الإعلام المصري يدخل متاهة المصالح المهنية المتضاربة للقائمين عليه

القاهرة - شنّت صحيفة وموقع “اليوم السابع” المملوكة لشركة إعلام المصريين هجوما شديدا، الاثنين، على من وصفتهم بـ“شلة المنتفعين والمحتكرين للإعلام” ومن قبضوا وتربّحوا منه على حساب صغار العاملين، بطريقة أثارت الجدل وأشارت إلى وجود رسالة سياسية خلف التقرير إلى أطراف معيّنة.
ومن المستغرب أن تأتي الانتقادات الحادة من الشركة التي تستحوذ على غالبية القنوات الفضائية والصحف والمواقع الخاصة، لأنها كانت حريصة على انتقال ملكيتها بطريقة هادئة من رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة إلى المجموعة الاستثمارية “إيجل كابيتال” في ديسمبر الماضي، كي تكتمل منظومة السيطرة على كثير من وسائل الإعلام الخاصة.
وقال مصدر قريب من دوائر حكومية معنية بترتيب المشهد الإعلامي لـ“العرب”، إن “التلويح بكشف المستور عن فساد الملاك القدامى للفضائيات والصحف الخاصة وبعض الإعلاميين، دفاع ضمني عن الاستحواذ على أكثر الكيانات الإعلامية، لكنّ جزءا من ذلك أيضا، يحمل ترهيبا لشخصيات خرجت من المشهد، وكانت لديهم مصالح مشتركة مع رموز أنظمة سابقة”.
وجاء تقرير اليوم السابع، السبت، بعد أيام قليلة من انتقادات عنيفة وجّهها عدد من الكتّاب والصحافيين، تصبّ في مخاطر احتكار السيطرة على الإعلام من قبل جهات غير متخصصة، وأنّ الصوت الواحد الذي تطرب له الحكومة حاليا سوف يقود إلى أزمات كبيرة.
وأشار الكاتب في صحيفة الأهرام الحكومية فاروق جويدة في مقال مثير كتبه الجمعة الماضي، بعنوان “لماذا غابت لغة الحوار بيننا”، إلى أن “الدولة اختارت الطريق الخطأ وهي تسعى إلى السيطرة على الإعلام، ولجأت إلى امتلاكه وليس إصلاح مساره، وتخلّت عن نماذج كثيرة مؤثّرة طمعا في تأييد أكبر، وكانت النتيجة إعلاما أسوأ في أسلوبه وشخوصه وأهدافه”.
وكتب المؤلف والسيناريست وحيد حامد في صحيفة المصري اليوم مقالا، الأحد، بعنوان “من أسباب الحزن”، قال فيه “إنه من المؤسف حقا وبعد أن صار الإعلام في قبضة الدولة من جديد، فقد تخلّى عن القواعد الإعلامية الثابتة والتي لا يجوز تغييرها، ولأن الإعلام الآن في قبضة غير المتخصصين، فإنه سقط في حفرة عميقة، الخروج منها ليس بالأمر الهيّن”.
في اليوم ذاته، كتب أيمن الصياد الصحافي والمحلل السياسي، بصحيفة الشروق الخاصة، مقالا بعنوان “الصحافة حين تسأل”، قال فيه “إن الصحافة الحرة تكسب أي معركة مع المصداقية، ولا تكسبها صحافة البيانات الرسمية، لا توجد دولة قوية بلا حكم رشيد، ولا يوجد حكم رشيد بلا شفافية ومحاسبة، ولا توجد شفافية ومحاسبة بلا صحافة حرة، وحرية حقيقية للرأي والتعبير”.
توسع شركة إعلام المصريين جاء على حساب محطات فضائية وصحف تركتها الحكومة تغرق وتواصل التردي
وسبق هذه المقالات أن كتب الإعلامي مفيد فوزي، مقالا بصحيفة المصري اليوم، في سبتمبر الماضي، بعنوان “إلى حمدي رزق (رئيس التحرير آنذاك): هل أنت رقيب علينا؟”، قال فيه “إني أعجز عن الإجابة على أسئلة الناس، وفئة من البشر تتصوّر أنّ أيّ نقد للنظام معناه إبعادي عن الكتابة، وهناك معنى سخيف يقول ‘يا تطبل يا تسكت’، وأشعر أننا في حرب، ومازالت خارطة الإعلام غامضة، ولا أعرف من يرسمها، وهل هم احترافيون؟”.
وكان المتحدث العسكري السابق للقوات المسلحة، العميد محمد سمير، كتب بموقع صحيفة فيتو، مقالا أكثر ضراوة في 31 يوليو الماضي بعنوان “النموذج الفاشل”، قال فيه “إن لعبة المصالح التي أوصلت ممارستها البغيضة حال الإعلام في بلادنا إلى أن يصبح أكبر (صفر) في حياتنا، والنموذج الأفشل على الإطلاق بشهادة جميع المتخصصين النابهين”.
وأضاف المصدر الإعلامي لـ“العرب” أن هناك كيانات إعلامية كان اقتصادها يقوم بالأساس على توظيف الأموال وتدّعي الأزمة الاقتصادية للتغطية على الأمر، وأخرى أُنشئت لتوسعات حزبية للهيمنة على المشهد السياسي وتعظيم النفوذ، مثل فضائية “الحياة” التي كان يمتلكها رجل الأعمال السيد البدوي واستخدمها أداة لدعم مرشحي الحزب في انتخابات مجلس النواب الماضية، فضلا عن فضائية “أون.تي.في” التي كانت مملوكة لرجل الأعمال نجيب ساويرس رئيس حزب المصريين الأحرار سابقا، ولم يكن يظهر عليها سوى مرشحي الحزب.
وجاء توسّع شركة إعلام المصريين على حساب المحطات الفضائية والصحف التي تركتها الحكومة تغرق في أزماتها المالية وتواصل التردي، ووقفت داعمة لهذه الشركة، أملا في تقديم إعلام أحادي يعبّر عن وجهة النظام، ويحاول تلافي أخطاء المرحلة السابقة، دون الدخول في سياسات وعرة بشأن إعادة هيكلة المنظومة الإعلامية المختلة في مصر.
وأوضح عمرو قورة، المنتج التلفزيوني والخبير الإعلامي لـ“العرب”، أن سرعة الرد من إعلام المصريين يبرهن أن هناك أزمة كبيرة يعاني منها الملاّك الجُدد للفضائيات، ولا بد من هجوم مضادّ لإقناع الأجهزة التي تشرف على عملها أنها تسير في الطريق السليم.
وأكد أن الإدارة الجديدة أغلقت بعض القنوات وخفّضت مصروفات البعض الآخر وقلصت ميزانيات الإنتاج وأجور المذيعين، غير أنها مازالت تعاني من الخسارة ولكن بأرقام منخفضة.
ويواجه الإعلام المصري أزمة أخرى تتمثّل في غياب وسائل قياس نسب المشاهدة بعد أن رفض المجلس الأعلى للإعلام عمل الشركات العالمية في مصر، ولم تحل بدلا منها شركات مصرية محلية وبالتالي فإن المعلنين يرفضون وضع ميزانيات مرتفعة ما أدى إلى الانحسار بشكل كبير، وانصراف الجمهور عن الفضائيات والصحف.
ورأى مروان يونس، خبير الإعلام السياسي، لـ“العرب”، أن نتائج تجربة إعلام المصريين يصعب تقييمها فقط بعد عام ونصف العام من عملها، وحالة السجال الموجودة قد تكون لها آثار إيجابية لوقف السياسات الحالية والارتكان إلى أخرى بديلة تعيد الفضائيات إلى مسارها الطبيعي.
وقال إن أزمة الإعلام المصري ترتبط بمضمون الرسالة التي يقدّمها وتغيب فيها الجرعات الثقافية التي يحتاجها الجمهور للحفاظ على هويته وتوعيته بشكل سليم، وأنّ تداخل السياسي (والأمني) في تحديد شكل المحتوى يؤدي إلى حالة الفراغ التي يعاني منها حاليا.
خارطة الفضائيات المصرية
شركة إعلام المصريين: تستحوذ على غالبية سوق الإعلام المصري ومملوكة لشركة “إيغل كابيتال للاستثمارات”، وتديرها داليا خورشيد وزيرة الاستثمار السابقة، وتنضوي تحت إداراتها:
- مجموعة “المستقبل القابضة للإعلام والاتصالات”، وتملك شبكة قنوات “سي.بي.سي” وتضم: قناة سي.بي.سي العامة وقناة سي.بي.سي دراما وقناة سي.بي.سي اكسترا الإخبارية، بالإضافة إلى قناة سي.بي.سي سفرة المتخصصة في برامج الطبخ.
- شبكة قنوات الحياة (العامة والمسلسلات).
- قناة العاصمة.
- شبكة قنوات “أون” وتضم قنوات (أون أي العامة، و”أون سبورت” الرياضية).
- تملك الشركة 17 كيانا إعلاميا، بين موجات إذاعية على رأسها “شبكة راديو النيل”، وعددا من الصحف والمواقع منها: اليوم السابع، صوت الأمة، دوت مصر، العين، إيجبت توداي، بيزنس توداي، بجانب شركات إنتاج سينمائي ووكالات إعلانية وشركات متخصصة في التسويق الإلكتروني وأخرى في التصميم، وتسيطر عبر شركة “بريزنتيشن” على تسويق الحقوق الرياضية في مصر.
- شركة دي ميديا.. ويرأس مجلس إدارتها طارق إسماعيل مالك راديو 9090 “الخاص”، وتملك قنوات:
- شبكة قنوات دي.أم.سي ( العامة والدراما)، قبل أن تقرر غلق قناتها الرياضية وتتعثر في إنشاء القناة الإخبارية.
- راديو “9090”.
- موقع مبتدأ الإلكتروني.
- شركة ترنتا.. ويرأس مجلس إدارتها الإعلامي علاء الكحكي وتملك: شبكة تلفزيون النهار (العامة والدراما).
- شركة دريم للإعلام.. ويرأس مجلس إدارتها رجل الأعمال أحمد بهجت وتمتلك قناة دريم.
- مجموعة شركات سما.. ويرأس مجلس إدارتها رجل الأعمال حسن راتب وتملك: قناة المحور.
- شركة تي. إن.هولدنجز.. ويرأس مجلس إدارتها المنتج الإعلاني طارق نور وتملك: قناتي (القاهرة والناس – القاهرة والناس 2).