الأزمة المالية التركية تتحول بسرعة إلى ثقب أسود

أردوغان يصر على التصعيد ويراهن على تحالفات جديدة، والصين وروسيا عاجزتان عن تقدم خيارات بديلة لأنقرة.
الثلاثاء 2018/08/14
عملة غير مرغوبة

لندن – تخشى الأوساط الاقتصادية والمالية العالمية من استمرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مواصلة تصعيد المواجهة مع الولايات المتحدة، والتي دفعت الاقتصاد التركي إلى حافة الانهيار.

ودخلت أزمة الاقتصاد التركي مرحلة جديدة نهاية الأسبوع الماضي برفض أردوغان الإفراج عن القس الأميركي أندرو برانسون المحتجز في تركيا، والذي دفع ترامب إلى إلغاء تسهيلات جمركية ومضاعفة الرسوم على صادراتها من الحديد والألومنيوم.

وأدى ذلك إلى سقوط حر لليرة التركية التي تضاعفت خسائرها خلال أيام لتصل إلى نحو 50 بالمئة منذ بداية العام، وتقلبت أمس بشكل واسع لتصل إلى 7.23 ليرة للدولار وهي مستويات لم تكن تخطر على بال أكبر المتشائمين.

ويقول محللون إن المشكلة تكمن في أن أنقرة ترفض تناول العلاجات الضرورية، مثل الحاجة الملحة لرفع أسعار الفائدة بنحو 5 بالمئة على الأقل لمواجهة انفجار التضخم وكبح انهيار الليرة.

تيم آش: روسيا والصين لن تفاقما مشاكلهما مع واشنطن من أجل تركيا
تيم آش: روسيا والصين لن تفاقما مشاكلهما مع واشنطن من أجل تركيا

لكن أردوغان تحدى ذلك وأعلن الأحد تمسكه بموقفه المعارض لرفع أسعار الفائدة ليضرب عرض الحائط جميع القواعد الاقتصادية الراسخة. وأكد مجددا أن “ضعف الليرة لا يعكس الحقائق الاقتصادية للبلاد” في معارضة تامة لإجماع الخبراء.

تشير ردود فعل الأسواق إلى أن الأزمة التركية بدأت تتحول إلى ثقب أسود تنعكس تداعياته على دول كثيرة وخاصة المصارف الأوروبية التي لديها انكشاف واسع على تركيا. ويجمع المحللون على أنه مهما سيحصل بعد اليوم فإن الاقتصاد التركي تعرض لأضرار بعيدة المدى ولا يمكن محوها.

وأثار النزاع المتفاقم بين واشنطن وأنقرة موجات من الصدمة بشتى الأسواق. وتدافع المستثمرون القلقون على الملاذات الآمنة مثل الدولار والين والفرنك السويسري وتخلصوا من العملات ذات المخاطر مثل عملات الأسواق الناشئة.

وتلقى اليورو ضربات عنيفة ليتراجع أمس إلى أدنى مستوياته منذ 13 شهرا، بعد أن نقلت صحيفة فايننشال تايمز الجمعة عن مصادر في البنك المركزي الأوروبي أكدت قلق البنك حيال انكشاف بنوك في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا على متاعب تركيا.

وتراجع مؤشر أسهم بنوك منطقة اليورو للجلسة الرابعة على التوالي أمس ليفقد 1.2 بالمئة بسبب المخاوف المستمرة حيال أزمة العملة في تركيا.

ونزلت السندات الدولارية للبنوك التركية وأسهم البنوك الأوروبية التي لها أنشطة في تركيا مثل أوني كريديت وبي.أن.بي باريبا وآي.أن.جي وعدد آخر من المصارف الأوروبية.

وتلوح تركيا بأوراق إنشاء تحالفات جديدة خاصة مع مجموعة بريكس التي تضم الصين والبرازيل والهند وروسيا وجنوب أفريقيا. وقد أشار البيرق أمس إلى أن البنك التجاري الصيني يعتزم توفير تمويل بقيمة 3.6 مليار دولار لقطاعي الطاقة والنقل في تركيا.

ونسبت صحيفة فايننشال تايمز إلى تيم آش المحلل في شركة بوباي لإدارة الأصول، استبعاده حصول تركيا على ما يكفي من الدعم من خارج الدول الغربية. وقال إن تركيا تحتاج لعشرات مليارات الدولارات، وإذا لجأت إلى صندوق النقد الدولي فإنها تحتاج إلى ما يصل إلى 40 مليار دولار.

وأضاف أن روسيا لديها ما يكفيها من المشاكل مع واشنطن بعد تشديد العقوبات الأميركية ضدها. ورجح ألا تغامر الصين بمفاقمة علاقاتها المتوترة مع واشنطن في ظل الحرب التجارية المشتعلة بين البلدين.

7.23 ليرة للدولار  مستوى قياسي متدن جديد انحدر إليها أمس سعر صرف العملة التركية

وقالت فايننشال تايمز إنه حتى في حالة تقديم أردوغان تنازلات، وهو أمر مستبعد، فإن الأزمة ألحقت بالفعل أضرارا طويلة الأجل بالاقتصاد التركي. وأضافت أن تركيا يمكن أن تفاقم أزماتها بتعزيز روابطها مع دول تعاني من عزلة وعقوبات اقتصادية مثل إيران وقطر.

وسبق لوزير الطاقة التركي فاتح دونماز أن أكد بعد دخول العقوبات الأميركية على إيران حيز التنفيذ الأسبوع الماضي أن العلاقات التجارية بين أنقرة وطهران ستستمر وفق الاتفاقات المبرمة بين الجانبين.

وسارعت قطر إلى تأكيد دعمها لتركيا بحسب فايننشال تايمز التي نسبت إلى مسؤول حكومي قوله إن “تركيا حليف مقرب وموثوق” وأن الدوحة لديها “ثقة كاملة بقوة الاقتصاد التركي وأن استثمارات قطر فيه ستستمر كالمعتاد”.

لكن الصحيفة البريطانية قالت إن وقوف قطر، التي تعاني من المقاطعة المفروضة عليها من دول المنطقة، إلى جانب تركيا يمكن أن يجعلها في موقف حرج مع الإدارة الأميركية، خاصة أن ترامب اتهمها مرارا بدعم الإرهاب، إضافة إلى أن الدوحة لا تستطيع تقديم ما يكفي لتخفيف الأزمة التركية.ولا يزال صهر الرئيس أردوغان براءت البيرق الذي يمسك وزارتي المالية والخزانة أي أن بيده مفتاح المال والاقتصاد التركي، يصر على أن لديه خطة لإنقاذ اقتصاد البلاد المتعثر، بعد أن كشف الأسبوع الماضي القليل من ملامح نموذج اقتصادي جديد.

لكن واقع الحال يقول إن البيرق عاجز عن التعامل مع المحنة الكبيرة التي يمر بها الاقتصاد. وقد اكتفى حتى الآن بتصريحات دعائية عن بدء تنفيذ خطة للبنوك وقطاع الاقتصاد الحقيقي وبضمنها الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهي الأكثر تضررا من انهيار الليرة.

فاتح دونماز: التجارة بين تركيا وإيران ستستمر وفق الاتفاقات المبرمة بين الجانبين
فاتح دونماز: التجارة بين تركيا وإيران ستستمر وفق الاتفاقات المبرمة بين الجانبين

وأغدق البيرق في تقديم الوعود دون تفاصيل تذكر، مثل تطبيق سياسة نقدية قوية ونشطة وخفض التضخم، الذي من المتوقع أن يتجاوز 20 بالمئة، إلى خانه الرقم الواحد.

ويرى الخبراء أن وعود البيرق لا تتناسب مع حجم الكارثة التي يشهدها الاقتصاد وتتقاطع تماما مع لغة الأرقام. وأكدوا أنها تبدو للمستثمرين نوعا من الدعاية السياسية في ظل سيطرة أردوغان على البنك المركزي، ومعارضته للنظريات الاقتصادية العلمية وإصراره على خلق نموذج اقتصادي خاصّ بديل عنها.

أما تصريحات أردوغان وخطاباته التصعيدية وحديثه عن حرب ومؤامرة خارجية فتثير السخرية لدى المستثمرين، خاصة بعد أن حذر الشركات التركية من إشهار إفلاسها بالقول “إذا فعلتم ذلك فإنكم ترتكبون خطأ” وكأن الشركات لديها الخيار في ذلك.

وتخشى الأوساط الاقتصادية التركية من قلة مرونة أردوغان وعدم استعداده لتقديم تنازلات وإصراره على الانتصار في المواجهة دون استخدام الأساليب الاقتصادية العملية.

وقال أردوغان أمس إذا كانت واشنطن على استعداد للتضحية بعلاقاتها معنا فإن تركيا “سترد بالتحول إلى أسواق وتحالفات جديدة ضد من يشن حربا تجارية على العالم بأكمله وبضمنه تركيا”.

ويمكن أن يتفاقم الوضع بشكل أخطر خاصة مع لجوء أنقرة لقمع الأوساط المالية، أشارت قناة سي.أن.أن أمس إلى أن مكتب المدعي العام في إسطنبول بدأ تحقيقا مع أشخاص يشتبه بتورطهم في أعمال تهدد الأمن الاقتصادي التركي.

ووصل ارتباك أنقره إلى إعلان وزارة الداخلية أمس عن اتخاذ إجراءات قانونية بشأن ما يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي بخصوص سعر صرف الدولار، الأمر الذي يمكن أن يعمق حالة الهلع بين الأتراك.

10