آن الأوان أن تنهي المرأة القطيعة بين الأنثى الكامنة فيها وجسدها

طلب المرأة الانفصال يتعامل معه محيطها بسطحية كبيرة تعمق مأساتها وانشراخها عن نفسها وجسدها، لكنها للأسف لا تكون ضحية تآمر ذكوري صرف فقط بل وأيضا بتواطؤ نسائي في أحيان كثيرة.
الأحد 2018/09/23
انتشاء باستعادة الحرية

أظهرت العديد من الدراسات أن المرأة تُقدم على طلب الانفصال أكثر من الرجل حتى أنها تتحصن بحقها في خلعه في حال تعذر عليها الحصول على ذلك، كذلك ثبت أنها تتكيف نفسيا مع الطلاق أكثر من الرجل حيث أن النساء يكنّ أكثر حرية وسعادة خلال فترة تستمر حتى 5 سنوات ما بعد نهاية الزواج وخاصة إذا كانت حياتهن الزوجية مليئة بالآلام.

ويبدو هذا التكيف جليا في عدة حالات خيرت صاحباتها الاحتفال العلني بطلاقهن، انتشاء منهن باستعادة حريتهن.

وتدان المرأة وتخرج من دوائرها الاجتماعية وتوصف بنعوت لا تليق بإنسانيتها فقط لأنها خيرت عدم الرضوخ لأهواء ذكورية تفرض عليها حياة لا تشبه الحياة في أي شيء.

لكن أما كان أجدى بمن يحاول تقزيمها أن يبحث بجد عن أسباب رغبتها في الهروب من سجن الزوجية إلى أحضان المجهول في حال كانت فاقدة لأي سند أسري؟ أما كان واجبا أن يتم تقصي أي أنواع الحريات خيرت المرأة؟ وهل المسألة بالنسبة إليها تقف حد فك أسرها عبر إبطال عقد يلزمها برزمة من الواجبات الزوجية؟

لا أحد يحاول تلمس الطريق إلى نفسية المرأة، فغالبا تواجه طباعها وحالاتها النفسية والجسدية بجحود ذكوري يعي ما يمر به جسدها من تغيرات تتأثر بفعل الحيض والولادة لكنه ينكر عليها الحق في المزاجية.

وجدت في رواية واسيني الأعرج “نساء كازانوفا” نموذجا، أطل به الكاتب الجزائري على نفسيات نساء عايشن تجارب زواج فاشل وخيرن الانعتاق، باحت كل واحدة منهن بما كانت تعانيه من كبت جنسي ونفسي بسبب شهوات الزوج التي لا تنتهي ولا تنفك تفرغ شحنتها على المزيد من الأجساد الأنثوية.

الحقيقة لا أحاول تحليل الرواية بل فضلت الاستدلال بها بوصف كاتبها كشف النقاب عن معاناة من نوع خاص لا تتجسد في التسلط الذكوري بقدر ما تعكس علاقة مخصوصة بين المرأة وجسدها، فالمرأة تكبت رغباتها وشهواتها داخل قمقم جسد مهمش، وهي كما ورد على لسان إحدى زوجات كازانوفا بالرواية “عليها.. أن تحذر من أي قبلة جميلة وطويلة وحقيقية تأتي من أعماقها، حتى لا يجرحها السؤال القاسي: كيف تعلمت التقبيل؟”، كما لا يحق لها أبدا الهروب من علاقة زوجية فاترة، لكنها بإقدامها على وضع حد لمعاناتها تصبح في دوائر الاتهام دون إعطائها حق الرد.

يتخيل البعض من الناس وفق عقلية عربية صرفة أن الرجل “لا يعيبه شيء”، نعم يعيبه لكن فقط لو يُترك للمرأة حرية البوح في قاعات المحاكم عندما تقف بخفر طالبة الطلاق محجمة عن تقديم الأسباب في بعض الأحيان، لو أنها تتكلم حتى تتصالح مع جسدها وتتخلص من عقدها النفسية التي غذتها تربية قائمة على تأسيس قطيعة بين الأنثى وجسدها.

تفقد المرأة القدرة على الدفاع عن نفسها إذا خيرت الطلاق لأنها في المقابل تفضل السكوت عن الأسباب، كل الأعراف والتقاليد تدين حقها في قول الحقيقة لا لشيء فقط لأنها امرأة مجرد ماكينة للإنجاب والسهر على راحة زوجها، لا يحق لها التصريح بأنه يغتصبها ويتلذذ بإيلامها في حال كان محملا بالعقد والشواذ، لا يحق لها كشف نزواته الحيوانية تجاه جسد هي ذاتها حديثة التعرف على رغباته وميولاته وتغيراته الفيزيولوجية، ترمقها عيون مليئة باللوم والعتاب في حال أفضت بحقيقة أن زوجها عاجز جنسيا أو يعاني علة من العلل التي تقتل حقها في الحصول على النشوة المطلوبة أو أنه عقيم.

طلب المرأة الانفصال يتعامل معه محيطها بسطحية كبيرة تعمق مأساتها وانشراخها عن نفسها وجسدها، لكنها للأسف لا تكون ضحية تآمر ذكوري صرف فقط بل وأيضا بتواطؤ نسائي في أحيان كثيرة، لذلك فإنها حين تعلن الانسحاب لا يعني أنها لا تستطيع المواجهة، ولكن انسحابها يعني أنها بلغت مرحلة لم تعد معها ترى أن هناك من يستحق أن تستمر لأجله، فهي تحب من أعماقها لكنها تكره بصدق.

المرأة تعيش لحظة مخاض طويلة تستمر معها منذ تنفسها ريح الحياة وحتى توارى الثرى، وبين الخطين الفاصلين للحياة والموت تخطو على خط رفيع يحاكي الصراط المستقيم حيث إمكانية الوقوع واردة كل حين، وأول عثرات المرأة أنها تسكت عن حقها النسوي وتبارك بصمتها أعرافا وأنظمة دينية تنزع عنها أنوثتها بادعائها أن المرأة بلا شهوات ولا اندفاعات، مخلوق مسير لا مخير.

20