الألعاب الرقمية منجم ذهب للمستثمر ووبال على المستهلك

الألعاب الإلكترونية تعمل على أن تصبح قوة عملاقة في صناعة الترفيه إلا أن الأجواء الحزينة التي تحيط بالمتع التكنولوجية ما زالت تثير الجدل.
الاثنين 2018/08/13
تنوع مستوى الإثارة حسب طبيعة ونوع اللعبة

تشير العديد من البحوث إلى أن الألعاب الإلكترونية في طريقها إلى أن تصبح قوة عملاقة في صناعة الترفيه والتسلية في حياة البشر، نظرا إلى الارتفاع المتسارع لنسب مستخدميها مقارنة بالألعاب التقليدية ووسائل الترفيه الأخرى، وهو ما يضاعف المخاوف، لا سيما مع سيطرة بعض الألعاب مؤخرا على عقول عدد من الأطفال والمراهقين في كافة أنحاء العالم، من التسبب في انتشار حالات انتحار في صفوفهم

وصفت الألعاب الإلكترونية بأنها منجم من الذهب للمستثمرين، نظرا لما حققته في السنوات الأخيرة من عائدات مالية خيالية، ومن المتوقع أن تصل إيراداتها إلى حوالي 118.6 مليار دولار العام المقبل، في ظل استمرار ارتفاع الطلب عليها.

وربط تقرير اقتصادي النمو السريع لسوق الألعاب التكنولوجية بالزيادة الكبيرة في عدد أصحاب الهواتف الذكية واستخدامهم لتطبيقات الأجهزة المحمولة. وبحسب التقرير الصادر عن شركة آب آني للتحليل الاقتصادي، ستواصل الألعاب قيادة نمو الإيرادات بالنسبة لمتاجر التطبيقات لتصل إلى 105 مليارات دولار عام 2021.

ويبدو أن الألعاب الإلكترونية في طريقها إلى النمو بشكل أكبر لتصبح قوة عملاقة في صناعة الترفيه والتسلية في حياة البشر، إلا أن الأجواء الحزينة التي تحيط بالمتع التكنولوجية ما زالت تثير الجدل.

ففي السنوات الأخيرة وجهت أصابع الاتهام إلى لعبة “الحوت الأزرق” كونها المسؤولة عن انتحار عدد من الأطفال والمراهقين في عدة دول غربية وعربية. وقد اعترف مخترع هذه اللعبة الروسي فيليب بوديكين بالجرائم التي تسبب في حدوثها، قائلا “أحاول تنظيف المجتمع من النفايات البيولوجية، التي كانت ستؤذي المجتمع لاحقا”.

وفي مايو الماضي اضطر متجر ستيم للألعاب الإلكترونية إلى حذف لعبة “أكتيف شوتر”، بعد أن واجهت انتقادات حادة بسبب محاكاتها لحوادث إطلاق النار في المدارس الأميركية.

وقالت شركة فولف المالكة لمتجر ستيم الإلكتروني إنها حذفت اللعبة لأن مطورها كان لديه تاريخ من السلوك السيء.

وذكرت شبكة “سي. أن. أن” أن عائلات طالبين قتلا في هجوم بمدرسة ثانوية في فبراير الماضي في مدينة باركلاند بولاية فلوريدا وصفت اللعبة بأنها “حقيرة” و”مروعة”. كما أثارت اللعبة غضب السيناتور بيل نلسون من ولاية فلوريدا، والذي وصفها بأنها “لا مبرر لها”، مشيرا إلى أن مطور اللعبة يجب أن “يشعر بالخجل”.

وسبق للرئيس الأميركي دونالد ترامب أن حذر من الألعاب الإلكترونية العنيفة، مشددا على أنها تشكل وعي الشباب في الولايات المتحدة، لكن صانعي هذه الألعاب نفوا ذلك وقالوا إنه لا يوجد دليل واحد يربط بين الألعاب التي ينتجونها والسلوك العدواني لبعض الأشخاص.

الألعاب الإلكترونية ستواصل قيادة نمو الإيرادات بالنسبة إلى متاجر التطبيقات حتى العام 2021

ويرجح بعض الخبراء أن الألعاب الإلكترونية يمكن أن تساهم في تحول المراهقين ذوي الميول العدوانية إلى أشخاص يستهويهم العنف، كما تربط أيضا ‏التعرض لمشاهد العنف بالإثارة الفيزيولوجية التي تصحب الرغبة في ‏الاعتداء بالعنف.‏

‏ويتنوع مستوى الإثارة حسب طبيعة ونوع الألعاب، ويحدث هذا مثلا إذا كان الفرد ‏يلعب ضد شخص آخر بدلا من الآلة نفسها.

‏وفي تقرير متعمق لخمس وثلاثين دراسة بحثية دولية أجريت على 4612 شخصا كانت ‏أعمارهم أقل من 18 سنة، تأكدت الفرضية التي تفيد بأن التعرض لألعاب الفيديو ‏خطر على الأطفال والمراهقين بمن في ذلك الأشخاص الذين في المرحلة الجامعية. ‏

وبينت نتائج الدراسات كيف تحول المراهقون ذوو الميول العدوانية إلى أشخاص يحبون العنف والقتال بعد ‏أن مارسوا ألعاب الفيديو الخاصة بالعنف فترة من الزمن، وكان ميلهم إلى العراك ‏والتحدي أضعاف زملائهم الذين لم يمارسوا تلك الألعاب.

وتواجه أعداد من الدول مشكلة إفراط الأطفال في استخدام ألعاب الإنترنت على نحو دفع السلطات في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ تدابير تضمن عدم حصول الأطفال على ألعاب الفيديو التي لا تناسب أعمارهم.

وكانت كوريا الجنوبية أيضا قد طرحت في عام 2011 قانونا يقضي بحظر دخول الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 16 عاما إلى مواقع ألعاب الإنترنت خلال الفترة من منتصف الليل وحتى السادسة صباحا. وفي اليابان تظهر نافذة فرعية على شاشة المستخدم تحذره من تجاوز حد الاستخدام المسموح به خلال الشهر.

وبالرغم من هذه التدابير والقيود مازال التحقق من عمر المستخدم يمثل عقبة رئيسية تعترض سبيل التصدي للمشكلة بنجاح.

وحذر الباحث الأميركي أندرسون ودل من ألعاب الفيديو التي تتسم بالعنف، معتبرا أن لها علاقة وثيقة بالسلوك ‏العدواني والجنوح وخاصة عند الأشخاص ذوي الشخصيات العدوانية من الرجال.

الألعاب الإلكترونية العنيفة تشكل وعي الشباب
الألعاب الإلكترونية العنيفة تشكل وعي الشباب

وشدد ودل على أن مثل هذه الألعاب أكثر خطورة في تلقين ‏العنف للأطفال من المشاهد العنيفة التي يتعرضون لها في السينما والتلفزيون، وخاصة إذا كان ‏العنف في ألعاب الفيديو مجسما ومشابها للواقع.‏

‏ويعتقد خبراء في علم النفس أن هناك آثارا عدوانية تتولد عند اللاعبين سواء مارسوا تلك الألعاب ‏لفترات قصيرة أو طويلة، مبرزين دورها في تعليم النشء الحلول المتسمة ‏بالعنف على أنها أفضل الحلول للمشكلات، فهي على المدى ‏القصير قد تفجر الأفكار العدوانية عند الفرد.

أما على المدى الطويل فيمكن أن تشكل عنده ‏ما يعرف بالقائمة المعرفية للتصرفات العدوانية، التي توجهه نحو العنف في مواقف ‏الصراع. ويرى الخبراء أن استمرار التعرض لمضمون الألعاب ذات ‏الطابع العدواني يؤدي إلى ما يعرف بـ”التكوينات العقلية العدوانية”، ما يزيد من ‏عداء الفرد وكراهيته للآخرين.

وأدرجت منظمة الصحة العالمية مؤخرا “اضطرابات ألعاب الفيديو” في نسختها الأخيرة من دليل تصنيف الأمراض. وقالت منظمة الصحة العالمية إنها كانت قد أجرت مراجعة للأدلة المتوفرة قبل إدراج إدمان ألعاب الفيديو كاضطراب صحي.

وأضافت أن الآراء عكست “إجماعا في آراء الخبراء من مختلف التخصصات والمناطق الجغرافية” وعرّفت هذا الإدمان بنمط مستمر في ممارسة اللعب إلى درجة “اتخاذه أولوية على حساب اهتمامات الحياة الأخرى”.

لكن عددا من المعارضين يرون أن قرار تصنيف هذا السلوك كإدمان قد تحكم فيه الذعر الأخلاقي، بدلا من أن يعتمد على أدلة علمية عالية الجودة.

وأشار المحاضر في علم النفس البيولوجي في جامعة باث سبا البريطانية، بيتر إيتشلز، إلى أن تقديرات أولئك الذين يدمنون ألعاب الفيديو تتراوح من أقل من 0.5 إلى نحو 50 في المئة من اللاعبين، ما يعني أن ثمة خطرا من الإخفاق في تحديد هوية أولئك الذين لديهم بالفعل مشكلة وأولئك الذين يستمتعون بتلك الألعاب.

12