سينما بالقاهرة تكشف حاجة الجمهور لأعمال تخاطب العقول

قاعة "زاوية" تمثل نقطة مضيئة وسط العشرات من دور العرض الموجودة في محيطها بمنطقة وسط القاهرة، لكن الأخيرة تعاني ركودا في الإقبال عليها.
الأربعاء 2018/10/03
"الزاوية" تعيد الاعتبار للأفلام القديمة

في الوقت الذي تئن فيه صناعة السينما المصرية جراء ضعف الإقبال على الأفلام الحديثة داخل دور العرض وسرقتها عبر منصات إلكترونية، يبدو الوضع مختلفا في سينما “زاوية” المستقلة، حيث تزايد زحام الشباب عليها وتهافتهم لحضور عروض سينمائية خاصة كل يوم، ما أثار جدلا واسعا في الأوساط الفنية حول هذه الظاهرة الملفتة.

القاهرة- احتفلت “زاوية” منتصف سبتمبر الماضي بافتتاح مقرها الجديد داخل سينما “كريم” بشارع عماد الدين في وسط القاهرة، وتمكّنت من استيعاب أعداد كبيرة من الشباب المهتمين بالفنون بشكل عام، ما دفعها إلى استعادة شعار “كامل العدد”، في عروضها المختلفة.

ونظمت السينما ذاتها أول مهرجان في مقرها الجديد على امتداد عشرة أيام حمل عنوان “برنامج يوسف شاهين.. النسخ المرمّمة”، وتم عرض عدد من الأفلام منها “عودة الابن الضال” و”الأرض”، قبل أن يتم عرض الفيلم الروائي "يوم الدين" الذي شارك في المسابقة الرسمية في مهرجان كان السينمائي 2018 واختارته مصر لتمثيلها في التنافس على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، كما نظمت أيضا وعلى امتداد أسبوع ملتقى السفارات الإيبيرو أميركية في مشروع مشترك لعرض 13 فيلما بالإسبانية والبرتغالية، مترجمة باللغة الإنكليزية.

وعرضت السينما نحو 20 فيلما للمخرج المصري الراحل يوسف شاهين، كان فيها الجمهور مزدحما وشغوفا بالمشاهدة، كأنه بحاجة إلى استدعائه فنيا وسياسيا ليشاهد ما فعله سينمائيو اليوم وما يقدمونه من قضايا سطحية.

وأكدت الناقدة الفنية ماجدة خيرالله لـ”العرب”، أن النجاح الذي حققته تلك السينما من قبل انعكس على ظهور كيانات مشابهة في مناطق متفرقة منها “بدايات” و”نادي السينما”، وهي تسير على نفس النهج المرتبط بخلق حالة من التواصل بين صناع السينما والجمهور، وهو أمر يقدم عليه الشباب من الساعين لمعرفة تفاصيل الماضي والاستفادة منه وتوظيفه في الوقت الحاضر.

ماجدة خيرالله: الشباب يسعون لمعرفة تفاصيل الماضي وتوظيفه في الحاضر
ماجدة خيرالله: الشباب يسعون لمعرفة تفاصيل الماضي وتوظيفه في الحاضر

وتمثل “زاوية” نقطة مضيئة وسط العشرات من دور العرض الموجودة في محيطها بمنطقة وسط القاهرة، لكن الأخيرة تعاني ركودا في الإقبال عليها، وهجرا من جانب جمهور السينما لصالح دور عرض حديثة تنتشر في المراكز التجارية الكبيرة.

وتقوم فكرة السينما على ترميم الأفلام التراثية القديمة والمحفورة في ذاكرة الملايين من المصريين وإعادة تقديمها مرة أخرى في شكل سينمائي جذاب وبأسعار زهيدة، وتهتم بعرض الأفلام التي لا تلقى حضورا داخل دور العرض الرسمية، أو ما يمكن تسميتها بـ”أفلام المهرجانات”، وتقديم مختارات سينمائية عديدة من دول متعددة، منها أفلام قصيرة وتسجيلية وروائية وتجريبية.

وتشكَّل تجمّع للعديد من المهتمين بصناعة السينما، من خلال تنظيم ورش عمل وندوات تهدف إلى تحويل العرض السينمائي إلى مادة علمية يمكن الاستفادة منها، وينظم القائمون عليها ندوات عقب نهاية العروض لمناقشة الأفكار وطرق التصوير والمؤثرات الصوتية في العمل.

وأكدت علياء أيمن، وهي واحدة من مؤسسي سينما “زاوية”، أن 80 بالمئة من جمهور “الزاوية” ينتمي لفئة الشباب، وهو أمر قصده القائمون على التجربة من المنتمين لنفس الجيل والحقل السينمائي، وهناك تدقيق للأعمال المختارة بحيث تتماشى مع فكر الشباب وتطلعاتهم الفنية والثقافية.

وأضافت لـ”العرب”، أن السينما تشهد إقبالا بشكل كبير في حالة المهرجانات التي تنظمها على مدار العام، ويركز أغلبها على أفلام مشروع الترميم وتكون قديمة، أو الأفلام الأجنبية غير المنتشرة داخل دور العرض الرسمية، وتسعى لإعادة تقييم تلك الأعمال حاليا عبر الاستعانة بعدد كبير من السينمائيين. ويبدأ التزاحم حول السينما قبل ساعة تقريبا من بدء عرض الفيلم مساء، في محاولة للبحث عن تذكرة عبر نافذة يقف أمامها الجمهور في صف طويل، فقد تحوّل العرض إلى ملتقى سينمائي.

وقال محمد عصمت، وهو شاب يحرص على الحضور للزاوية بشكل مستمر، إن السرّ وراء الإقبال يرجع إلى دقة اختيار المضمون، بغض النظر عن أسماء الفنانين المشاركين في الأفلام، ودفعت القوة الفنية للمشروع الجمهور إلى الذهاب إليه، وأحيانا تتحول السينما إلى أكاديمية فنية عملية يمكن من خلالها التعرف على صناعة المحتويات الفنية الناجحة.

وأضاف لـ”العرب”، أن سينما “زاوية” تعرض مجموعة من الأفلام لا تتوفر جودتها الفنية في الوقت الحالي، وتركز على عرض الأعمال الكاملة لمجموعة من رواد صناعة السينما المصرية والعالمية، يحرص الشباب على متابعتها جميعا، خاصة من المهتمين بالأعمال الفنية.

وكانت أفلام المخرجين داود عبدالسيد ومحمد خان ورأفت الميهي حاضرة في ثلاثة مهرجانات متفرقة مؤخرا، ضمن مشروع الترميم الذي أطلقه القائمون على السينما بمشاركة عدد من شركات الإنتاج المحلية والأجنبية.

ويقوم مشروع الترميم على معالجة الصورة والمؤثرات الصوتية الخاصة بالأعمال القديمة، وتنقيتها من الشوائب التي تعرضت لها النسخ التي عرضت قبل سنوات طويلة، ولاقت التجربة ترحيبا من القائمين على صناعة السينما بمصر، في وقت تعرضت العشرات من الأفلام للتلف، وطالبوا بتبني التجربة باعتبارها مشروعا للحفاظ على التراث القديم.

80 بالمئة من جمهور "زاوية" ينتمي لفئة الشباب الرافضين للأفلام التجارية

وأكد بيشوي لمعي، أحد كتاب السيناريو الشباب، أن مشروع التجديد يعد أحد الأسباب التي تجعل من مشاهدة الأفلام القديمة أمرا مختلفا، فهناك رغبة في معايشة تجربة مشاهدتها داخل السينما، والاستمتاع أكثر بالتصوير والإخراج والموسيقى والمؤثرات الصوتية مع وجود مكونات مختلفة للعمل الفني.

وأوضح لـ”العرب”، أن الشباب بشكل عام لديهم حرص على معايشة ومشاهدة الأفلام القديمة، واستمرار الإقبال يدل على أن هذه الأعمال أثرت في الوجدان فعلا، عكس الأعمال الحالية التي تشهد تمردا من الشباب عليها، وهو أمر لا يقتصر فقط على جودة الأعمال المعروضة وإنما يمتد أيضا إلى النخب الثقافية التي تسيطر على صناعة السينما.

ويرى البعض من النقاد أن تقلص هامش الحريات انتقل إلى المضمون السينمائي، ما خلق حالة من عدم الثقة من قبل قطاع عريض من الشباب في ما يُقدم حاليا، وأصبح الهروب من الواقع ومؤثراته حلا للتنفيس عمّا بداخلهم من طاقات لم تجد من يستوعبها بشكل سليم.

16