الأسس الهشة لمطار إسطنبول تكشف عمق الأزمة التركية

مشروع المطار مثل العديد من المشاريع الاستراتيجية التي يفاخر بها أردوغان، مثل الجسور المعلقة ونفق تحت مضيق البوسفور، ينطوي على مخاطر شديدة بسبب استناده إلى طموحات استعراضية.
الجمعة 2018/09/21
منصة جديدة لاستعراضات أردوغان

يعد مطار إسطنبول العملاق نموذجا صارخا لاندفاع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نحو المشاريع الاستعراضية العملاقة التي تفتقر إلى حسابات الجدوى الاقتصادية والتي كانت أحد الأسباب الرئيسية لسقوط الاقتصاد في دوامة أزمات من المستبعد أن ينجو منها في الأمد القريب والمتوسط.

يمكن ببساطة أن نستنتج من حجم المطار الهائل، الذي تصل طاقته إلى استيعاب مرور 150 مليون مسافر سنويا، أن حكومة أردوغان كانت تسعى من خلال المشروع لمنافسة المطارات الخليجية العملاقة كمحطة توقف (ترانزيت) في مسارات الرحلات الطويلة بين أكبر أسواق السفر في العالم.

لكن أي دراسة للجدوى الاقتصادية كان يمكن أن تشير إلى أن الموقع الجغرافي للمطار ليس قريبا من منتصف المسافة بين أي من الكتل السكانية مثل أوروبا وجنوب وشرق آسيا وأستراليا، الأمر الذي يحرم المطار من إمكانية القيام بذلك الدور إلى الأبد.

قرب إسطنبول من الوجهات الأوروبية الرئيسية يجعل من غير المنطقي أن تختار رحلات شركات الطيران المتوجهة بين أوروبا وكل من أستراليا وجنوب شرق آسيا التوقف في مطار بعد ساعتين أو 3 ساعات من انطلاقها أو قبل وصولها بدل أن تختار محطة في منتصف المسافة.

ومن البديهي أن تفضل شركات الطيران والمسافرون التوقف في محطة في منتصف المسافة، الأمر الذي يجعل المطارات الخليجية محطة مثالية لتلك الرحلات ويقوض قدرة مطار إسطنبول على المنافسة.

كما أن موقع المطار ليس قريبا من منتصف حتى بين الأسواق الصغيرة مثل أوسيا وآسيا الوسطى وبلدان أفريقيا، ويمكن لتلك الرحلات الطويلة أن تفضل التوقف في الأردن أو مصر لتجزئة الرحلات الطويلة.

كل ذلك يجعل هدف استقطاب المطار لشركات الطيران لاتخاذه محطة ترانزيت بعيد المنال. وسيعتمد بشكل كبير على الخطوط الجوية التركية، التي تعاني من مشاكل شبيهة بمشاكل المطار بسبب خطط التوسع الجامحة، التي لا تستند هي الأخرى إلى دراسات جدوى اقتصادية رصينة.

مشرويع يفتقر إلى حسابات الجدوى الاقتصادية
مشرويع يفتقر إلى حسابات الجدوى الاقتصادية

وستجد الشركة صعوبة في استقطاب المسافرين للتوقف في إسطنبول كونه بعيدا عن تقاطع الطرق بين أسواق المسافرين الكبرى، إلا إذا قدمت خصومات كبيرة في أسعار التذاكر، وهو ما يزيد متاعبها المالية.

وترزح الشركة تحت جبال من الديون بسبب صفقات شراء أعداد كبيرة من الطائرات التي ستتفاقم أعباؤها بسبب انحدار الليرة التركية، التي تأتي معظم عوائدها بها من خلال الرحلات المحلية.

وتؤكد تصريحات المدير العام للخطوط التركية، بلال أكشي في افتتاح المطار الجديد صعوبة استقطاب المسافرين الأجانب والعروض التي تقدمها لتحريك الطلب المحلي والتي يمكن أن تفاقم أزماتها المالية في ظل انهيار الليرة التي فقدت أكثر من 40 بالمئة من قيمتها منذ بداية العام الحالي.

وببدو يأس الخطوط التركية من إمكانية استقطاب أعداد مناسبة من المسافرين، واضحا في العروض المفرطة للتخفيضات التي أعلنتها قبل شهرين من تسيير الرحلات. وكشف أكشي أن الشركة طرحت أسعار التذاكر تتضمن خصما بنسبة 40 بالمئة على الرحلات الداخلية التي تبدأ من 49 ليرة، أي أقل من 8 دولارات، وفق الأسعار الحالية لليرة التركية.

وتؤكد مؤشرات الإقبال الضعيف على تنظيم الرحلات التي تمر عبر المطار أنه سيواجه أفقا قاتما من اليوم الأول لافتتاحه الرسمي وتسيير رحلات الخطوط التركية من المطار في 31 أكتوبر المقبل. ويقول مسؤولون إن 78 بالمئة من العمل في المطار قد اكتمل، لكن الكثير من المراقبين مازالوا يشككون في إمكانية الانتهاء من أعمال البناء في الوقت المحدد.

ويشير احنفاء الحكومة التركية الغارقة في أزماتها بمشروع المطار إلى أنها تعول على المطار الجديد لتقديم حلول سحرية لتلك الأزمات في وقت يرجح فيه المحللون أن يؤدي إلى مراكمة أعباء إضافية على كاهل الحكومة.

وينطوي مشروع المطار مثل العديد من المشاريع الاستراتيجية التي يفاخر بها أردوغان مثل الجسور المعلقة ونفق تحت مضيق البوسفور، على مخاطر شديدة بسبب استناده إلى طموحات استعراضية.

أعباء مضاعف بعد انهيار الليرة
عبء مضاعف بعد انهيار الليرة

وتقول المؤسسات المالية العالمية إن حمى البناء دون خطط مالية رصينة هي أحد الأسباب الرئيسية لأزمة الاقتصاد التركي الحالية، والتي كانت تمثل نحو 20 بالمئة من نمو الناتج المحلي الإجمالي في البلاد وتوظف مليوني شخص خلال السنوات الأخيرة.

وتشير الإحصاءات الحكومة إلى أن ما يصل إلى 90 بالمئة من تمويل الشركات العقارية التركية جاء من قروض بالعملات الأجنبية، وهو ما يعني أن تلك الشركات سقطت في حفرة عميقة بعد انهيار العملة التركية.

ويفرض التمويل الكبير المعتمد أساسا على الاقتراض في تمويل بناء مطار إسطنبول العملاق، انتظار عوائد كبيرة ومتواصلة لكي يخرج المشروع بالحد الأدنى من التوازن أو عدم تسجيل خسائر تفاقم أعباء الديون.

وتشير البيانات إلى أن تكلفة بناء المطار الجديد تجاوزت 11.7 مليار دولار. وتكمن انعكاسات انحدار الليرة في اقتراض نحو 5.7 مليار دولار، كانت تعادل 18 مليار ليرة عند اقتراضها قبل 3 أعوام، أما اليوم فإنها تعادل 40 مليار ليرة.

ويمتد المطار الثالث على مساحة 76 مليون متر مربع وستكون لديه ستة مدارج مستقلة تصل طاقتها الاستيعابية إلى 500 طائرة في وقت واحد ويمكنها خدمة 3500 طائرة يومياً.

ويتساءل كثير من الأتراك عن موجبات بناء هذا المطار الضخم رغم التحديات والاعتراضات. ويرى الخبراء أنه كان بالإمكان جعل مطار أتاتورك، أكثر فاعلية بدلا من بناء مطار جديد.

ويلخص نيهات غولتكين، المحافظ السابق للبنك المركزي التركي مشكلة مشاريع أردوغان الاستعراضية بالقول “إذا اقترضت المال للتفاخر، فسوف يأتي يوم يطاردك فيه الدائنون وحين تكون الديون بالعملات الأجنبية فإن أعباءها ستكون مضاعفة بعد انهيار الليرة”.

10