عصرنة التعليم في الأزهر مقدمة لنشر المزيد من قيم التسامح

الأزهر يوافق على تدريس المناهج الجديدة في نقلة تعكس جانبا جديدا من تخلي فكر قادة الأزهر تدريجيا عن المناهج القديمة التي تخاطب الماضي وتتهم بالتطرف والتشدد.
الاثنين 2018/09/24
الانفتاح في الصغر نقش على الحجر

تذهب بعض المعطيات في مصر إلى أن قبول الأزهر بتطبيق المناهج الدراسية الجديدة في التعليم العام المدني، ابتداء من الصفوف الأولى، مقدمة لتقديم جيل جديد من الطلاب يتمتع بسمات شخصية تجمع بين التسامح وقبول الآخر والانفتاح على العالم الخارجي، بعيدا عن التشدد والتطرف الفكري والديني والثقافي.

القاهرة – أعلن طارق شوقي وزير التربية والتعليم المصري، الأحد الماضي، أن الأزهر وافق على تدريس المناهج الجديدة، التي تعكس الترجمة الواضحة للدستور في مجال التعليم، وتشمل الجمع بين الهوية الوطنية واحترام الخصوصية، والتوازن بين تحديث المناهج واستدعاء التراث ومراجعته، إحياء ونقدا وتحليلا ودراسة وبحثا، وتقديم أنشطة تعمق ثقافات المواطنة والانتماء والتسامح، بغض النظر عن التوجهات الدينية والفكرية.

تدرك الحكومة المصرية، أنه لا سبيل لنشر الترابط والمحبة في المجتمع، سوى بمناهج جديدة تزرع في نفوس الطلاب منذ الصغر كل هذه السمات الإيجابية والسوية، وتحصنهم من الدخول في دوامة التطرف والتشدد الديني والفكري وتبني رؤى تحض على الكراهية والإرهاب المجتمعي، ما يجعلهم يتعاملون مع هذه الأفكار باعتبارها دخيلة مطلوبا التصدي لها لأنها أساس هدم المجتمعات.

تتزايد جرعة التفاؤل تجاه تطبيق المناهج الجديدة، لأنه تم تأليفها وتحديد أهدافها وإطارها العام والسمات الشخصية المكتسبة منها عن طريق خبرات مصرية وأجنبية، ما منحها بعدا فكريا عصريا، كما أنها تركز على مصرية الثقافة، وتعتمد بشكل أساسي على إعادة بناء الشخصية لتكون متحضرة وواعية ومثقفة تستطيع أن تميز بين التسامح والمحبة والتطرف والكراهية.

عكست هذه النقلة جانبا جديدا من تخلي فكر قادة الأزهر تدريجيا عن المناهج الدراسية القديمة التي تخاطب الماضي وتتهم بالتطرف والتشدد، بعد أن شعروا بحتمية التغيير والسير وفق متطلبات العصر وعدم التمسك بالتراث، عندما تيقنوا أن هذه التوجهات أحدثت شروخا مجتمعية.

ربما تأتي هذه الخطوة أيضا في سياق أشمل، يحاول فيه الأزهر تطوير قياداته وهياكله بعد فترة من الخمول، انعكست سلبا على قيم التسامح التي من المفروض أن يتولى نشرها في المجتمع، ويعمل على تكريسها، بدلا من صمته الذي أفضى أحيانا إلى فهمه على أنه تشجيع لتيار التشدد داخله.

ويربط بعض المتابعين بين موافقة الأزهر على مناهج عصرية، وإقصاء كوادر مهمة خلال الآونة الأخيرة، كانت تقف حائلا أمام تطبيق ذلك وتصر على تدريس كتب ذات مرجعية تراثية تحض على الكراهية، على رأسها عباس شومان الذي استُبعد من منصب وكيل المؤسسة الدينية وكان مسؤولا عن ملف تطوير المناهج الدراسية.

يُنظر إلى خطوة التلاحم بين التعليم العام والأزهري في تطبيق مناهج موحدة، قائمة بالأساس على التسامح على أنها بديل مقبول عن فكرة دمج المؤسستين معا، وهو المقترح الذي رفضه الأزهر من قبل، باعتبار أن معاهده وكلياته أحد مصادر نفوذه الديني.

لا سبيل لنشر التسامح و الترابط في المجتمع، سوى بمناهج جديدة تحصن نفوس الطلاب من الدخول في دوامة التطرف

تظل الميزة المهمة أن هذه الخطوة تتعامل مع الدين كمفردة، وليس كأساس للتعليم، بمعنى أن التربية الدينية أصبحت مادة منفصلة تقوم على تدريس المفاهيم الدينية ومزايا التراحم والمودة بين الأديان، وحتمية احترام فكر ومعتقدات الآخرين بعيدا عن التمييز.

قال طارق نورالدين الخبير التربوي لـ”العرب” إن المناهج العصرية بوابة للتسامح المجتمعي وتربية الأجيال الجديدة على أن تكون تعاملاتهم قائمة على الاحترام والمودة، لا الإقصاء على أساس ديني وفكري وثقافي، ولا يمكن أن يسود السلام في مجتمع في ظل إصرار مؤسساته التعليمية على مناهج عقيمة.

وأضاف أن التصدي للرجعية الفكرية يبدأ بإقرار نظام علمي متحضر، يعادي الرضوخ للماضي ويتصدى للمتطرفين، بحيث يكون الخريج يؤمن بحرية الفكر والإبداع والتعايش.

يشمل الإطار العام للمناهج، قضايا التمييز الديني والعولمة والمواطنة، والتواصل الحضاري بين الناس، والتربية الأسرية القائمة على احترام المجتمع المحيط والتعامل مع الآخر بنظرة إنسانية بعيدة عن الانتماء الديني، وألا تكون الديانة المدخل لمبادلة الآخرين الحب والترابط والتآخي وإقامة علاقات معهم.

ظلت المناهج الدراسية، سواء العامة أو الأزهرية، حتى وقت قريب، تحتوي على دروس تحض على الكراهية والعقاب بسفك الدماء والحرق أحيانا، وكانت تتم إزالتها من الكتب مع تصاعد غضب الرأي العام ضدها، دون التحرك نحو إقرار مناهج عصرية، وتعامل بعض علماء الأزهر مع محاولات إصلاح التعليم وتحديث المناهج وعدم ربط كل الدروس بالدين، على أنها محاولات لهدم المؤسسة الدينية.

سبق أن هاجمت عناصر منتمية إلى الأزهر المناهج ووصفتها بالمتطرفة، حيث قالت حركة “أزهريون مع الدولة المدنية”، “إن كتب التراث ومناهج الأزهر منبع التشدد الديني”، ودعمت ذلك بأدلة تشير إلى تناقضات فاضحة بين الطريقة التي يخاطب الأزهر بها العالم، والتي يقدم بها الدين والتراث لطلابه، وقالت إن هناك دروسا في كتب الفقه بالثانوية الأزهرية تدعو إلى قتل المخالفين، كتارك الصلاة والزاني المحصن والمرتد، في كتاب “الاختيار لتعليل المختار”.

ويدرك البعض من المتابعين أن رضوخ الأزهر أمام دعوات تطوير المناهج والقبول بتدريس مواد بعيدة عن التشدد الفكري، جاء بضغوط حكومية لوضع حد لتدهور التعليم الأزهري، بعدما أدركت بعض المؤسسات أن المدخل نحو القضاء على التطرف يجب أن يبدأ من المؤسسات التعليمية بكل صورها، لأن من تخرجوا ويحملون أفكارا متشددة ورجعية تعادي أصحاب الديانات الأخرى يصعب إصلاح مسارهم وتكوينهم الشخصي.

وقال هؤلاء، إن إقرار مناهج حديثة تعادي النظرة الدونية للآخرين، يمثل ضربة موجعة للتيارات المتشددة، التي تتخذ من الجهل المجتمعي والتطرف الفكري مدخلا للنفاذ إلى الناس، باعتبار أن خطابها يعتمد بالأساس على استقطاب خريجي التعليم الذين درسوا في مؤسسات تخاطب العصور الجاهلية وتجعل الدين المرجعية الأساسية لتعاملات البشر مع بعضهم في كل مناحي الحياة، ومن يخرج عن الملّة فهو كافر.

وأكدت نادية محمد، وهي ولية أمر لطفلين في معهد أزهري بالقاهرة، إن “قبول الأزهر بتطبيق مناهج جديدة ثورة ضد الكراهية”، بعدما كانت تشعر أن الدروس تخاطب المسلمين، وما دون ذلك مواطنون من الدرجة الثانية، ما دفعها إلى التفكير في تحويل طفليها إلى التعليم العام.

وأوضحت لـ”العرب” أن تحديث المناهج الأزهرية والعامة انتكاسة للمتطرفين، لأن تعليم الأطفال مبادئ التسامح يجعلهم أسوياء فكريا، بعيدا عن تأييد أفعال التيارات الدينية التي تحتقر الأقباط وتعتبرهم أعداء مثلا.

13