حظر الفنان الفلسطيني

تقام المهرجانات السينمائية في أجواء من الحرية والحب والسلام، فهي أحداث ثقافية فنية هدفها الاحتفال بالسينما ومبدعيها، وفنان السينما قد يكون له موقفه ورأيه الذي قد لا يعجب البعض، لكن لا يفترض أن يتم الحكم على دوره في السينما من خلال مواقفه من القضايا العامة.
الممثل الفلسطيني علي سليمان فنان مرموق تألق في عدد كبير من الأفلام منها “من ألف إلى باء” و”المختارون” للمخرج علي مصطفى، و”زنزانة” للمخرج ماجد الأنصاري، وهو من فلسطيني الداخل أو ممن يقال لهم “عرب إسرائيل” وهي تسمية سخيفة تنزع عن الفلسطيني هويته وتكرّس مبدأ إسرائيليا يقوم على أن “كل الآخرين اسمهم عرب”.
فمن الأفضل أن نقول “فلسطينيي إسرائيل” الذين وجدوا أنفسهم مرغمين على العيش تحت الاحتلال، ولم يغادروا بلادهم وينزحوا مع النازحين، وهم يستحقون منا جميعا أن نقف معهم وندعمهم لا أن نعاقبهم لكونهم يحملون جوازات سفر إسرائيلية، أو لأنهم يشاركون بين وقت وآخر في العمل بالمسلسلات والأفلام التي تنتج في إسرائيل، فماذا يعمل الممثل وهو مرغم على أن يكون جزءا من المجتمع الذي ولد ونشأ فيه؟ وهو يريد أن يعمل ويطوّر مواهبه دون أن يعني ذلك أنه يكرّس الاحتلال والظلم والتفرقة، بل يناضل ضدها مع أقرانه بقدر المستطاع وفي حدود ما يسمح به الواقع، ولكنه لن يواجه القوة النووية الإٍسرائيلية بالحجارة!
لقد حظرت السلطات المصرية دخول الفنان علي سليمان لكي يأخذ مكانه ضمن لجنة التحكيم الدولية في مهرجان الجونة السينمائي المقام حاليا، وهو الذي جاء بدعوة رسمية منه، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات، أولا بشأن ما يفترض أن يتم من تنسيق مسبق بين المهرجانات التي تقام في مصر وبين السلطات الأمنية، خاصة وأنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها فنان فلسطيني لمثل هذا الموقف المهين، بل وسبق أن تعرض المخرج السوري محمد ملص لمثل هذا الموقف مرتين.
المخرجة السورية سؤدد كعدان مخرجة فيلم "يوم فقدت ظلي" الذي اختير للمشاركة في المهرجان نفسه، واجهت موقفا مشابها بعد أن امتنعت السلطات عن منحها تأشيرة دخول إلى مصر
وقد كتب الممثل الفلسطيني الكبير محمد بكري رسالة وجهها إلى علي سليمان يروي فيها كيف أنه عندما جاءته مؤخرا الفرصة الأولى للعمل في فيلم مصري، وعند وصوله إلى مطار القاهرة احتجزته السلطات وقامت بترحيله على نفس الطائرة ليعود من حيث جاء.
بكري الحاصل على العشرات من الجوائز في المهرجانات السينمائية العالمية، والذي قدّم فيلمه الشهير “حنا ك” مع مخرجه كوستا غافراس في مصر عام 1982، يقول إنه يحمل جواز سفر إسرائيليا وآخر فلسطينيا دبلوماسيا، وقد منعت السلطات أيضا ولديْ محمد بكري الممثلين زياد وصالح بكري من الدخول للمشاركة في أعمال مصرية، كما تم اعتقال المصوّر الفلسطيني إيهاب أبوالعسل وترحيله، رغم أنه يحمل جواز سفر إسرائيلي وآخر فلسطيني.
فهل تحظر مصر دخول حملة جوازات السفر الإسرائيلية من يهود فلسطين؟ وهل أصبح الفنان الفلسطيني الذي يحمل جواز سفر ينتمي لدولة تقيم معها مصر علاقات دبلوماسية رفيعة المستوى وتنسق معها أمنيا وسياسيا، عميلا أو “إرهابيا”؟ لقد قال البعض إن منع علي سليمان لم يكن بسبب جواز السفر، بل لأسباب أخرى، فما هي هذه الأسباب؟ ولماذا لا تعلنها السلطات التي تمنع؟
وقد واجهت المخرجة السورية سؤدد كعدان مخرجة فيلم “يوم فقدت ظلي” الذي اختير للمشاركة في المهرجان نفسه، موقفا مشابها بعد أن امتنعت السلطات عن منحها تأشيرة دخول إلى مصر على الرغم من حصولها على تأشيرات من كندا وبريطانيا وبلدان أوروبية أخرى لحضور مهرجانات عالمية، كما لم يتمكن جميع أفراد فريق فيلمها من الحصول على التأشيرات.
هذه التساؤلات مطروحة الآن أمام السلطات المصرية لتفسير موقفها المتكرر وتفسير التناقض بين دخول الإسرائيليين اليهود بسهولة، ومنع الفلسطينيين حملة الجوازات الإسرائيلية القادمين من الداخل “الفلسطيني”، وهو ما يضر بسمعة المهرجانات السينمائية التي تقام في مصر، بل وبسمعة مصر نفسها أمام العالم!