم من الرواد
لا يرى غزوان قهوجي أن عملا واحدا أو حتى مجموعة أعمال يمكنها أن تحقق مقولات كبرى، فيقول “لا أرى أن عملا واحدا قادر على أن يقول شيئا جوهريا، ولا حتى مسيرة حياة مخرج، لأن الإنسان متغيّر بين فترة وأخرى، الموقف ببساطة أنني من الناس الذين قرّروا البقاء في البلاد، وقرر أن يعمل مع غيره من الناس لإيجاد فن بمواصفات جيدة، لكل عمل مقولته ولا أسجل موقفا ضد أحد أو مع أحد، نحن هنا نعمل، ما يهمّنا وسط حالة الفوضى العارمة التي تحيط بنا أن نبقى على تماس مباشر مع العمل وأن نقدّم مزيدا من الجهد عبر الكوادر التي تؤكد يوما بعد يوم أنها مصرّة على تقديم الجدّي والنبيل”.
وعن رهاناته على مسلسل “شوارع الشام العتيقة” ومقدار ما يطمح إليه من خلاله، يقول “أتمنى أن أصل لقلوب الناس وأن نعمل على تشكيل شلة بالمعنى الايجابي، نحن نبني جزءا من جهد كبير لكي ننجح لاحقا، كما كل الفنانين لا ندعي شرف أننا نصلح شيئا، لكننا نعمل على كل حال ونسعى للوصول لقلوب الناس ومحبتهم من خلال ما نقدّمه”.
وعن عمله مع الفنان رشيد عساف في أولى تجاربه الإخراجية التلفزيونية، يبيّن “بعد عملي مع الفنان الكبير رشيد عساف، اتضحت لي أمور هامة، تتعلق بتفاصيل العمل وأدبياتها التي يتعامل بها هؤلاء، هي دعوة إلى الأجيال الجديدة أن نحافظ على الكبار الذين نتعلّم منهم يوما بعد يوم، الأجيال الكبيرة عظيمة الالتزام بالعمل ومواعيده، عساف كان حريصا على معرفة الشريك ومواقع العمل والاهتمام بالتفاصيل لدرجة كبيرة، نحن ما زلنا نتعلّم منهم الكثير وهم قمم فنية وإنسانية، رشيد عساف كان طاقة إيجابية كبرى في هذا العمل”.
بين المسرح والتلفزيون
غزوان قهوجي الذي أخرج منذ فترة وجيزة عملا مسرحيا بعنوان “السيرك الأوسط” لا يجد في ذلك تغيّرا نوعيا كبيرا، فالمسرح والتلفزيون منبران لنتاج إبداعي واحد، كما يوضح “عملت في المسرح طويلا، ولكن المهنة التي أعيش منها هي الإخراج التلفزيوني، وقد قدّمت جهدا على امتداد ما يزيد عن عشر سنوات في ذلك”.
وجاء العمل الأول له لمؤسسة الإنتاج الحكومية، فكان الخيار عليه بأن يقوم بإخراج أول أعمالها في هذا الاتجاه، ويوضح “شخصيا مشروعي هو المسرح، الذي امتلك فيه أحلاما كبيرة وكذلك هواجس، لكنني أستطيع أن أكون مخرجا تلفزيونيا، وها أنا أقدم على هذا العمل في الوقت الحالي، وبداخلي طموح اقتحام عالم السينما، كوني لا أرى نفسي جاهزا لأقدّم فيلما سينمائيا الآن”.
ويعترف أن الطريق إلى السينما يحتاج للكثير من المعرفة والعمق والدراسة، والتلفزيون بالنسبة له هو طريق للوصول إلى السينما، من خلال تعلّم كيفية إدارة الموقع أو الكاميرا والممثل، لكن السينما لها شأن آخر تماما.
ويختم غزوان قهوجي حواره مع “العرب”، بقوله “هذا الكلام ليس تواضعا، بل هو نابع من معرفتي تماما لموقعي الإبداعي والمعرفي حاليا، كوني ابن مسرح أستطيع أن أقول أنني جئت للتلفزيون بمشروع مختلف هو إدارة الممثل، وهو المختلف الذي
أراهن عليه في ما أقدّمه تلفزيونيا، قدّمت في هذا العمل كل طاقتي وجهدي، وأنا أشكر كل من عمل فيه بمفهوم الشراكة، لم نعمل على مبدأ النص أولا أو النجم أو المخرج أو الفني، كنّا كلنا، وآمل أن نصل جميعنا إلى النجاح المطلوب”.